من عجائب لا حول ولا قوة إلا بالله
أخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة وروى حدثنا عن عبد الله بن محمد بن الحارث حدثنا عبد الله بن جاد الأعلى حدثنا محمد بن عبد العزيز الواسطي الرملي حدثنا أبي عبد العزيز بن محمد حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي حدثني جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله عن أبيه عن جده جرير بن عبد الله عن أزاد ابن هرمز وكان من أساورة كسرى ( أساورة : جمع أسورة والمفرد إسوار ومعناه قائد الفرس والجيد الرمي بالسهام وغيرها ) قال : بينما نحن على باب كسرى ننتظر الإذن فأبطأ علينا الإذن واشتد الحرّ وضجرنا ,, فقال رجل من القوم : لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ,, فقال رجل من القوم : تدري : ما قلت ؟ قال : نعم ,, فقال لي : إن الله يفرج عن صاحبها .. فقال لي : ألا أحدثك بتفسير هذا ؟ قلت : حدثني ,, قال : كانت لي إمرأة من أجمل النساء فكنت إذا قدمت من سفري تهيأت لي كما تتهيأ العروس لزوجها ,, فقدمت من سفرة ,, فإذا هي شعتة مغبرة ,, فقلت : فلانة !! قالت : فلانة .. قلت : ما لك لم تتهيئي لي كما كنت تتهيئين لي فيما مضى ؟! قالت : وبرحت قالت : الساعة قدمت فنادت جارية لها فقالت : يا فلانة خرج مولاك فلان ؟ قالت : لا ,, فسكتت ,, فبينما أنا أحدثها على باب خوخة ,, فلما توارت بالحجاب إذا رجل أومأ إليّ فخرجت فإذا هو في صورتي ,, فقال : إني رجل من الجن وقد عشقت امرأتك وكنت آتيها في صورتك فلا تنكر ذلك فاختر إما أن يكون لك النهار وليّ الليل أو يكون لك الليل وليّ النهار ,, فلما ولى الجني راعني ذلك وأفزعني فقلت : لك النهار وليّ الليل ,, فقال : لا ولكن على أن لا أخيس بك ولا ترى مني مالا تحب فتفكرت في الليل ووحشته قلت : ليّ النهار ولك الليل ,, فمكثت مع امرأتي ما شاء الله أن أمكث .. يقف على باب الخوخة فيومىء إليّ فأخرج أنا فيدخل هو في صورتي وجميع حالاتي وكلماتي الذي كانت تعرفه المرأة مني به ,, فإذا دخل عليها ظنت أني أنا هو فمكثنا كذلك ما شاء الله أن نمكث ..
ثم أتاني ذات عشية فأومأ إليّ فخرجت إليه ,, فقال لي : فلان كن مع امرأتك الليلة ,, قلت : ولم ؟ قال : خير , قلت : كيف ؟ قلت لي في هذه الليلة دون سائر الليالي كن مع امرأتك ,, وهل أنكرت مني شيئا ,, قال لي : لا ,, قلت : فلم قلت لي ؟ قال لي : إن هذه الليلة نوبتنا التي نسترق السمع من السماء ,, فقلت أنتم تستطيعون أن تسترقوا السمع من السماء !! قال : نعم ,, أتحبّ أن تجيء معي ,, قلت : نعم ,, قال : أخاف أن لا يقوي قلبك ,, قلت : والله ما بلغت منزلتي هذه عند كسرى إلا لشجاعتي ,, قال : أتحبّ ذلك ؟ قلت : نعم ,, قال : فحول وجهك ,, فحولت وجهي فإذا هو في صورة خنزير له جناحان ,, فقال لي : اصعد فصعدت على ظهره ,, ثم مرّ بي بين السماء والأرض حتى إذا انتهينا إلى شبيه بالسلم القائم ,, فمكثت أنا في آخر درجة ,, فمكثنا هويا من الليل ,, فإذا بشهاب قد أحرق الأول فصعد الذي كان تحت الأول ,, فقام الأول فصعد هو فقام مقام الذي هو قدامه فصعد كل واحد مقام الذي كان قدامه لنقصان الأول ,, فمكثنا كذلك هويا من الليل ,, فقال لي : تسمع صوتا ,, قلت : بلى وإذا صوت من السماء السابعة يخترق سماء سماء حتى انتهى إلى سماء الدنيا وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ,, فلم يبق منا واحد والله إلا صعق به ,, فوقعت أنا وهو في منقطع البرية فيما أرى فنظرت فإذا هو في جانبي متجدل حتى أضاء الفجر ,, فقعدت وأنا حزين ,, فقلت : هذا الأمر الذي أراد بي أن يتركني في هذا الموضع ,, فيذهب فيخلوا بإمرأتي فيكون له الليل والنهار ,, فمكثت ساعة ,, فإذا هو قد إنتفض وقعد كأنه جان ,, فقال لي : يا فلان ما رأيت ما لقينا الليلة ,, قلت : نعم ,, قال : إنك تفكرت في نفسك أن أذهب وأتركك ههنا وأخلو بامرأتك ,, قلت : نعم قال : لك عليّ بالله أن لا أخيس بك فحول وجهك ,, فحولت وجهي ,, فإذا هو في صورة خنزير له جناحان ,, فقال : اصعد فصعدت على ظهره فما شعرت إلا وأنا على داري ,, فدخلت البيت لا أعلمها بشيء من ذلك ..
فبينما أنا ذلك اليوم عشية قاعد أومىء إليّ فأبيت أن أبرح حتى صارت عيناه كأنها جمرتان تتقدان ,, فقلت في نفسي : إلى متى أنا في هذا الأمر رجل تؤتى إمرأته فلا يستطيع أن يغير ,, والله لأقولن شيئا سمعت من السماء إما أن يقتلني وإما أن أقتله فأستريح .. فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. فلم يزل والله يحترق حتى صار رمادا ,, فمكثت بعد ذلك معها عشرين سنة لا أرى منها إلا ما أحبّ