عن أنس رضي الله عنه قال: {خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ}{1}
وفي رواية أحمد: "في السفر والحضر"، وفي رواية مسلم: "تسع سنين"، وفي رواية أبي نعيم: قال أنس رضي الله عنه: {خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِنِينَ فَمَا سَبَّنِي سُبَّةً قَطُّ، وَلا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلا انْتَهَرَنِي، وَلا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَلا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ فِيهِ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ، فَإِنْ عَاتَبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ شَيْءٌ لَكَانَ}.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بمكروه ولا يتعرض في وعظه لأحد معين بل يتكلم خطاباً عاماً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: مال بال أقوام يقولون كذا وكذا، وكانت معاتبته صلى الله عليه وسلم تعريضاً: {مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ}{2} ونحو ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى إنساناً يفعل ما لا يليق لم يدع أحداً يبادر إلى الإنكار عليه حتى يتثبت في أمره، ويعلمه الأدب برفق، وكان صلى الله عليه وسلم لا يَأْخُذُ بِالْقَرَفِ (التهمة) وَلا يَقْبَلُ قَوْلَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ{3}، وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: {لا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ}{4}
وكان صلى الله إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: {بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا}{5}
وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ أَصْحَابَهُ لَمْ يُصَافِحْهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ{6} وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَخَذَ بِيَدِهِ فَشَابَكَهُ، ثُمَّ شَدَّ قَبْضَتَهُ{7} و كان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَامَ مَعَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَتَنَاوَلَ يَدَهُ، نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَنَاوَلَ أُذُنَهُ – أي ليكلمه سراً - نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا مِنْهُ{8} أي لا ينحي أذنه عن فمه حتى يفرغ الرجل من حديثه
وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ، مَسَحَهُ وَدَعَا لَهُ{9} وكان صلى الله عليه وسلم لا يدعوه أحد من أصحابه أو غيرهم إلا قال صلى الله عليه وسلم لبيك
وكان صلى الله عليه وسلم يكني أصحابه{10}، ويدعوهم بالكنى باحب أسمائهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم، ويكني من لم يكن له كنية، ويكني النساء اللاتي لهن الأولاد، واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن بالكنى، ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالإحسان إليهم، وكان يكرم ذوي رحمه ويصلهم من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم بني هاشم، وكان صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفاً بالعباس، فكان صلى الله عليه وسلم يُجل العباس إجلال الولد للوالد.
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا أخذ بيده سايره حتى يكون ذلك هو المنصرف، وكان صلى الله عليه وسلم: {إِذَا وَدَّعَ رَجُلا أَخَذَ بِيَدِهِ فَلا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: اسْتَوْدِعِ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ}{11}
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: ألك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته. وكان صلى الله عليه وسلم يكرم كل داخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع يجلسه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تكون تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يقبل.
وكان صلى الله عليه وسلم ليناً هيناً ليس بفظ ولا غليظ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يجفو على أحد ولو فعل معه ما يوجب الجفاء، وكان صلى الله عليه وسلم يقبل معذرة المعتذر إليه ولو فعل ما فعل، فكان صلى الله عليه وسلم إذا آذاه أحد يعرض عنه ويقول: {يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ}{12}
وكان صلى الله عليه وسلم يرى اللعب المباح فلا ينكره، وترفع عليه الأصوات بالكلام الجافي فيحتمله ولا يؤاخذه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل أن يدعوا على أحد عدل عن الدعاء عليه ودعا له، وما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادماً قط ولا غيرهما إلا أن يكون في الجهاد، قالت أم سلمة رضي الله عنها: وكان الخادم إذا أغضبه يقول صلى الله عليه وسلم: {لَوْلا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ، لأَوْجَعْتُكِ بِهَذَا السِّوَاكِ}{13}
ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شديداً وقالوا: لو دعوت عليهم فقال: {إني لم أبعث لعاناً ولكن بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون}{14}
وهكذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا وَخُلُقًا}{15}
وما أجمل الوصف الذي أورده له الحافظ بن كثير في تفسيره وعزاه لابن أبي حاتم، وأورده القسطلاني في المواهب وعزاه لابن اسحاق وهو عن وهب بن المنبه قال: " أوحى الله تعالى إلى نبي من بني اسرائيل يقال له شعياء، أن قم في بني اسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي فقام فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله تعالى يريد أن يقضي شأناً ويدبر أمراً وهو منفذه، إنه يريد أن يبعث أمياً من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب واليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه بشيراً ونذيراً لا يقول الخنا – الفحش في القول - أفتح به أعيناً عمياً، وأذاناً صماً، وقلوباً غلفاً وأسدده بكل أمر جميل، وأهب له كل خُلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، وأُعرِّف به بعد النكرة، وأُكثِّر به بعد القلة، وأغني به بعد العَيلة، وأُجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة وقلوب مختلفة وأهواء مشتتة، وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيماً من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به الرسل ".
