الحمد لله والصبلاة والسلام على رسول الله وبعد:
**الملائكة خلق نوراني مجرد من الشهوات والغرائز ، وهم بهذا يخلقون خلقاً لا تناسلاً . وهم أول خلق الله من بين جميع خلقه . بدليل أنهم كانوا أول من حمل العرش الإلهي بعد أن استوى الرحمن عليه إذ أن القرآن الكريم يقرر أن العرش الإلهي كان على الماء ) وكان عرشه على الماء ( [ هود : 7] وأن الله عز وجل عندما أتم خلق السموات والأرض في ستة أيام استوى على العرش *وعندئذ قامت الملائكة بحمله وهم يسبحون ويطوفون حوله . قال الله تعالى : ((إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)) ( [ يونس : 3 ] .
- إن حمل الملائكة للعرش الإلهي وما يحيط به إنما يكون مقروناً بتسبيحهم لله عز وجل قال تعالى(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم))، ( غافر : 7).
** الملائكة هم أول العوالم اللامرئية التي حجبت رؤيته عن عالمي الإنس والجن ، لكنه عالم يُستدل عليه بالأثر .
وبما أن رؤيتهم قد حجبت عنا في اليقظة ، فكذلك حجبت عنا في النوم ، فلا يظهرون في النوم من خلال الرؤيا على حقيقتهم الخلقية ، وإنما يظهرون من خلال وجودهم في الرؤيا بظهور شخص أو أكثر يكون معروفاً لدينا أثناءها ، فإذا استيقظنا نسينا شكله . فيقول الرائي عندئذ : أنه كان معه شخص يعرفه ولكنه الآن نسيه . ويكون هذا الشخص المعروف في الرؤيا ، المجهول في اليقظة متصفاً بالسمات التي تتصف بها ملامح الإنسان في وجهه . فيكون وجهه واضح المعالم تماماً للرائي *وهذا أصل من أصول هذا العلم. ويكون وجوده في الرؤيا بشارة للرائي أو إنذاراً له *مما يؤكد حدوث هذه الرؤيا وإمكانية تصديق ما تهدف إليه .
وأما رؤيتهم على حقيقتهم الخلقية في النوم ، فتكون إنذاراً بوقوع عذاب شديد للرائي على عمل شائن سيقوم به لقوله تعالى :
((يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين)) ( الفرقان : 22] .
**وينقسم الملائكة من حيث عملهم وتكليفهم إلى قسمين :
- قسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام الشمسي وهو الإنسان .
- وقسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام القمري وهو الجان .
* ويتعاون القسمان قيما بينهما ، فيقوم كل قسم بتسليم ما وصل إليه في قسمه إلى ذلك القسم الذي بدأ عمله .
هذا العمل المتصل ليلاً نهاراً هو الذي عبّر عنه الرسول الكريم i عندما قال :
(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون )) .
هذان القسمان يخضعان في عملهم لنظام دقيق محكم صادر عن الديوان الإلهي *وهذا الديوان يرأسه جبريل عليه السلام الذي يتلقى الأوامر الإلهية ويعمل على تنفيذها .
- *فإن كانت هناك أمور مستعجلة تستوجب التنفيذ العاجل قام هو نفسه بتنفيذها . وعندئذ ينعقد مجلس الحرب الملائكي بقيادته ، ويتم تحديد العمل الذي يوكل إلى كل مَلك للقيام به
* * *** وتوضح المراجع أن الملائكة اشتركت فعلياً في القتال يوم بدر . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس قال : ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام . وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون
وعن عبد الله بن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء أرسلوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء *.
وإذا صحت الروايات برؤية الملائكة ، فإن اختلاف لون عمامة جبريل عن باقي الملائكة دليل على أنه القائد الفعلي لهذا الجيش الملائكي .
ومن المؤكد أن هذا الجيش الملائكي قد ساهم في هبوط الروح المعنوية لدى المشركين في معركة الخندق فكانت سبباً مباشراً في انسحابهم من المعركة . قال الله تعالى عن غزوة الخندق : ((فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ))( [ الأحزاب : 9 ] .
فالجنود المجهولون في الرؤيا هم ملائكة في الجيش الإلهي *وهذا أصل من أصول هذا العلم *فإن رأى أحدهم أنه يضع رتبة عسكرية على كتفيه ، فيكون هذا بشارة له من الله عز وجل على حسن طاعته ، وعلو منزلته بحسب الرتبة العسكرية التي يضعها .
* * * **ومما لاشك فيه أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم بنفسه على قوم لوط ، وكان الملك ميكائيل تحت قيادته . فالطبري يروي بإسناد عن مجاهد في أكثر من رواية منقولة عنه أن جبريل عليه السلام أدخل جناحيه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن *وأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها على خوافي جناحيه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء ثم قلبها *.
