سُوْرَةُ الفَاتِحَةِ
فَوَائِدُهَا لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أنْ يَحْصُرَها وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُنْكِرَها، وَمَنْ دَاوَمَ علَى قِرَاءَتِهَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ العَجَبَ، وَنَالَ مَا يَرجُوهُ مِنْ كُلِّ أَرَبٍ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَمثيلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَها مَعَ الكُتُبِ بِرَجُلٍ اشْتَرى فِضَّةً وَرَامَ السَّفَرَ بِهَا فَثُقَلَ عَلَيْهِ حَمْلُها فَبَاعَ الفِضَّةَ وَاشْتَرى جَوهَرَةً، فَلمَّا أَرَادَ السَّفَرَ خَفَّ عَلَيْهِ حَمْلُها، كَذَلِكَ اللهُ تَعَالى جَمَعَ الكُتُبَ الْمُنْزَلَةَ فِي الْقُرْآنِ ، وَجمعَ الْقُرْآنَ فِي سُوْرَةِ الفَاتِحَةِ، فعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ صَلاَةٍ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ، ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ».([1]) أيْ غيرُ تامَّةٍ.
وَمِنْ خَاصِّيَتِها: أنَّها تُقْرَأُ علَى مَنْ لَدَغَتْهُ العَقْرَبُ، أَوِ الْحَيَّةُ، فَيَبْرَأُ مِنْ حِينِهِ، وَقد وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ البُخارِيّ، وَيُروَى أنَّ فِي سُوْرَةِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. شِفاءٌ منَ السُّمِّ. فَيُوجَدُ فِي بَعضِ الأَخبارِ أنَّ مَنْ عَطَسَ وَقَالَ: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾. إلى آخِرِ السُوْرَةِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ وَمَسَحَ بِهِ أَسْنَانَهُ لَمْ يُصِبْهُ وَجَعُ الأَسْنَانِ، وَعُوفِي مِنْهَا أَمَدَ الدَّهْرِ.
وَمَنْ كَتَبَها فِي قِطْعَةِ جِلْدٍ أَحْمَرَ لِمَنِ ابْتُلِيَ بَوَجَعِ الشَّقِيقَةِ وَعَلَّقَهَا علَى الْجُمْجُمَةِ التي لاَ وَجَعَ فِيهَا مِنَ الرَّأْسِ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وفِي الأثر: "إنَّ العَذَابَ لَيَنْزِلُ فيَقْرَأُ صَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.أيْ سُوْرَةَ الفَاتِحة- فَيُرْفَعُ عَنْهُم أَرْبَعِينَ سَنَةً".
وعَنْ جَعْفَرَ الصَّادِق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَهَا أَرْبَعِيْنَ مَرَّةً علَى قَدَحِ مَاءٍ وَرَشَّ بِهِ وَجْهَ الْمَحْمُومِ؛ تَرْتَفِعُ عَنْهُ الْحُمَّى بِإِذْنِ اللهِ، وَذَلِكَ العَدَدُ يُعِينُ علَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ.
وَمَنِ اسْتَدَامَهَا إِحْدَى وَأربِعِيْنَ سَحَرَاً فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ غَيرِ مَشَقَّةٍ، وَيُرقَى بِهَا وَبِسُوْرَةِ الإِخلاصِ مِنْ مَرَضِ العَيْنِ.
وعَنْ أبي الوليد، مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ الفَقِيْهِ القُرطُبِيِّ يَرْفَعُه إلى رَسُوِل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِي مِنْ ضَعْفِ بَصَرِهِ، أَوْ رَمَدٍ أصَابَهُ فَلْيَتَأَمَّلِ الهِلالَ أَوَّل لَيْلَةٍ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ تَأَمَّلَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثّالثَةَ، فَإِذَا رَآهُ مَسَحَ بِيَمِينِهِ علَى عَيْنَيْهِ، وَليَقْرَأْ أُمَّ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يُبَسْمِلُ فِي أَوَّل السُوْرَةِ وَيُؤَمِّنُ فِي آخِرِهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ: [شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". سَبْعَ مَرَّاتٍ] وَلْيَقُلْ: ["يَا رَبُّ" خَمْسَ مَرَّاتٍ] فَإِنَّهُ يَقْوَى بَصَرُهُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى مَنْزِلَهُ، فَقرَأَ ﴿الْحَمْدُ﴾. و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.نَفَى اللهُ عَنهُ الفَقْرَ، وَكَثُرَ خَيرُ بَيْتِهِ حَتَّى يَفِيضَ بِهِ عَلَى جِيرَانِهِ».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ مَرِضَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ مِنْ حُمَّى أَوِ انْكِسَارٍ فِي بَدَنِهِما فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل عَلَيْه جِبْرِيلُ عَلَيْه السلام فقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، الجبَّارُ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لكَ: اغْتَمَمْتَ لِمَرَضِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَطْلُبَ فِي الْقُرْآنِ سُوْرَةً لاَ فَاءَ فِيهَا فَإِنَّ الفَاءَ مِنَ الآفَاتِ، فَتُقرَأ علَى إِنَاءٍ أَرْبَعِيْنَ مَرَّةً فَيَغْسِلُ بذَلِكَ الماءِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيهِ مَا ظَهَرَ وَما بَطَنَ مِنْ يَدَيْهِ وَوَجهِهِ وَرَأْسِهِ فإِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللهُ، وَأْمُرْ أُمَّتَكَ يَا مُحَمَّدُ يَتَدَاوُونَ بِهَذا الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الدَّوَاءِ». صَحَّ مِنَ اليافِعي.
وفِي كتاب التَّمِيمِيّ: أنَّ هَذِهِ السُوْرَةَ الْمُبَاركَةَ ، أعَنْي (الفاتحة) تُبْرِئُ الأَسْقَامَ وَالآلامَ، وَتُعَجَّلُ بِهَا العَافِيَةُ إِذَا قَرَأَهَا الْمَرِيضُ فِي حِيِنِه أَوْ تُلِيَتْ عَلَيْهِ وَمَسَحَ علَى جَميعِ بَدَنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ علَى الْمَوْضِعِ الْمُوجَعِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ وَأنْتَ الشَّافِي، اللَّهُمَّ اكْفِ وَأَنْتَ الكَافِي، اللَّهُمَّ عَافِ وَأَنْتَ الْمُعَافِي، أَبْرِئ مَا بِي مِنْ ضَرَرٍ بِإِذْنِكَ ، فَإِنَّهُ يُشْفَى مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ.