{1} جامع الترمذي {2} صحيح البخاري وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها {3} حلية الأولياء لأبي نعيم {4} جامع الترمذي وسنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود {5} صحيح مسلم وسنن أبي داود عن أبي موسى {6} المعجم الكبير للطبراني {7} الجامع في الحديث لابن وهب {8} أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني {9} صحيح ابن حبان {10} الفقيه والمتفقه للخطيب {11} جامع الترمذي {12} الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن مسعود {13} المطالب العالية لابن حجر والطبقات الكبرى لابن سعد {14} أخرجه مسلم {15} الصحيحين البخاري ومسلم وصحيح ابن حبان عن البراء بن عازب
وفي رواية أحمد: "في السفر والحضر"، وفي رواية مسلم: "تسع سنين"، وفي رواية أبي نعيم: قال أنس رضي الله عنه: {خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِنِينَ فَمَا سَبَّنِي سُبَّةً قَطُّ، وَلا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلا انْتَهَرَنِي، وَلا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَلا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ فِيهِ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ، فَإِنْ عَاتَبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ شَيْءٌ لَكَانَ}.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بمكروه ولا يتعرض في وعظه لأحد معين بل يتكلم خطاباً عاماً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: مال بال أقوام يقولون كذا وكذا، وكانت معاتبته صلى الله عليه وسلم تعريضاً: {مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ}{2} ونحو ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى إنساناً يفعل ما لا يليق لم يدع أحداً يبادر إلى الإنكار عليه حتى يتثبت في أمره، ويعلمه الأدب برفق، وكان صلى الله عليه وسلم لا يَأْخُذُ بِالْقَرَفِ (التهمة) وَلا يَقْبَلُ قَوْلَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ{3}، وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: {لا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ}{4}
وكان صلى الله إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: {بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا}{5}
وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ أَصْحَابَهُ لَمْ يُصَافِحْهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ{6} وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَخَذَ بِيَدِهِ فَشَابَكَهُ، ثُمَّ شَدَّ قَبْضَتَهُ{7} و كان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَامَ مَعَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَتَنَاوَلَ يَدَهُ، نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَنَاوَلَ أُذُنَهُ – أي ليكلمه سراً - نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا مِنْهُ{8} أي لا ينحي أذنه عن فمه حتى يفرغ الرجل من حديثه
وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ، مَسَحَهُ وَدَعَا لَهُ{9} وكان صلى الله عليه وسلم لا يدعوه أحد من أصحابه أو غيرهم إلا قال صلى الله عليه وسلم لبيك
وكان صلى الله عليه وسلم يكني أصحابه{10}، ويدعوهم بالكنى باحب أسمائهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم، ويكني من لم يكن له كنية، ويكني النساء اللاتي لهن الأولاد، واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن بالكنى، ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالإحسان إليهم، وكان يكرم ذوي رحمه ويصلهم من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم بني هاشم، وكان صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفاً بالعباس، فكان صلى الله عليه وسلم يُجل العباس إجلال الولد للوالد.
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا أخذ بيده سايره حتى يكون ذلك هو المنصرف، وكان صلى الله عليه وسلم: {إِذَا وَدَّعَ رَجُلا أَخَذَ بِيَدِهِ فَلا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: اسْتَوْدِعِ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ}{11}
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: ألك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته. وكان صلى الله عليه وسلم يكرم كل داخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع يجلسه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تكون تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يقبل.
وكان صلى الله عليه وسلم ليناً هيناً ليس بفظ ولا غليظ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يجفو على أحد ولو فعل معه ما يوجب الجفاء، وكان صلى الله عليه وسلم يقبل معذرة المعتذر إليه ولو فعل ما فعل، فكان صلى الله عليه وسلم إذا آذاه أحد يعرض عنه ويقول: {يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ}{12}
وكان صلى الله عليه وسلم يرى اللعب المباح فلا ينكره، وترفع عليه الأصوات بالكلام الجافي فيحتمله ولا يؤاخذه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل أن يدعوا على أحد عدل عن الدعاء عليه ودعا له، وما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادماً قط ولا غيرهما إلا أن يكون في الجهاد، قالت أم سلمة رضي الله عنها: وكان الخادم إذا أغضبه يقول صلى الله عليه وسلم: {لَوْلا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ، لأَوْجَعْتُكِ بِهَذَا السِّوَاكِ}{13}
ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شديداً وقالوا: لو دعوت عليهم فقال: {إني لم أبعث لعاناً ولكن بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون}{14}
وهكذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا وَخُلُقًا}{15}
وما أجمل الوصف الذي أورده له الحافظ بن كثير في تفسيره وعزاه لابن أبي حاتم، وأورده القسطلاني في المواهب وعزاه لابن اسحاق وهو عن وهب بن المنبه قال: " أوحى الله تعالى إلى نبي من بني اسرائيل يقال له شعياء، أن قم في بني اسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي فقام فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله تعالى يريد أن يقضي شأناً ويدبر أمراً وهو منفذه، إنه يريد أن يبعث أمياً من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب واليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه بشيراً ونذيراً لا يقول الخنا – الفحش في القول - أفتح به أعيناً عمياً، وأذاناً صماً، وقلوباً غلفاً وأسدده بكل أمر جميل، وأهب له كل خُلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، وأُعرِّف به بعد النكرة، وأُكثِّر به بعد القلة، وأغني به بعد العَيلة، وأُجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة وقلوب مختلفة وأهواء مشتتة، وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيماً من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به الرسل ".
{1} جامع الترمذي {2} صحيح البخاري وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها {3} حلية الأولياء لأبي نعيم {4} جامع الترمذي وسنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود {5} صحيح مسلم وسنن أبي داود عن أبي موسى {6} المعجم الكبير للطبراني {7} الجامع في الحديث لابن وهب {8} أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني {9} صحيح ابن حبان {10} الفقيه والمتفقه للخطيب {11} جامع الترمذي {12} الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن مسعود {13} المطالب العالية لابن حجر والطبقات الكبرى لابن سعد {14} أخرجه مسلم {15} الصحيحين البخاري ومسلم وصحيح ابن حبان عن البراء بن عازب