* * * ***فمن رأى أن له جناحين فذلك بشارة له على القوة التي منحها الله له ، وذلك على قدر حجم الجناح وكبره .
ومن المؤكد أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم على جيش أبرهة الحبشي . وتمثلت قيادته لهذا الجيش الملائكي بالطير الأبابيل التي حملت حجارة من سجيل مأخوذة من نار جهنم . ولهذا فإن الطيور المجهولة النوع والكثيرة العدد تكون في الرؤيا إنذاراً بوقوع عذاب ماحق ، وغالباً ما يكون هذا العذاب عاماً لا خاصاً اجارنا الله .
وينقسم العمل في الديوان الإلهي إلى أقسام عدة ، يتولى كل قسم العمل الموكل إليه ، ويكون على رأسه كبير من الملائكة .
فقسم العذاب يتولاه المَلَك مالك عليه السلام ، فهو خازن النار *قال الله تعالى : على لسان أصحاب النار وهم في جهنم ((*ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون)) ( الزخرف : 77] .
ويعينه على تنفيذ مهامه عدد من الملائكة هم ملائكة العذاب . قال الله تعالى : (( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا)) [ المدثر : 31] .
**وملائكة العذاب هؤلاء هم الذين يتولون عذاب أهل النار ، ولا يعرفون الشفقة ولا الرحمة بهؤلاء . قال تعالى : ((عليها ملائكة غلاظ شداد ))[ التحريم : 6] .
ولهم أسلوب خاص في قبض أرواح المجرمين كما سنبين في مصطلح المجرمين حيث أنهم أثناء قبض أرواحهم يقومون بضربهم على وجوههم وأدبارهم ، قال تعالى : ((فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)) ( [ محمد : 27] .
وهم لا يفعلون هذا مع هؤلاء المجرمين إلا لأن وجوههم كانت تأخذ وضع السجود على الأرض طلباً للاستمتاع مع شركائهم في نكاحهم في أدبارهم .
ووضع السجود هذا ظاهره يوحي بالعبادة ، لكنه في حقيقته ليس إلا طلباً للمتعة في ذلك النوع من النكاح ، قال تعالى : ((ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكةُ يضربون وجوهَهم وأدبارهم)) ( [ الأنفال : 50] .
*ملائكة العذاب هؤلاء إنما يظهرون في الرؤيا على صورة رجال الشرطة بكافة أنواعها ورتبها من ( عسكرية أو مدنية أو جنائية ) بصورة رجال مجهولين . وتكون رؤيتهم إنذاراً للرائي بتجنب أي عمل يؤدي به إلى هذه النهاية *.
**وأما القسم الثاني فهم :
ملائكة الرحمة ويتولاهم رضوان خازن الجنة . واسمه وحده كاف للتبشير برضا الله عنه .
وفي القرآن الكريم كله لم ترد لفظة رضوان إلا مصحوبة بلفظ الجلالة ظاهراً أو ضميراً . قال تعالى : ((خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ))[ آل عمران : 15] . ويقول سبحانه : ((أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ))[ آل عمران : 162] .
**وملائكة الرحمة هم الذين يتولون المؤمنين في حياتهم الدنيا بالتوجيه والرعاية والبشرى ، قال تعالى : ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( [ فصلت : 30] .
وهم الذين يتوفون الصالحين ، ويسلمون عليهم أثناء قبض أرواحهم تطميناً لهم . قال تعالى : ((الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ))[ النحل : 32 ] .
وهم الذين يتابعون مهامهم مع المؤمنين حتى بعد وفاتهم ، ودخولهم الجنة ، فيقومون بزيارتهم ، مهنئين لهم بهذا المقام الرفيع الذي منحه الله لهم في الجنة . قال تعالى : ((جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ))[ الرعد : 23-24] .
ملائكة الرحمة هؤلاء ، تكون رؤيتهم على هيئة رجال مجهولين كاملي الملامح ، صحيحي البنية ويكون ما يقولونه للرائي بشرى له من الله عز وجل بتحقيق مراده وهدفه .
وغالباً ما يكون ظهورهم في الرؤيا أفراداً أو جماعات ، معروفاً لديه ، فإذا استيقظ من نومه قال : لقد نسيت شكلهم .
وهذا أصل من أصول هذا العلم .
**وأما القسم الثالث من أقسام الملائكة فهم الكتبة الذين يسجلون أفعال المخلوق من خير أو شر . فالملكان رقيب وعتيد يقومان بتسجيل الأعمال الصالحة ، والأعمال غير الصالحة . ويكون الملك ( رقيب ) على الجهة اليمنى . والملك ( عتيد ) على الجهة اليسرى . قال تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ))[ ق : 18] .
وما يسجله هذان الملكان ، يقوم ملائكة آخرون بنسخه إلى كتاب خاص بكل مخلوق . قال تعالى : ((هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ))[ الجاثية : 29] .