وَإذا كُتِبَتْ فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَغَسَّلَ الْمَريضُ بها وَجهَهُ عُوفِيَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَإذا شَرِبَ هذا الْمَاءَ مَنْ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ تَقَلُّباً أَوْ شَكَّاً أَوْ وَجَعاً سَكَنَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَإذا كُتِبَتْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَان فِي إِنَاءِ زُجَاجٍ ثُمَّ مُحِيَتْ بِمَاءِ وَرْدٍ ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الماءِ البَلِيدَ الذي لاَ يَحْفَظُ ، سَبْعَةَ أَيَّامٍ زَالَتْ بَلادَتُهُ، وَحَفِظَ مَا سَمِعَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
قلت: قَوْلُهُ بِمِسْكٍ إلى آخِرِ الشُّرُوطِ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ وَإلاَّ فَلا، بَلْ بِما تَيَسَّرَتْ، وَهكَذَا فِي كُلّ الشُّرُوطِ التي تَرَاهُمْ يَشْتَرِطُونَها حَتّى فِي الْخَلْوَة. قَالَ تَعَالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾. وَقَالَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آَتَاهَا﴾.
وَإذا كُتِبَتْ بماءٍ فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ وَمُحِيَ بِدُهْنِ بيلسان خَالِصٍ إِنْ أَمْكَنَ، وَقُرِئَتْ علَى الدُّهْنِ سَبْعِيْنَ مَرَّةً وَرُفِعَ ذَلِكَ الدُّهْنُ إلى وَقْتِ حَاجَتِه فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنَ اللَّقْوَةِ وَالفَالِجِ وَعُرُوقِ النَّسَا ، وَوَجَعِ الظَّهْرِ. وقَولُهُ اللَّقْوَة : بِالقافِ، داءٌ فِي الوَجْهِ رُبَّمَا مَالَ مِنهُ الفَمُ إلى جِهَةٍ، وَالفَالِجُ : اسْتِرَخاءٌ لأَحَدِ شِقَّيِّ البَدَنِ ، لانْصِبابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيِّ تَنْسَدُّ مِنهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ. فَلَجَ كَعَنِيَ، فهو مَفْلُوجٌ، وَالنَّسَا : هو عِرْقٌ مِنَ الوِرْكِ إلى الكَعْبِ، وَيُثَنَّى نَسَوَان، وَنَسَيَان ، وجمعه أَنْسَاء ، وَالمشهُورُ اليومُ عِنْدَ أهلِ الطِّبِّ تَعرِيفُهُ بذَلِكَ، وَهذا مَذْهَبُ أهلِ الطِّبِّ.
وَمَنْ كَتَبَها فِي رِقِّ غَزَالٍ، أي: جِلْدِهِ ، لَيلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ بِمَاءِ وَرْدٍ وَزعْفرَان، إِنْ أَمْكَنَ مَعَ أَوَّل ﴿ألم ذَلِكَ الكتاب﴾. وَ﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾. وَ﴿المص﴾. وَ﴿المر﴾. وَ﴿كهيعص﴾. وَ﴿طه﴾. وَ﴿طس﴾. وَ﴿يس﴾. وَ﴿ص﴾. وَ﴿حم تنزيلُ الكتابِ﴾. وَ﴿ق﴾. وَ﴿ن* وَالقلم﴾. عدَدُها أَربَعَةَ عَشَرَ بِالفَاتِحةِ، لَيلَةَ الْجُمُعَةِ ، الرَّابِعةَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ، مِنْ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، ثُمَّ يَجْعَلُها فِي أُنبُوبَةِ قَصَبٍ فَارِسِيٍّ إِنْ أَمْكَنَ، وَيُشَمِّعُها بِشَمْعٍ وَيَخْرِزُ عَلَيْهِ، مَنْ عَلَّقَهُ علَى ذِرَاعِهِ شَجُعَ قَلْبُهُ، وَيَهَابُهُ عَدُوُّهُ، وَكَانَ مَقْبُولاً عِنْدَ جميعِ النّاسِ، وَإنْ كَانَ فَقِيراً اسْتَغْنَى، وَإِنْ كَانَ مَدِيناً قَضَى اللهُ دَيْنَهُ، وَإنْ كَانَ خَائِفاً أَمِنَ، وَإنْ كَانَ مُسَافِراً رَجعَ إلى أَهْلِهِ، وَإنْ كَانَ مَسْجُوناً خَلُص، وَإنْ كَانَ مَسْحُوراً فَرَّجَ اللهُ عَنْه، وَلا يَسْأَل اللهَ حاجَةً إلاَّ قَضَاها لَهُ.
وَمِنْ خَوَاصِّها: إِذَا كُتِبَتْ حُرُوفَاً مُفَرّقَةً، وَمُحِيَتْ بِماءِ الْمَطَرِ، وَشَرِبَهُ الْمَريضُ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى، مِنْ كُلِّ وَجعٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَمَنْ ذَلِكَ أنّها إذَا قُرِئَتْ علَى الضِّرْسِ الوَجِيعِ بَرِأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَذَلِكَ أنْ يَكْتُبَ الإِنْسانُ علَى لَوحٍ طاهِرٍ بَعْدَ أنْ يَضَعَ عَلَيْهِ رَمْلاً طَاهِرَاً وَتَكُونُ الكِتَابَةُ بِمِسْمَارٍ، أَوْ عُودٍ ، وَيَكْتُبْ (أبجد هوز حطي) وَهِيَ حُرُوفُ الوِفْقُ الثُّلاثِي وَيَشُدُّ الْمِسْمَار وَالعُود علَى أَوَّل حَرْفٍ، وَيَقْرَأُ الفَاتِحةَ مَرَّةً وَيَسْأَلُ صاحِبَ الْمَرَضِ، وَهو وَاضعٌ أُصْبُعَهُ علَى مَوضِعِ الأَلَمِ هَلْ شُفِيْتَ؟ وَلا يُزِيلُ أُصْبُعَهُ، فَإِنْ شُفِي وَإلاَّ نَقَلَ الْمِسْمَارَ إلى الْحَرفِ الثّاني، وَقَرَأَ الفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ وَسَأَلَهُ فَإِنْ شُفِيَ، وَإلاَّ نَقَلَ الْمِسْمَارَ إلى الْحَرْفِ الثّالِثِ، وَقَرَأَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَسْأَلُ المريضَ، وَلاَ يَزالُ هَكَذَا يَسْأَلُهُ عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ وَهُوَ يَنقُلُ إلى مَا بَعْدَهُ وَيزيدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَاحِدَاً فَمَا يَبْلُغُ آخِرَها إلاَّ وَقَدْ شُفِي إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَإذَا لَم يَسْكُن اسْتَأنَفَ العَمَلَ وَزادَ فَإِنَّهُ يَبرأ. مُجَرّب. قلت: وَقد جُرِّبَ لغيرِ الضِّرسِ فشُفِيَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَمِنْ خَوَاصِّها: أنّها إذا قُرِئت إحدَى وَأَرْبَعِيْنَ مَرَّةً بَيْنَ سُنَّةِ الصُّبحِ وَالفَريضَةِ علَى وَجَعِ العَينِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.. مُعَجَّلاً ، وَذَلِكَ نَافِعٌ لِلْعَيْنِ وَغَيرِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ مِرَاراً، وَصَحَّ وَالْحَمْدُ للهِ تَعَالى، وَالشَّأنُ كُلُّهُ فِي حُسنِ الظَّنِّ مِنَ الوَجِيعِ وَالعَازِمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ هَذَا العَدَدَ فِي إِثْرِ الْمُسَافِرِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى وَرَدَّهُ سَالِماً.
وَمَنْ قَرَأَهَا مِئَةً وَإحدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، وَهُوَ مُقَيَّدٌ وَالعِياذُ باللهِ تَعَالى، وَيَتْفُلُ علَى القَيْدِ بَعْدَ القِرَاءَةِ عَشْرَةَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ القَيْدَ يَنْفَكُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى. وَقَدْ جَرَّبَهُ مَنْ كَانَ مُقَيَّداً، وَعَلَيْهِ تَرْسِيمٌ فَانْفَكَّ القَيْدُ، وَخَرَجَ وَنَجَا مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ بِلُطْفِ اللهِ تَعَالى وَبرَكَةِ هَذِهِ السُوْرَةِ وَالْحَمْدُ للهِ.
واعلم: أنَّ هذا العَدَدَ إنْ قُرِئَ علَى أَيِّ قِفْلٍ، أَوْ قَيْدٍ، علَى أيِّ شَيءٍ كَانْ؛ فُتِحَ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُجَرِّبْ. وَتقَدَّمَ قَريباً أنَّ الشَّأْنَ فِي حُسنِ الظَّنِّ.
وَمَنْ خافَ مِنَ الظَّمَأِ فَقَرَأ الفاتِحةَ عِنْدَما يُصبِحُ وَتفَلَ فِي يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِما وَجْهَهُ وَبَطْنَهُ كَفاهُ اللهُ تَعَالى ظَمَأ ذَلِكَ اليوم.
وَقَالَ بعضُ العُلماءِ: مَنْ كَتَبَها فِي إِنَاءٍ نَظِيفٍ وَمحاها بِمَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ زَالَ نَسَيانُهُ.
وَقَالَ بعضُ الصَّالِحِيْنَ مَنْ وَضَع يَدَهُ علَى مَوضِعِ الوَجَعِ وَقرأَ الفاتحةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَذهِبْ عَنِّي سُوءَ مَا أَجِدُ وَفُحشَهُ بِدَعَوةِ نَبِيِّكَ الْمُبَارَكِ الأَمِينِ الْمِسكِينِ عِنْدَكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ شُفِيَ. وَجُرِّبَ فَصَحَّ.
وَمِنْ خَوَاصِّها: لِلْمَحَبَّةِ وَتأليفِ القُلُوبِ وَذَلِكَ أنْ تَمْزِجَ اسْمَ الْمَطْلُوبِ بِالأَحْرُفِ النَّارِيَّةِ وَهيأ هـ ط م ف ش ذ) بِأَنْ تَأْخُذَ حَرْفَاً مِنَ النَّارِيَّةِ، ثُمَّ تَأْخُذَ حَرْفاً مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ أَوَّلُ أَخْذِكَ مِنَ النَّارِيّةِ، ثُمَّ حَرفاً مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ، وَهَكَذا فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ البَدْءُ بِالأَحْرُفِ النَّارِيّةِ، وَيكُونُ الْخَتْمُ بِها بِأَنْ يَكُونَ آخِر الْحُرُوفِ مِنْهَا، وَيكُونُ ذَلِكَ فِي إِحدَى وَعِشرِينَ وَرَقَةً، ثُمَّ تَضَع فِي كُلِّ وَرَقَةٍ حَصْوةَ لُبَانِ ذَكَرٍ، وَشَيْئاً مِنْ تُفّاحِ الْجَانِّ إنْ أمْكَنَ، وَتَضَعها علَى النّارِ، وَتَقرَأ علَيها الفَاتِحةَ إلى أنْ يَنقَطِعَ الدُّخانُ، وَتَقُول عِنْدَ ذَلِكَ : تَوَكَّلُوا يَا خُدَّامَ الأَحْرُفِ النَّارِيّةِ بقَضَاءِ حَاجَتِي مِنْ فُلانٍ، وَإِلقَاءِ مَحَبَّتِي وَمَودَّتِي أَوْ مَحَبّةِ فُلانٍ فِي قَلْبِهِ بِحَقِّ مَا تَلَوتُهُ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ مِرَاراً وَصَحَّ، وَبِحُسْنِ الاعْتِقَادِ يَحصُلُ الْمُرَادُ.
وَمِنْ خَوَاصِّها أيضاً لِلْمَحَبَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِيْنَ وَهُوَ الشَّيْخُ أحْمَدُ بنُ الرَّدّادِ أَنّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ أنْ يُصْلِحَ بَينَ زَوجَينِ، أَوْ أَخَوَينِ اِتِّباعاً لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اصْطَلَحَ بَينَ اثْنَينِ فَقَدِ اسْتَوجَبَ أَجْرَ شَهِيدٍ». «وَمَنْ مَشَى فِي صُلْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يَرْجِعَ».([2])
وَفِيهِ أيْضَاً: فَلْيَكْتُبْ الفَاتِحةَ فِي قِرْطَاسٍ بِزَعْفَرَان وَمَاءِ وَرْدٍ وَشَيْءٍ مِنْ مِسْكٍ وَيُبَخِّرُهُ فِي حَالِ الكِتَابَةِ بِعُودِ لُبانٍ، وَيَكُونُ الكاتِبُ علَى طَهَارَةٍ، وَتكونُ الكتَابَةُ علَى هَذا الوَضْعِ بِهَذا الشَّرْطِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. يَحْمَدُ فُلانُ بنُ فُلانةٍ لِفُلانِ بنِ فُلانةٍ، أَوْ لفُلانةٍ بنتِ فُلانةٍ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفَةِ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. يَرْحَمُ فُلانٌ ... الخ ،طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتابِ الشَّرِيفة :﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. اِمْتَلَكَ فلانٌ ... الخ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ عُبُودِيَّةً وَرَأفَةً وَرَحمَةً وَشَفَقَةً :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. فُلانٌ لِفُلانٍ طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ :﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. استعانَ فُلانٌ بِاللهِ تَعَالى وَبِفَاتِحةِ الكِتابِ الشَّرِيفَةِ علَى فُلانٍ بنِ فُلانةٍ، لِيَكُونَ مُطاوِعَاً لَهُ وَتَحْتَ إرَادَتِهِ فِي الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. اهتدَى وَاسْتَقَامَ فُلانٌ بنُ فُلانَةٍ لِفُلانٍ بنِ فُلانَةٍ اسْتِقَامَةَ مَحَبَّةٍ ، وَسَمَاعِ قَولٍ ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ ﴿صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. أَنْعَمَ فُلانٌ ... الخ ، بِجَمِيعِ مَا يَطْلُبُ مِنهُ فُلانٌ، وَيَرومُ طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ، مَحَبَّةً وَشَفَقَةً وَمَوَدَّةً وَرَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. ضَلَّ فُلانٌ ... الخ ، فِي مَحَبَّةِ فُلانٍ طَاعَةً للهِ وَلفَاتِحةِ الكِتابِ ... الخ ، آمين ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾.([3]) ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيَمٌ﴾. ([4]) فَإِذَا كَمُلَتْ فَخُذْ إِبْرَةً مَخْرُومَةً وَاغرِزْها فِي وَسَطِ الوَرَقَةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَلِّقْهَا فِي مَكَانٍ تَهُبُّ فِيهِ الرِّيحُ مِنْ الْجِهَةِ التي تَلِي الْمَطلُوبَ فيها يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَقَد جُرِّبَ وَصَحَّ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهم أنَّ مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَةٍ ، أيّ حَاجَةٍ كَانَتْ ، وَقَرَأَ هَذا الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ قِرَاءَةِ الفَاتحةِ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ سَهَّلَ اللهُ قَضَاءَها.