فإذا ما توفي هذا المخلوق أُغلق كتابه الذي يغطّي حياته وحُفظ بما فيه إلى يوم القيامة . فإذا بدأ الحساب ، أُعطي كل مخلوق كتابه بحسب أفعاله . فإذا ما أُعطي باليمين كان من أصحاب اليمين ، وما أعطي بشماله كان من أصحاب الشمال . قال تعالى (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ))[ الإسراء : 14] .ثم ((فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ))[ الحاقة : 16] .
ثم ((وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ))[ الحاقة : 25]
وعندئذٍ يبدأ تصنيف الأمم بحسب كتب أفرادها ، فكل من حمل كتابه بيمينه جُمع مع زمرته من أهل اليمين في كتاب واحد ، وكل من حمل كتابه بشماله جمع مع زمرته من أهل الشمال في كتاب آخر . وعلى هذا تكون الأمم قد صنفت .
قال تعالى : ((وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون بما كنتم تعملون ))[ الجاثية : 28] .
فأما الذين حملوا كتبهم في أيمانهم فقد سماهم الله الأبرار . قال تعالى : ((كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ))[ المطففين : 18] .
وأما الذين حملوا كتبهم بشمائلهم فقد سماهم الله الفجار . قال تعالى : ((كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ))[ المطففين : 7] .
ويكون عندئذ لكل كتاب رقم فالأبرار لهم أرقام خاصة بهم تميزهم عن غيرهم . قال تعالى :
((وما أدراك ما عليّون ، كتاب مرقوم ))[ المطففين : 20] .ثم ((وما أدراك ما سجّين ، كتاب مرقوم ))[ المطففين : 9] .
وكذلك الفجار لهم أرقام خاصة بهم .
وتكون أرقام الأبرار وتراً . من 1-3-5-7 . ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ينهي صلوات يومه بصلاة الوتر ، وهي صلاة مفردة . فالله واحد أحد . وتكون أرقام الفجار شفعاً . من 2-4-6-8 الخ… ((الذي جعل مع الله إلهاً آخر ))[ ق : 26 ] ، فالفاجر هو الذي اتخذ إلهين .
ولقد أقسم الله تعالى بهذين الرقمين في سورة الفجر فقال : ((والفجر وليال عشر والشفع والوتر ))[ الفجر : 1-3] .
وعندئذ يتم تقسيم أمة الأبرار إلى زمر وجماعات ، فيدخلون الجنة بحسب زمرهم . قال تعالى : ((وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ))[ الزمر : 73] .
وكذلك يتم تقسيم أمة الفجار إلى زمر وجماعات ، فيدخلون جهنم بحسب زمرهم . قال تعالى : ((وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ))[ الزمر : 71] .
فمن رأى نفسه أنه يساير شخصاً وهو على يمينه ، فهي بشرى له بحسن عمله وطاعته ، فإن رأى أنه يسايره وهو على شماله ، فإن ذلك إنذار له بسوء عاقبته .
فإن رأى أنه مع جماعة ، وفي الرؤيا قرينة تدل على الصلاح ، دل على أنه يصادق مجموعة طاهرة ، فإن رأى أنه مع جماعة ، وليس في الرؤيا قرينة تدل على الصلاح ، دل على أنه يصادق جماعة من المنحرفين ، وتكون عاقبته معهم وخيمة .
فمن رأى أنه يسير وسط اثنين ، فمن كان على يمينه فهو رجل صالح ، ومن كان على شماله فهو رجل فاسد .
فمن رأى أنه قد جاءه كتاب مجهول فهو دنو أجله ، فإن فتحه فإنه يكون قد بقي له من عمره قدر ما بقي من الكتاب . فإن أخذه بيمينه فهي بشرى له بحسن حاله عند ربه .
فإن وضعت بين يديه كتب معلومة ، فهم رجال متعلمون يقابلهم ، فإن كانت مجهولة كانوا رجالاً متعلمين لكنهم مجهولون سيقابلهم .
فإن كانت الكتب قديمة فهم رجال يعرفهم قديماً ، فإن كانت جديدة كانت رجالاً متعلمين سيتعرف عليهم عاجلاً . وهذا كله أصول من أصول هذا العلم .
**وأما القسم الرابع من الملائكة الذين يعملون في الديوان الإلهي فهو قسم ( المراسلين ) الذين يتحملون عبء نقل الرسائل من الديوان الإلهي إلى عامة الخلق وهؤلاء هم الذين يخصهم الله سبحانه بتسمية ( الرسل ) ، قال تعالى :
((الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً ))( [ فاطر : 1] .
ويبين أن هؤلاء المراسلين أو المرسلين إنما ينتقيهم ربهم انتقاء من بين جميع ملائكته . قال تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس )) (الحج : 75)
وهؤلاء المراسلون هم الذين يحملون الأوامر الإلهية إلى عباده الذين هم بحاجة إلى رسالة مخصوصة بهم ، قال تعالى :
((يُنّزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ))[ النحل : 2] .