وَمِنْ خَوَاصِّها: كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ وَضْعِ جَنْبِهِ علَى الفِراشِ، وَقَرَأَ مَعَها ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَالْمُعَوِّذَتَينِ، فَقَد أَمِنَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إلاَّ الْمَوت.
وَمَنْ كَتَبَ الفاتحةَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ فِي الأُولى مِنْ يومِ الْجُمُعَةِ بِمِسْكٍ وَزعَفرانَ وَكافُور، إنْ أَمْكَنَ، وَمَحَاها بِمَاءِ وَرْدٍ وَوضَعَهُ فِي قَارُورَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ علَى الْحُكَّامِ مَسَحَ وَجْهَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ القَبُولُ الزَّائِدُ وَالمحبَّةُ عِنْدَ مَنْ يدَخُلُ عَلَيْهِ.
وَمَنْ دَخَلَ علَى مَنْ يَخَافُ شّرَّهُ وَقَرَأَ الفَاتِحةَ فَإِنَّهُ يَأَمَنُ مِنْ شَرِّهِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَشكا ابنُ الشَّعبي مِنْ وَجَعِ الظَّهْرِ، وَقيلَ: الْخَاسِرَة! فَقِيلَ لَهُ: "عَلَيْكَ بِأَسَاسِ الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَاتِحَةُ الكِتَابِ، فَلازَمَها وَكَتَبَها وَمَحَاهَا، وَشَرِبَها فشُفِيَ.
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لكُلِّ شَيْءٍ أَسَاسٌ، وَأَسَاسُ الْقُرْآنِ الفَاتحَةُ، وَأَسَاسُ الفَاتِحَةِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقَالَ العلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ: فِي كِتَابِهِ "كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ" وَإنَّ أَحْسَنَ الْمُدَاوَاةِ الفَاتِحَةُ التي وَجَدْتُ لَهَا تَأْثِيراً عَظِيمَاً فِي الشِّفَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي مَكَثْتُ بمَكَّةَ مُدَةً طَوِيلَةً يَعْتَرِيني دَاءٌ لاَ أَجِدُ لَهُ طَبِيباً، وَلاَ دَوَاءً، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي أُعَالِجُ نَفْسِي بِالفَاتِحَةِ، فَفَعلت ذَلِكَ فرَأَيْت لها تأثيراً عظيماً فكنتُ أصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي ألَمَاً شَدِيدَاً فكَانَ كثيرٌ منهُم يَبْرَأُ سَرِيعَاً بِبَرَكَةِ الفَاتِحة.
وَمَنْ كَتَبَ الفَاتِحةَ وَمَحَاهَا بِمَاءٍ وَخَلَطَ الْمَاءَ بِشَيْءٍ ظَهَرَتْ فِيهِ البَرَكَةُ عَيانَاً. وَمِنْ أَسْرَارِهَا وَخَوَاصِّها التي تَبْسُطُ الرِّزْقَ وَيُنالُ بِها نَجَاحُ كُلُّ مَقْصَدٍ وِرْدُهَا الْمَعرُوفُ بِوِرِدِ السَّعَادَةِ، وَهُوَ الوِرْدُ الْمَكْتُومُ الذي لاَ يُلازِمُهُ إلاَّ مَنْ كُتِبَ لَهُ حَظٌّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْقَوْمِ وَصِفَتُهُ ثَلاثُونَ مِنَ الفَاتِحَةِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَعِشْرُونَ بَعْدَ العَصْرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَعَشَرَةٌ بَعْدَ العِشَاء. (وقَد نَظَمَ) فَوَائِدَ هَذَا الوِرْدِ الغَزَاليُّ بِقَولِه:
إذا مَا كُنتَ مُلْتَمِساً لِرِزْقٍ
وَنَجْحَ القَصْدِ مِنْ عَبدٍ وَحُرِّ
وَتَظْفَرُ بالذي تَهوَى سَرِيعاً
وَتَأْمَنُ مِنْ مُخالَفَةٍ وَغَدْرِ
فَفَاتِحَةُ الكِتَابِ فَإِنَّ فِيها
لِمَا أَمَّلْتَ سِرَّاً أيَّ سِرِّ
فَلازِمْ دَرْسَها فِي كُلِّ وَقْتٍ
بِصُبْحٍ ثُمَّ ظُهْرٍ ثُمَّ عَصْرِ
كَذَلِكَ بَعدَ مَغْرِبِ كُلِّ لَيلٍ
إلى تِسْعِينَ تُتْبِعُهَا بِعَشْرِ
تَنَـلْ مَا شِـئْتَ مِنْ عِزٍّ وَ جـاهٍ
وَعِظَمِ مَهَابَةٍ وَعُلُوِّ قَدْرِ
وَ سَـتْرٍ لاَ تُـغَـيِّرُهُ اللّـَيـالِـي
بِحَادِثَةٍ مِنَ النُّقصانِ تَجْرِي
وَتَوْفِيقٍ وَأفْرَاحٍ تُوالِي
وأَمْنٍ مِنْ نِكايَةِ كُلِّ شَرِّ
ومِنْ عُسْرٍ وَفَقْرٍ وَانْقِطاعٍ
ومِنْ بَطْشٍ لِذِي نَهيٍ وَأَمْرٍ
فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ أَتَاكَ آتٍ
بِما يُغْنِيكَ عَنْ زَيْدٍ وَعَمْرِو
ومَنْ رَأى أَنّهُ يَقْرَأُ الفاتحةَ فِي نَوْمِهِ حَجَّ لِقَولِهِ تَعَالى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾. لأَنَّها سَبْعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ أُجِيبَتْ .
فَوَائِدُهَا لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أنْ يَحْصُرَها وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُنْكِرَها، وَمَنْ دَاوَمَ علَى قِرَاءَتِهَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ العَجَبَ، وَنَالَ مَا يَرجُوهُ مِنْ كُلِّ أَرَبٍ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَمثيلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَها مَعَ الكُتُبِ بِرَجُلٍ اشْتَرى فِضَّةً وَرَامَ السَّفَرَ بِهَا فَثُقَلَ عَلَيْهِ حَمْلُها فَبَاعَ الفِضَّةَ وَاشْتَرى جَوهَرَةً، فَلمَّا أَرَادَ السَّفَرَ خَفَّ عَلَيْهِ حَمْلُها، كَذَلِكَ اللهُ تَعَالى جَمَعَ الكُتُبَ الْمُنْزَلَةَ فِي الْقُرْآنِ ، وَجمعَ الْقُرْآنَ فِي سُوْرَةِ الفَاتِحَةِ، فعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ صَلاَةٍ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ، ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ».([1]) أيْ غيرُ تامَّةٍ.
وَمِنْ خَاصِّيَتِها: أنَّها تُقْرَأُ علَى مَنْ لَدَغَتْهُ العَقْرَبُ، أَوِ الْحَيَّةُ، فَيَبْرَأُ مِنْ حِينِهِ، وَقد وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ البُخارِيّ، وَيُروَى أنَّ فِي سُوْرَةِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. شِفاءٌ منَ السُّمِّ. فَيُوجَدُ فِي بَعضِ الأَخبارِ أنَّ مَنْ عَطَسَ وَقَالَ: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾. إلى آخِرِ السُوْرَةِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ وَمَسَحَ بِهِ أَسْنَانَهُ لَمْ يُصِبْهُ وَجَعُ الأَسْنَانِ، وَعُوفِي مِنْهَا أَمَدَ الدَّهْرِ.
وَمَنْ كَتَبَها فِي قِطْعَةِ جِلْدٍ أَحْمَرَ لِمَنِ ابْتُلِيَ بَوَجَعِ الشَّقِيقَةِ وَعَلَّقَهَا علَى الْجُمْجُمَةِ التي لاَ وَجَعَ فِيهَا مِنَ الرَّأْسِ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وفِي الأثر: "إنَّ العَذَابَ لَيَنْزِلُ فيَقْرَأُ صَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.أيْ سُوْرَةَ الفَاتِحة- فَيُرْفَعُ عَنْهُم أَرْبَعِينَ سَنَةً".
وعَنْ جَعْفَرَ الصَّادِق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَهَا أَرْبَعِيْنَ مَرَّةً علَى قَدَحِ مَاءٍ وَرَشَّ بِهِ وَجْهَ الْمَحْمُومِ؛ تَرْتَفِعُ عَنْهُ الْحُمَّى بِإِذْنِ اللهِ، وَذَلِكَ العَدَدُ يُعِينُ علَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ.
وَمَنِ اسْتَدَامَهَا إِحْدَى وَأربِعِيْنَ سَحَرَاً فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ غَيرِ مَشَقَّةٍ، وَيُرقَى بِهَا وَبِسُوْرَةِ الإِخلاصِ مِنْ مَرَضِ العَيْنِ.
وعَنْ أبي الوليد، مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ الفَقِيْهِ القُرطُبِيِّ يَرْفَعُه إلى رَسُوِل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِي مِنْ ضَعْفِ بَصَرِهِ، أَوْ رَمَدٍ أصَابَهُ فَلْيَتَأَمَّلِ الهِلالَ أَوَّل لَيْلَةٍ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ تَأَمَّلَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثّالثَةَ، فَإِذَا رَآهُ مَسَحَ بِيَمِينِهِ علَى عَيْنَيْهِ، وَليَقْرَأْ أُمَّ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يُبَسْمِلُ فِي أَوَّل السُوْرَةِ وَيُؤَمِّنُ فِي آخِرِهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ: [شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". سَبْعَ مَرَّاتٍ] وَلْيَقُلْ: ["يَا رَبُّ" خَمْسَ مَرَّاتٍ] فَإِنَّهُ يَقْوَى بَصَرُهُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى مَنْزِلَهُ، فَقرَأَ ﴿الْحَمْدُ﴾. و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.نَفَى اللهُ عَنهُ الفَقْرَ، وَكَثُرَ خَيرُ بَيْتِهِ حَتَّى يَفِيضَ بِهِ عَلَى جِيرَانِهِ».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ مَرِضَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ مِنْ حُمَّى أَوِ انْكِسَارٍ فِي بَدَنِهِما فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل عَلَيْه جِبْرِيلُ عَلَيْه السلام فقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، الجبَّارُ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لكَ: اغْتَمَمْتَ لِمَرَضِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَطْلُبَ فِي الْقُرْآنِ سُوْرَةً لاَ فَاءَ فِيهَا فَإِنَّ الفَاءَ مِنَ الآفَاتِ، فَتُقرَأ علَى إِنَاءٍ أَرْبَعِيْنَ مَرَّةً فَيَغْسِلُ بذَلِكَ الماءِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيهِ مَا ظَهَرَ وَما بَطَنَ مِنْ يَدَيْهِ وَوَجهِهِ وَرَأْسِهِ فإِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللهُ، وَأْمُرْ أُمَّتَكَ يَا مُحَمَّدُ يَتَدَاوُونَ بِهَذا الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الدَّوَاءِ». صَحَّ مِنَ اليافِعي.
وفِي كتاب التَّمِيمِيّ: أنَّ هَذِهِ السُوْرَةَ الْمُبَاركَةَ ، أعَنْي (الفاتحة) تُبْرِئُ الأَسْقَامَ وَالآلامَ، وَتُعَجَّلُ بِهَا العَافِيَةُ إِذَا قَرَأَهَا الْمَرِيضُ فِي حِيِنِه أَوْ تُلِيَتْ عَلَيْهِ وَمَسَحَ علَى جَميعِ بَدَنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ علَى الْمَوْضِعِ الْمُوجَعِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ وَأنْتَ الشَّافِي، اللَّهُمَّ اكْفِ وَأَنْتَ الكَافِي، اللَّهُمَّ عَافِ وَأَنْتَ الْمُعَافِي، أَبْرِئ مَا بِي مِنْ ضَرَرٍ بِإِذْنِكَ ، فَإِنَّهُ يُشْفَى مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ.