هؤلاء الملائكة هم الذين يقومون بنقل الأوامر الإلهية ، ويكون ذلك من خلال الطرق التي حددتها الآية الكريمة في قوله تعالى :
((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌّ حكيم ))[ الشورى :51] .
وما من شك في أن إحدى وسائل الاتصال بالمخلوق هو ( من وراء حجاب ) هذا الحجاب الذي يفصل بين العبد وبين حامل الرسالة إليه هو النوم .
ومن هنا ، فإن الرؤيا الصادقة هي التي تأتي الرائي وهو نائم ، فتحمل إليه تبشيراً أو تحذيراً خصه الله به من بين جميع خلقه على قدر الحاجة الملحة التي تملي وجود منبه لهذا العبد مما هو فيه .
وعلى هذا فإن الرؤيا الصادقة تحمل للرائي ما يحمله عادة الأنبياء والرسل لأممهم ، وتكون هي امتداداً لعمل هؤلاء الأنبياء بعد انقطاع نبوتهم . ومصداق هذا قول النبي i : (( ذهبت النبوة ، وبقيت المبشرات . قالوا : ما المبشرات يا رسول الله . قال : الرؤيا الصادقة يراها العبد أو ترى له . )) ( [1] ) .
وأما الوسيلة الثانية التي يتلقاها النائم في رؤياه فهو الهاتف . فكل حديث يسمعه الرائي في نومه عبر هاتف مجهول هو وحي من الله تعالى لا تأويل له . ويكون الكلام الذي سمعه منه أمراً حقاً مجاباً كما سمعه .
ولكون عالم الملائكة عالماً جدياً لا يعرف المزاح والضحك لأن الله عز وجلّ قد خلقهم لتنفيذ أوامره حيث أنهم : ((لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ))[ الأنبياء : 27] .
فهذا يستوجب صدق الرؤيا لأنها ينقلها مَلَك ينفذ أمراً . ولأنها كذلك فهي تستوجب التأويل .
ومما لا شك فيه أن عالم الملائكة عالم رحب فسيح يصعب حصره ، ووضع القوانين والأحكام الشاملة له . وقد اقتصرت على الجوانب السابقة لما لها من صلة مباشرة بعلم التأويل .
بقي أن أشير إلى اتهامين متصلين بعالم الملائكة . أحدهما اتهام صادر عن عالم الجن . والثاني صادر عن عالم الإنس .
فأما الاتهام الصادر عن عالم الجن ، هو أن هؤلاء الملائكة هم إناث لا ذكور . قال تعالى : ((فاستفتهم ألربك البناتُ ولهم البنونَ ، أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ، ألا إنَّهم من إفكهم ليقولون ، وَلَدَ اللهُ وإنهم لكاذبون ، أصطفى البناتِ على البنين ))[ الصافات : 149-153] .
ويقول سبحانه وتعالى : ((أم له البناتُ ولكم البنونَ ))[ الطور : 39] .
إن هذا الاتهام صادر عن أولئك المجرمين الذين أقاموا علاقة زواج مع شريكاتهم من عالم الإنس ، وهذا ما سنفصل به الحديث في فصل قادم .
وهم بادعائهم هذا يسوغون لشريكاتهم قدرتهم الجنسية التي تمنحهم القوة في إنجاب الذكور . على حين أن الله عز وجلّ قد منح شريكاتهم إنجاب الإناث .
وأما الاتهام الذي جاء من عالم الإنس ، فهو إدعاء هؤلاء المشاركين منا أن شركاءهم ما هم إلا ملائكة ( [2] ) . ولو لم يكونوا صالحين على مرتبة عالية من الإيمان لما أقدم هؤلاء الملائكة على اختيارهم لهذه المشاركة .
وبهذا الإدعاء يتم فيه إحالة مجهول على مجهول ، فعالم الملائكة مجهول لدينا لا نراه ، وكذلك عالم الجن . ولا يمكن في حالة كهذه نفي أحدهما أو إثباته .
ولهذا فإن هؤلاء المشاركين إذا سئلوا عن شركائهم قالوا عنهم : ( أملاك ) وبهذه التسمية ينفون أي شك حول هؤلاء الشركاء الشياطين من عالم الجن .
قال تعالى : ) ويوم يحشرهم جميعاً ، ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ( [ سبأ : 40-41] .
[1] - عن أم كُرز الكعبيّة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ) . والحديث عن ابن ماجة برقم ( 3896 ) ترقيم فؤاد عبد الباقي، وفي مسند أحمد برقم ( 26600) ترقيم إحياء التراث .
فالتخصيص هنا بسؤال الله للملائكة إنما كان لإظهار حقيقة عبادة هؤلاء المشاركين لمن شاركوهم من عالم الجن . ونفياً قاطعاً لذلك الإدعاء الكاذب بأن شركاءهم من الجن ما هم إلا ملائكة .