وَإذا كُتِبَتْ فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَغَسَّلَ الْمَريضُ بها وَجهَهُ عُوفِيَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَإذا شَرِبَ هذا الْمَاءَ مَنْ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ تَقَلُّباً أَوْ شَكَّاً أَوْ وَجَعاً سَكَنَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَإذا كُتِبَتْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَان فِي إِنَاءِ زُجَاجٍ ثُمَّ مُحِيَتْ بِمَاءِ وَرْدٍ ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الماءِ البَلِيدَ الذي لاَ يَحْفَظُ ، سَبْعَةَ أَيَّامٍ زَالَتْ بَلادَتُهُ، وَحَفِظَ مَا سَمِعَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
قلت: قَوْلُهُ بِمِسْكٍ إلى آخِرِ الشُّرُوطِ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ وَإلاَّ فَلا، بَلْ بِما تَيَسَّرَتْ، وَهكَذَا فِي كُلّ الشُّرُوطِ التي تَرَاهُمْ يَشْتَرِطُونَها حَتّى فِي الْخَلْوَة. قَالَ تَعَالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾. وَقَالَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آَتَاهَا﴾.
وَإذا كُتِبَتْ بماءٍ فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ وَمُحِيَ بِدُهْنِ بيلسان خَالِصٍ إِنْ أَمْكَنَ، وَقُرِئَتْ علَى الدُّهْنِ سَبْعِيْنَ مَرَّةً وَرُفِعَ ذَلِكَ الدُّهْنُ إلى وَقْتِ حَاجَتِه فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنَ اللَّقْوَةِ وَالفَالِجِ وَعُرُوقِ النَّسَا ، وَوَجَعِ الظَّهْرِ. وقَولُهُ اللَّقْوَة : بِالقافِ، داءٌ فِي الوَجْهِ رُبَّمَا مَالَ مِنهُ الفَمُ إلى جِهَةٍ، وَالفَالِجُ : اسْتِرَخاءٌ لأَحَدِ شِقَّيِّ البَدَنِ ، لانْصِبابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيِّ تَنْسَدُّ مِنهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ. فَلَجَ كَعَنِيَ، فهو مَفْلُوجٌ، وَالنَّسَا : هو عِرْقٌ مِنَ الوِرْكِ إلى الكَعْبِ، وَيُثَنَّى نَسَوَان، وَنَسَيَان ، وجمعه أَنْسَاء ، وَالمشهُورُ اليومُ عِنْدَ أهلِ الطِّبِّ تَعرِيفُهُ بذَلِكَ، وَهذا مَذْهَبُ أهلِ الطِّبِّ.
وَمَنْ كَتَبَها فِي رِقِّ غَزَالٍ، أي: جِلْدِهِ ، لَيلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ بِمَاءِ وَرْدٍ وَزعْفرَان، إِنْ أَمْكَنَ مَعَ أَوَّل ﴿ألم ذَلِكَ الكتاب﴾. وَ﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾. وَ﴿المص﴾. وَ﴿المر﴾. وَ﴿كهيعص﴾. وَ﴿طه﴾. وَ﴿طس﴾. وَ﴿يس﴾. وَ﴿ص﴾. وَ﴿حم تنزيلُ الكتابِ﴾. وَ﴿ق﴾. وَ﴿ن* وَالقلم﴾. عدَدُها أَربَعَةَ عَشَرَ بِالفَاتِحةِ، لَيلَةَ الْجُمُعَةِ ، الرَّابِعةَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ، مِنْ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، ثُمَّ يَجْعَلُها فِي أُنبُوبَةِ قَصَبٍ فَارِسِيٍّ إِنْ أَمْكَنَ، وَيُشَمِّعُها بِشَمْعٍ وَيَخْرِزُ عَلَيْهِ، مَنْ عَلَّقَهُ علَى ذِرَاعِهِ شَجُعَ قَلْبُهُ، وَيَهَابُهُ عَدُوُّهُ، وَكَانَ مَقْبُولاً عِنْدَ جميعِ النّاسِ، وَإنْ كَانَ فَقِيراً اسْتَغْنَى، وَإِنْ كَانَ مَدِيناً قَضَى اللهُ دَيْنَهُ، وَإنْ كَانَ خَائِفاً أَمِنَ، وَإنْ كَانَ مُسَافِراً رَجعَ إلى أَهْلِهِ، وَإنْ كَانَ مَسْجُوناً خَلُص، وَإنْ كَانَ مَسْحُوراً فَرَّجَ اللهُ عَنْه، وَلا يَسْأَل اللهَ حاجَةً إلاَّ قَضَاها لَهُ.
وَمِنْ خَوَاصِّها: إِذَا كُتِبَتْ حُرُوفَاً مُفَرّقَةً، وَمُحِيَتْ بِماءِ الْمَطَرِ، وَشَرِبَهُ الْمَريضُ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى، مِنْ كُلِّ وَجعٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَمَنْ ذَلِكَ أنّها إذَا قُرِئَتْ علَى الضِّرْسِ الوَجِيعِ بَرِأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَذَلِكَ أنْ يَكْتُبَ الإِنْسانُ علَى لَوحٍ طاهِرٍ بَعْدَ أنْ يَضَعَ عَلَيْهِ رَمْلاً طَاهِرَاً وَتَكُونُ الكِتَابَةُ بِمِسْمَارٍ، أَوْ عُودٍ ، وَيَكْتُبْ (أبجد هوز حطي) وَهِيَ حُرُوفُ الوِفْقُ الثُّلاثِي وَيَشُدُّ الْمِسْمَار وَالعُود علَى أَوَّل حَرْفٍ، وَيَقْرَأُ الفَاتِحةَ مَرَّةً وَيَسْأَلُ صاحِبَ الْمَرَضِ، وَهو وَاضعٌ أُصْبُعَهُ علَى مَوضِعِ الأَلَمِ هَلْ شُفِيْتَ؟ وَلا يُزِيلُ أُصْبُعَهُ، فَإِنْ شُفِي وَإلاَّ نَقَلَ الْمِسْمَارَ إلى الْحَرفِ الثّاني، وَقَرَأَ الفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ وَسَأَلَهُ فَإِنْ شُفِيَ، وَإلاَّ نَقَلَ الْمِسْمَارَ إلى الْحَرْفِ الثّالِثِ، وَقَرَأَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَسْأَلُ المريضَ، وَلاَ يَزالُ هَكَذَا يَسْأَلُهُ عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ وَهُوَ يَنقُلُ إلى مَا بَعْدَهُ وَيزيدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَاحِدَاً فَمَا يَبْلُغُ آخِرَها إلاَّ وَقَدْ شُفِي إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَإذَا لَم يَسْكُن اسْتَأنَفَ العَمَلَ وَزادَ فَإِنَّهُ يَبرأ. مُجَرّب. قلت: وَقد جُرِّبَ لغيرِ الضِّرسِ فشُفِيَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَمِنْ خَوَاصِّها: أنّها إذا قُرِئت إحدَى وَأَرْبَعِيْنَ مَرَّةً بَيْنَ سُنَّةِ الصُّبحِ وَالفَريضَةِ علَى وَجَعِ العَينِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.. مُعَجَّلاً ، وَذَلِكَ نَافِعٌ لِلْعَيْنِ وَغَيرِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ مِرَاراً، وَصَحَّ وَالْحَمْدُ للهِ تَعَالى، وَالشَّأنُ كُلُّهُ فِي حُسنِ الظَّنِّ مِنَ الوَجِيعِ وَالعَازِمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ هَذَا العَدَدَ فِي إِثْرِ الْمُسَافِرِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى وَرَدَّهُ سَالِماً.