** تم بحمد الله- نتمنى منكم الدعاء-**
**الملائكة خلق نوراني مجرد من الشهوات والغرائز ، وهم بهذا يخلقون خلقاً لا تناسلاً . وهم أول خلق الله من بين جميع خلقه . بدليل أنهم كانوا أول من حمل العرش الإلهي بعد أن استوى الرحمن عليه إذ أن القرآن الكريم يقرر أن العرش الإلهي كان على الماء ) وكان عرشه على الماء ( [ هود : 7] وأن الله عز وجل عندما أتم خلق السموات والأرض في ستة أيام استوى على العرش *وعندئذ قامت الملائكة بحمله وهم يسبحون ويطوفون حوله . قال الله تعالى : ((إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)) ( [ يونس : 3 ] .
- إن حمل الملائكة للعرش الإلهي وما يحيط به إنما يكون مقروناً بتسبيحهم لله عز وجل قال تعالى(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم))، ( غافر : 7).
** الملائكة هم أول العوالم اللامرئية التي حجبت رؤيته عن عالمي الإنس والجن ، لكنه عالم يُستدل عليه بالأثر .
وبما أن رؤيتهم قد حجبت عنا في اليقظة ، فكذلك حجبت عنا في النوم ، فلا يظهرون في النوم من خلال الرؤيا على حقيقتهم الخلقية ، وإنما يظهرون من خلال وجودهم في الرؤيا بظهور شخص أو أكثر يكون معروفاً لدينا أثناءها ، فإذا استيقظنا نسينا شكله . فيقول الرائي عندئذ : أنه كان معه شخص يعرفه ولكنه الآن نسيه . ويكون هذا الشخص المعروف في الرؤيا ، المجهول في اليقظة متصفاً بالسمات التي تتصف بها ملامح الإنسان في وجهه . فيكون وجهه واضح المعالم تماماً للرائي *وهذا أصل من أصول هذا العلم. ويكون وجوده في الرؤيا بشارة للرائي أو إنذاراً له *مما يؤكد حدوث هذه الرؤيا وإمكانية تصديق ما تهدف إليه .
وأما رؤيتهم على حقيقتهم الخلقية في النوم ، فتكون إنذاراً بوقوع عذاب شديد للرائي على عمل شائن سيقوم به لقوله تعالى :
((يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين)) ( الفرقان : 22] .
**وينقسم الملائكة من حيث عملهم وتكليفهم إلى قسمين :
- قسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام الشمسي وهو الإنسان .
- وقسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام القمري وهو الجان .
* ويتعاون القسمان قيما بينهما ، فيقوم كل قسم بتسليم ما وصل إليه في قسمه إلى ذلك القسم الذي بدأ عمله .
هذا العمل المتصل ليلاً نهاراً هو الذي عبّر عنه الرسول الكريم i عندما قال :
(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون )) .
هذان القسمان يخضعان في عملهم لنظام دقيق محكم صادر عن الديوان الإلهي *وهذا الديوان يرأسه جبريل عليه السلام الذي يتلقى الأوامر الإلهية ويعمل على تنفيذها .
- *فإن كانت هناك أمور مستعجلة تستوجب التنفيذ العاجل قام هو نفسه بتنفيذها . وعندئذ ينعقد مجلس الحرب الملائكي بقيادته ، ويتم تحديد العمل الذي يوكل إلى كل مَلك للقيام به
* * *** وتوضح المراجع أن الملائكة اشتركت فعلياً في القتال يوم بدر . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس قال : ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام . وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون
وعن عبد الله بن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء أرسلوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء *.
وإذا صحت الروايات برؤية الملائكة ، فإن اختلاف لون عمامة جبريل عن باقي الملائكة دليل على أنه القائد الفعلي لهذا الجيش الملائكي .
ومن المؤكد أن هذا الجيش الملائكي قد ساهم في هبوط الروح المعنوية لدى المشركين في معركة الخندق فكانت سبباً مباشراً في انسحابهم من المعركة . قال الله تعالى عن غزوة الخندق : ((فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ))( [ الأحزاب : 9 ] .
فالجنود المجهولون في الرؤيا هم ملائكة في الجيش الإلهي *وهذا أصل من أصول هذا العلم *فإن رأى أحدهم أنه يضع رتبة عسكرية على كتفيه ، فيكون هذا بشارة له من الله عز وجل على حسن طاعته ، وعلو منزلته بحسب الرتبة العسكرية التي يضعها .
* * * **ومما لاشك فيه أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم بنفسه على قوم لوط ، وكان الملك ميكائيل تحت قيادته . فالطبري يروي بإسناد عن مجاهد في أكثر من رواية منقولة عنه أن جبريل عليه السلام أدخل جناحيه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن *وأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها على خوافي جناحيه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء ثم قلبها *.
* * * ***فمن رأى أن له جناحين فذلك بشارة له على القوة التي منحها الله له ، وذلك على قدر حجم الجناح وكبره .
ومن المؤكد أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم على جيش أبرهة الحبشي . وتمثلت قيادته لهذا الجيش الملائكي بالطير الأبابيل التي حملت حجارة من سجيل مأخوذة من نار جهنم . ولهذا فإن الطيور المجهولة النوع والكثيرة العدد تكون في الرؤيا إنذاراً بوقوع عذاب ماحق ، وغالباً ما يكون هذا العذاب عاماً لا خاصاً اجارنا الله .
وينقسم العمل في الديوان الإلهي إلى أقسام عدة ، يتولى كل قسم العمل الموكل إليه ، ويكون على رأسه كبير من الملائكة .
فقسم العذاب يتولاه المَلَك مالك عليه السلام ، فهو خازن النار *قال الله تعالى : على لسان أصحاب النار وهم في جهنم ((*ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون)) ( الزخرف : 77] .
ويعينه على تنفيذ مهامه عدد من الملائكة هم ملائكة العذاب . قال الله تعالى : (( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا)) [ المدثر : 31] .
**وملائكة العذاب هؤلاء هم الذين يتولون عذاب أهل النار ، ولا يعرفون الشفقة ولا الرحمة بهؤلاء . قال تعالى : ((عليها ملائكة غلاظ شداد ))[ التحريم : 6] .
ولهم أسلوب خاص في قبض أرواح المجرمين كما سنبين في مصطلح المجرمين حيث أنهم أثناء قبض أرواحهم يقومون بضربهم على وجوههم وأدبارهم ، قال تعالى : ((فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)) ( [ محمد : 27] .
وهم لا يفعلون هذا مع هؤلاء المجرمين إلا لأن وجوههم كانت تأخذ وضع السجود على الأرض طلباً للاستمتاع مع شركائهم في نكاحهم في أدبارهم .
ووضع السجود هذا ظاهره يوحي بالعبادة ، لكنه في حقيقته ليس إلا طلباً للمتعة في ذلك النوع من النكاح ، قال تعالى : ((ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكةُ يضربون وجوهَهم وأدبارهم)) ( [ الأنفال : 50] .
*ملائكة العذاب هؤلاء إنما يظهرون في الرؤيا على صورة رجال الشرطة بكافة أنواعها ورتبها من ( عسكرية أو مدنية أو جنائية ) بصورة رجال مجهولين . وتكون رؤيتهم إنذاراً للرائي بتجنب أي عمل يؤدي به إلى هذه النهاية *.
**وأما القسم الثاني فهم :
ملائكة الرحمة ويتولاهم رضوان خازن الجنة . واسمه وحده كاف للتبشير برضا الله عنه .
وفي القرآن الكريم كله لم ترد لفظة رضوان إلا مصحوبة بلفظ الجلالة ظاهراً أو ضميراً . قال تعالى : ((خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ))[ آل عمران : 15] . ويقول سبحانه : ((أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ))[ آل عمران : 162] .
**وملائكة الرحمة هم الذين يتولون المؤمنين في حياتهم الدنيا بالتوجيه والرعاية والبشرى ، قال تعالى : ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( [ فصلت : 30] .
وهم الذين يتوفون الصالحين ، ويسلمون عليهم أثناء قبض أرواحهم تطميناً لهم . قال تعالى : ((الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ))[ النحل : 32 ] .
وهم الذين يتابعون مهامهم مع المؤمنين حتى بعد وفاتهم ، ودخولهم الجنة ، فيقومون بزيارتهم ، مهنئين لهم بهذا المقام الرفيع الذي منحه الله لهم في الجنة . قال تعالى : ((جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ))[ الرعد : 23-24] .
ملائكة الرحمة هؤلاء ، تكون رؤيتهم على هيئة رجال مجهولين كاملي الملامح ، صحيحي البنية ويكون ما يقولونه للرائي بشرى له من الله عز وجل بتحقيق مراده وهدفه .
وغالباً ما يكون ظهورهم في الرؤيا أفراداً أو جماعات ، معروفاً لديه ، فإذا استيقظ من نومه قال : لقد نسيت شكلهم .
وهذا أصل من أصول هذا العلم .
**وأما القسم الثالث من أقسام الملائكة فهم الكتبة الذين يسجلون أفعال المخلوق من خير أو شر . فالملكان رقيب وعتيد يقومان بتسجيل الأعمال الصالحة ، والأعمال غير الصالحة . ويكون الملك ( رقيب ) على الجهة اليمنى . والملك ( عتيد ) على الجهة اليسرى . قال تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ))[ ق : 18] .
وما يسجله هذان الملكان ، يقوم ملائكة آخرون بنسخه إلى كتاب خاص بكل مخلوق . قال تعالى : ((هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ))[ الجاثية : 29] .