وَمَنْ قَرَأَهَا مِئَةً وَإحدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، وَهُوَ مُقَيَّدٌ وَالعِياذُ باللهِ تَعَالى، وَيَتْفُلُ علَى القَيْدِ بَعْدَ القِرَاءَةِ عَشْرَةَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ القَيْدَ يَنْفَكُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى. وَقَدْ جَرَّبَهُ مَنْ كَانَ مُقَيَّداً، وَعَلَيْهِ تَرْسِيمٌ فَانْفَكَّ القَيْدُ، وَخَرَجَ وَنَجَا مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ بِلُطْفِ اللهِ تَعَالى وَبرَكَةِ هَذِهِ السُوْرَةِ وَالْحَمْدُ للهِ.
واعلم: أنَّ هذا العَدَدَ إنْ قُرِئَ علَى أَيِّ قِفْلٍ، أَوْ قَيْدٍ، علَى أيِّ شَيءٍ كَانْ؛ فُتِحَ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُجَرِّبْ. وَتقَدَّمَ قَريباً أنَّ الشَّأْنَ فِي حُسنِ الظَّنِّ.
وَمَنْ خافَ مِنَ الظَّمَأِ فَقَرَأ الفاتِحةَ عِنْدَما يُصبِحُ وَتفَلَ فِي يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِما وَجْهَهُ وَبَطْنَهُ كَفاهُ اللهُ تَعَالى ظَمَأ ذَلِكَ اليوم.
وَقَالَ بعضُ العُلماءِ: مَنْ كَتَبَها فِي إِنَاءٍ نَظِيفٍ وَمحاها بِمَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ زَالَ نَسَيانُهُ.
وَقَالَ بعضُ الصَّالِحِيْنَ مَنْ وَضَع يَدَهُ علَى مَوضِعِ الوَجَعِ وَقرأَ الفاتحةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَذهِبْ عَنِّي سُوءَ مَا أَجِدُ وَفُحشَهُ بِدَعَوةِ نَبِيِّكَ الْمُبَارَكِ الأَمِينِ الْمِسكِينِ عِنْدَكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ شُفِيَ. وَجُرِّبَ فَصَحَّ.
وَمِنْ خَوَاصِّها: لِلْمَحَبَّةِ وَتأليفِ القُلُوبِ وَذَلِكَ أنْ تَمْزِجَ اسْمَ الْمَطْلُوبِ بِالأَحْرُفِ النَّارِيَّةِ وَهيأ هـ ط م ف ش ذ) بِأَنْ تَأْخُذَ حَرْفَاً مِنَ النَّارِيَّةِ، ثُمَّ تَأْخُذَ حَرْفاً مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ أَوَّلُ أَخْذِكَ مِنَ النَّارِيّةِ، ثُمَّ حَرفاً مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ، وَهَكَذا فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ البَدْءُ بِالأَحْرُفِ النَّارِيّةِ، وَيكُونُ الْخَتْمُ بِها بِأَنْ يَكُونَ آخِر الْحُرُوفِ مِنْهَا، وَيكُونُ ذَلِكَ فِي إِحدَى وَعِشرِينَ وَرَقَةً، ثُمَّ تَضَع فِي كُلِّ وَرَقَةٍ حَصْوةَ لُبَانِ ذَكَرٍ، وَشَيْئاً مِنْ تُفّاحِ الْجَانِّ إنْ أمْكَنَ، وَتَضَعها علَى النّارِ، وَتَقرَأ علَيها الفَاتِحةَ إلى أنْ يَنقَطِعَ الدُّخانُ، وَتَقُول عِنْدَ ذَلِكَ : تَوَكَّلُوا يَا خُدَّامَ الأَحْرُفِ النَّارِيّةِ بقَضَاءِ حَاجَتِي مِنْ فُلانٍ، وَإِلقَاءِ مَحَبَّتِي وَمَودَّتِي أَوْ مَحَبّةِ فُلانٍ فِي قَلْبِهِ بِحَقِّ مَا تَلَوتُهُ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ مِرَاراً وَصَحَّ، وَبِحُسْنِ الاعْتِقَادِ يَحصُلُ الْمُرَادُ.
وَمِنْ خَوَاصِّها أيضاً لِلْمَحَبَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِيْنَ وَهُوَ الشَّيْخُ أحْمَدُ بنُ الرَّدّادِ أَنّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ أنْ يُصْلِحَ بَينَ زَوجَينِ، أَوْ أَخَوَينِ اِتِّباعاً لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اصْطَلَحَ بَينَ اثْنَينِ فَقَدِ اسْتَوجَبَ أَجْرَ شَهِيدٍ». «وَمَنْ مَشَى فِي صُلْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يَرْجِعَ».([2])
وَفِيهِ أيْضَاً: فَلْيَكْتُبْ الفَاتِحةَ فِي قِرْطَاسٍ بِزَعْفَرَان وَمَاءِ وَرْدٍ وَشَيْءٍ مِنْ مِسْكٍ وَيُبَخِّرُهُ فِي حَالِ الكِتَابَةِ بِعُودِ لُبانٍ، وَيَكُونُ الكاتِبُ علَى طَهَارَةٍ، وَتكونُ الكتَابَةُ علَى هَذا الوَضْعِ بِهَذا الشَّرْطِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. يَحْمَدُ فُلانُ بنُ فُلانةٍ لِفُلانِ بنِ فُلانةٍ، أَوْ لفُلانةٍ بنتِ فُلانةٍ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفَةِ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. يَرْحَمُ فُلانٌ ... الخ ،طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتابِ الشَّرِيفة :﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. اِمْتَلَكَ فلانٌ ... الخ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ عُبُودِيَّةً وَرَأفَةً وَرَحمَةً وَشَفَقَةً :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. فُلانٌ لِفُلانٍ طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ :﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. استعانَ فُلانٌ بِاللهِ تَعَالى وَبِفَاتِحةِ الكِتابِ الشَّرِيفَةِ علَى فُلانٍ بنِ فُلانةٍ، لِيَكُونَ مُطاوِعَاً لَهُ وَتَحْتَ إرَادَتِهِ فِي الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. اهتدَى وَاسْتَقَامَ فُلانٌ بنُ فُلانَةٍ لِفُلانٍ بنِ فُلانَةٍ اسْتِقَامَةَ مَحَبَّةٍ ، وَسَمَاعِ قَولٍ ، طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ ﴿صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. أَنْعَمَ فُلانٌ ... الخ ، بِجَمِيعِ مَا يَطْلُبُ مِنهُ فُلانٌ، وَيَرومُ طَاعَةً للهِ تَعَالى، وَلِفَاتِحَةِ الكِتَابِ الشَّرِيفةِ، مَحَبَّةً وَشَفَقَةً وَمَوَدَّةً وَرَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. ضَلَّ فُلانٌ ... الخ ، فِي مَحَبَّةِ فُلانٍ طَاعَةً للهِ وَلفَاتِحةِ الكِتابِ ... الخ ، آمين ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾.([3]) ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيَمٌ﴾. ([4]) فَإِذَا كَمُلَتْ فَخُذْ إِبْرَةً مَخْرُومَةً وَاغرِزْها فِي وَسَطِ الوَرَقَةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَلِّقْهَا فِي مَكَانٍ تَهُبُّ فِيهِ الرِّيحُ مِنْ الْجِهَةِ التي تَلِي الْمَطلُوبَ فيها يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَقَد جُرِّبَ وَصَحَّ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهم أنَّ مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَةٍ ، أيّ حَاجَةٍ كَانَتْ ، وَقَرَأَ هَذا الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ قِرَاءَةِ الفَاتحةِ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ سَهَّلَ اللهُ قَضَاءَها.