فإذا ما توفي هذا المخلوق أُغلق كتابه الذي يغطّي حياته وحُفظ بما فيه إلى يوم القيامة . فإذا بدأ الحساب ، أُعطي كل مخلوق كتابه بحسب أفعاله . فإذا ما أُعطي باليمين كان من أصحاب اليمين ، وما أعطي بشماله كان من أصحاب الشمال . قال تعالى (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ))[ الإسراء : 14] .ثم ((فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ))[ الحاقة : 16] .
ثم ((وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ))[ الحاقة : 25]
وعندئذٍ يبدأ تصنيف الأمم بحسب كتب أفرادها ، فكل من حمل كتابه بيمينه جُمع مع زمرته من أهل اليمين في كتاب واحد ، وكل من حمل كتابه بشماله جمع مع زمرته من أهل الشمال في كتاب آخر . وعلى هذا تكون الأمم قد صنفت .
قال تعالى : ((وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون بما كنتم تعملون ))[ الجاثية : 28] .
فأما الذين حملوا كتبهم في أيمانهم فقد سماهم الله الأبرار . قال تعالى : ((كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ))[ المطففين : 18] .
وأما الذين حملوا كتبهم بشمائلهم فقد سماهم الله الفجار . قال تعالى : ((كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ))[ المطففين : 7] .
ويكون عندئذ لكل كتاب رقم فالأبرار لهم أرقام خاصة بهم تميزهم عن غيرهم . قال تعالى :
((وما أدراك ما عليّون ، كتاب مرقوم ))[ المطففين : 20] .ثم ((وما أدراك ما سجّين ، كتاب مرقوم ))[ المطففين : 9] .
وكذلك الفجار لهم أرقام خاصة بهم .
وتكون أرقام الأبرار وتراً . من 1-3-5-7 . ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ينهي صلوات يومه بصلاة الوتر ، وهي صلاة مفردة . فالله واحد أحد . وتكون أرقام الفجار شفعاً . من 2-4-6-8 الخ… ((الذي جعل مع الله إلهاً آخر ))[ ق : 26 ] ، فالفاجر هو الذي اتخذ إلهين .
ولقد أقسم الله تعالى بهذين الرقمين في سورة الفجر فقال : ((والفجر وليال عشر والشفع والوتر ))[ الفجر : 1-3] .
وعندئذ يتم تقسيم أمة الأبرار إلى زمر وجماعات ، فيدخلون الجنة بحسب زمرهم . قال تعالى : ((وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ))[ الزمر : 73] .
وكذلك يتم تقسيم أمة الفجار إلى زمر وجماعات ، فيدخلون جهنم بحسب زمرهم . قال تعالى : ((وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ))[ الزمر : 71] .
فمن رأى نفسه أنه يساير شخصاً وهو على يمينه ، فهي بشرى له بحسن عمله وطاعته ، فإن رأى أنه يسايره وهو على شماله ، فإن ذلك إنذار له بسوء عاقبته .
فإن رأى أنه مع جماعة ، وفي الرؤيا قرينة تدل على الصلاح ، دل على أنه يصادق مجموعة طاهرة ، فإن رأى أنه مع جماعة ، وليس في الرؤيا قرينة تدل على الصلاح ، دل على أنه يصادق جماعة من المنحرفين ، وتكون عاقبته معهم وخيمة .
فمن رأى أنه يسير وسط اثنين ، فمن كان على يمينه فهو رجل صالح ، ومن كان على شماله فهو رجل فاسد .
فمن رأى أنه قد جاءه كتاب مجهول فهو دنو أجله ، فإن فتحه فإنه يكون قد بقي له من عمره قدر ما بقي من الكتاب . فإن أخذه بيمينه فهي بشرى له بحسن حاله عند ربه .
فإن وضعت بين يديه كتب معلومة ، فهم رجال متعلمون يقابلهم ، فإن كانت مجهولة كانوا رجالاً متعلمين لكنهم مجهولون سيقابلهم .
فإن كانت الكتب قديمة فهم رجال يعرفهم قديماً ، فإن كانت جديدة كانت رجالاً متعلمين سيتعرف عليهم عاجلاً . وهذا كله أصول من أصول هذا العلم .
**وأما القسم الرابع من الملائكة الذين يعملون في الديوان الإلهي فهو قسم ( المراسلين ) الذين يتحملون عبء نقل الرسائل من الديوان الإلهي إلى عامة الخلق وهؤلاء هم الذين يخصهم الله سبحانه بتسمية ( الرسل ) ، قال تعالى :
((الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً ))( [ فاطر : 1] .
ويبين أن هؤلاء المراسلين أو المرسلين إنما ينتقيهم ربهم انتقاء من بين جميع ملائكته . قال تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس )) (الحج : 75)
وهؤلاء المراسلون هم الذين يحملون الأوامر الإلهية إلى عباده الذين هم بحاجة إلى رسالة مخصوصة بهم ، قال تعالى :
((يُنّزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ))[ النحل : 2] .
هؤلاء الملائكة هم الذين يقومون بنقل الأوامر الإلهية ، ويكون ذلك من خلال الطرق التي حددتها الآية الكريمة في قوله تعالى :
((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌّ حكيم ))[ الشورى :51] .
وما من شك في أن إحدى وسائل الاتصال بالمخلوق هو ( من وراء حجاب ) هذا الحجاب الذي يفصل بين العبد وبين حامل الرسالة إليه هو النوم .
ومن هنا ، فإن الرؤيا الصادقة هي التي تأتي الرائي وهو نائم ، فتحمل إليه تبشيراً أو تحذيراً خصه الله به من بين جميع خلقه على قدر الحاجة الملحة التي تملي وجود منبه لهذا العبد مما هو فيه .
وعلى هذا فإن الرؤيا الصادقة تحمل للرائي ما يحمله عادة الأنبياء والرسل لأممهم ، وتكون هي امتداداً لعمل هؤلاء الأنبياء بعد انقطاع نبوتهم . ومصداق هذا قول النبي i : (( ذهبت النبوة ، وبقيت المبشرات . قالوا : ما المبشرات يا رسول الله . قال : الرؤيا الصادقة يراها العبد أو ترى له . )) ( [1] ) .
وأما الوسيلة الثانية التي يتلقاها النائم في رؤياه فهو الهاتف . فكل حديث يسمعه الرائي في نومه عبر هاتف مجهول هو وحي من الله تعالى لا تأويل له . ويكون الكلام الذي سمعه منه أمراً حقاً مجاباً كما سمعه .
ولكون عالم الملائكة عالماً جدياً لا يعرف المزاح والضحك لأن الله عز وجلّ قد خلقهم لتنفيذ أوامره حيث أنهم : ((لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ))[ الأنبياء : 27] .
فهذا يستوجب صدق الرؤيا لأنها ينقلها مَلَك ينفذ أمراً . ولأنها كذلك فهي تستوجب التأويل .
ومما لا شك فيه أن عالم الملائكة عالم رحب فسيح يصعب حصره ، ووضع القوانين والأحكام الشاملة له . وقد اقتصرت على الجوانب السابقة لما لها من صلة مباشرة بعلم التأويل .
بقي أن أشير إلى اتهامين متصلين بعالم الملائكة . أحدهما اتهام صادر عن عالم الجن . والثاني صادر عن عالم الإنس .
فأما الاتهام الصادر عن عالم الجن ، هو أن هؤلاء الملائكة هم إناث لا ذكور . قال تعالى : ((فاستفتهم ألربك البناتُ ولهم البنونَ ، أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ، ألا إنَّهم من إفكهم ليقولون ، وَلَدَ اللهُ وإنهم لكاذبون ، أصطفى البناتِ على البنين ))[ الصافات : 149-153] .
ويقول سبحانه وتعالى : ((أم له البناتُ ولكم البنونَ ))[ الطور : 39] .
إن هذا الاتهام صادر عن أولئك المجرمين الذين أقاموا علاقة زواج مع شريكاتهم من عالم الإنس ، وهذا ما سنفصل به الحديث في فصل قادم .
وهم بادعائهم هذا يسوغون لشريكاتهم قدرتهم الجنسية التي تمنحهم القوة في إنجاب الذكور . على حين أن الله عز وجلّ قد منح شريكاتهم إنجاب الإناث .
وأما الاتهام الذي جاء من عالم الإنس ، فهو إدعاء هؤلاء المشاركين منا أن شركاءهم ما هم إلا ملائكة ( [2] ) . ولو لم يكونوا صالحين على مرتبة عالية من الإيمان لما أقدم هؤلاء الملائكة على اختيارهم لهذه المشاركة .
وبهذا الإدعاء يتم فيه إحالة مجهول على مجهول ، فعالم الملائكة مجهول لدينا لا نراه ، وكذلك عالم الجن . ولا يمكن في حالة كهذه نفي أحدهما أو إثباته .
ولهذا فإن هؤلاء المشاركين إذا سئلوا عن شركائهم قالوا عنهم : ( أملاك ) وبهذه التسمية ينفون أي شك حول هؤلاء الشركاء الشياطين من عالم الجن .
قال تعالى : ) ويوم يحشرهم جميعاً ، ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ( [ سبأ : 40-41] .
[1] - عن أم كُرز الكعبيّة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ) . والحديث عن ابن ماجة برقم ( 3896 ) ترقيم فؤاد عبد الباقي، وفي مسند أحمد برقم ( 26600) ترقيم إحياء التراث .
فالتخصيص هنا بسؤال الله للملائكة إنما كان لإظهار حقيقة عبادة هؤلاء المشاركين لمن شاركوهم من عالم الجن . ونفياً قاطعاً لذلك الإدعاء الكاذب بأن شركاءهم من الجن ما هم إلا ملائكة .
** تم بحمد الله- نتمنى منكم الدعاء-**