وَمِنْ خَوَاصِّها: كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ وَضْعِ جَنْبِهِ علَى الفِراشِ، وَقَرَأَ مَعَها ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَالْمُعَوِّذَتَينِ، فَقَد أَمِنَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إلاَّ الْمَوت.
وَمَنْ كَتَبَ الفاتحةَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ فِي الأُولى مِنْ يومِ الْجُمُعَةِ بِمِسْكٍ وَزعَفرانَ وَكافُور، إنْ أَمْكَنَ، وَمَحَاها بِمَاءِ وَرْدٍ وَوضَعَهُ فِي قَارُورَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ علَى الْحُكَّامِ مَسَحَ وَجْهَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ القَبُولُ الزَّائِدُ وَالمحبَّةُ عِنْدَ مَنْ يدَخُلُ عَلَيْهِ.
وَمَنْ دَخَلَ علَى مَنْ يَخَافُ شّرَّهُ وَقَرَأَ الفَاتِحةَ فَإِنَّهُ يَأَمَنُ مِنْ شَرِّهِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى.
وَشكا ابنُ الشَّعبي مِنْ وَجَعِ الظَّهْرِ، وَقيلَ: الْخَاسِرَة! فَقِيلَ لَهُ: "عَلَيْكَ بِأَسَاسِ الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَاتِحَةُ الكِتَابِ، فَلازَمَها وَكَتَبَها وَمَحَاهَا، وَشَرِبَها فشُفِيَ.
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لكُلِّ شَيْءٍ أَسَاسٌ، وَأَسَاسُ الْقُرْآنِ الفَاتحَةُ، وَأَسَاسُ الفَاتِحَةِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقَالَ العلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ: فِي كِتَابِهِ "كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ" وَإنَّ أَحْسَنَ الْمُدَاوَاةِ الفَاتِحَةُ التي وَجَدْتُ لَهَا تَأْثِيراً عَظِيمَاً فِي الشِّفَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي مَكَثْتُ بمَكَّةَ مُدَةً طَوِيلَةً يَعْتَرِيني دَاءٌ لاَ أَجِدُ لَهُ طَبِيباً، وَلاَ دَوَاءً، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي أُعَالِجُ نَفْسِي بِالفَاتِحَةِ، فَفَعلت ذَلِكَ فرَأَيْت لها تأثيراً عظيماً فكنتُ أصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي ألَمَاً شَدِيدَاً فكَانَ كثيرٌ منهُم يَبْرَأُ سَرِيعَاً بِبَرَكَةِ الفَاتِحة.
وَمَنْ كَتَبَ الفَاتِحةَ وَمَحَاهَا بِمَاءٍ وَخَلَطَ الْمَاءَ بِشَيْءٍ ظَهَرَتْ فِيهِ البَرَكَةُ عَيانَاً. وَمِنْ أَسْرَارِهَا وَخَوَاصِّها التي تَبْسُطُ الرِّزْقَ وَيُنالُ بِها نَجَاحُ كُلُّ مَقْصَدٍ وِرْدُهَا الْمَعرُوفُ بِوِرِدِ السَّعَادَةِ، وَهُوَ الوِرْدُ الْمَكْتُومُ الذي لاَ يُلازِمُهُ إلاَّ مَنْ كُتِبَ لَهُ حَظٌّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْقَوْمِ وَصِفَتُهُ ثَلاثُونَ مِنَ الفَاتِحَةِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَعِشْرُونَ بَعْدَ العَصْرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَعَشَرَةٌ بَعْدَ العِشَاء. (وقَد نَظَمَ) فَوَائِدَ هَذَا الوِرْدِ الغَزَاليُّ بِقَولِه:
إذا مَا كُنتَ مُلْتَمِساً لِرِزْقٍ
وَنَجْحَ القَصْدِ مِنْ عَبدٍ وَحُرِّ
وَتَظْفَرُ بالذي تَهوَى سَرِيعاً
وَتَأْمَنُ مِنْ مُخالَفَةٍ وَغَدْرِ
فَفَاتِحَةُ الكِتَابِ فَإِنَّ فِيها
لِمَا أَمَّلْتَ سِرَّاً أيَّ سِرِّ
فَلازِمْ دَرْسَها فِي كُلِّ وَقْتٍ
بِصُبْحٍ ثُمَّ ظُهْرٍ ثُمَّ عَصْرِ
كَذَلِكَ بَعدَ مَغْرِبِ كُلِّ لَيلٍ
إلى تِسْعِينَ تُتْبِعُهَا بِعَشْرِ
تَنَـلْ مَا شِـئْتَ مِنْ عِزٍّ وَ جـاهٍ
وَعِظَمِ مَهَابَةٍ وَعُلُوِّ قَدْرِ
وَ سَـتْرٍ لاَ تُـغَـيِّرُهُ اللّـَيـالِـي
بِحَادِثَةٍ مِنَ النُّقصانِ تَجْرِي
وَتَوْفِيقٍ وَأفْرَاحٍ تُوالِي
وأَمْنٍ مِنْ نِكايَةِ كُلِّ شَرِّ
ومِنْ عُسْرٍ وَفَقْرٍ وَانْقِطاعٍ
ومِنْ بَطْشٍ لِذِي نَهيٍ وَأَمْرٍ
فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ أَتَاكَ آتٍ
بِما يُغْنِيكَ عَنْ زَيْدٍ وَعَمْرِو
ومَنْ رَأى أَنّهُ يَقْرَأُ الفاتحةَ فِي نَوْمِهِ حَجَّ لِقَولِهِ تَعَالى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾. لأَنَّها سَبْعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ أُجِيبَتْ .