الذكاء العاطفي: بين النظرية والتطبيق
إن العلاقة ما بين العقل (الفكر) والعاطفة ملتبس عند الكثير من الناس إلى حد كبير.
يعتقد الكثير من الناس أن التفكير الجيد لا يستقيم إلاّ بغياب العاطفة.
من المؤكد أن العواطف القوية تلعب دورا كبيرا في التفكير بصورة سليمة وتجعله من الصعوبة بمكان.
وهذا ما حدا بالعقلانيين أن يجعلوا غياب العاطفة عن التفكير عقيدة لهم.
ومع هذا وذاك تظهر لنا التجارب الإكلينيكية أن التفكير الخالي من العاطفة
لا يؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات مرضية إن لم يكن مستحيلا.
إن المشكلة لا تكمن في العاطفة في حد ذاتها بقدر ما تتعلق بتناسب العاطفة
وملاءمتها للموقف وكيفية التعبير عنها.
فليس المطلوب هنا تنحية العاطفة جانبا بقدر محاولة إيجاد
أو خلق التوازن بين التفكير العقلاني والعاطفة.
منذ إصدار دانيال قولمان Daniel Goleman كتابه الأول (1995)،
أصبح مصطلح "الذكاء العاطفي"
من أهم المواضيع انتشارا وتداولا بين دوائر الشركات العالمية الكبرى
وكذلك نال نفس الاهتمام على مستوى المؤسسات التعليمية
إن كان في الجامعات أو في المدارس. وانتقلت العدوى إلى معظم الأقطار العربية
فسرعان ما عقدت الندوات وورش العمل وبرامج التدريب والترجمات
وما إلى ذلك من نشاطات ترافق كل صرعة جديدة دون دراسة أو تمحيص .
ومن هذا المنطلق وقد عاد الكلام عن الذكاء العاطفي مرة أخرى
أود هنا أن أتطرق باختصار إلى السياق التاريخي لتطور فكرة الذكاء العاطفي
وما هو الذكاء العاطفي ضمن هذا السياق وما هي عناصره أو مكوناته
وأهميته بالنسبة لمكان العمل والدرس.
للذكاء العاطفي جذوره الممتدة في مفهوم "الذكاء الاجتماعي"
الذي أول من عرفّه روبرت ثورندايك Robert Thorndike (1920).
ومنذ ذلك التاريخ وعلماء النفس يحاولون إزاحة الستار
عن أنواع الذكاء التي صنفوها تحت ثلاث مجموعات:
o الذكاء المجرد (القدرة على فهم الرموز اللفظية والرياضية والقدرة على التعامل معها)
o الذكاء الحسي ( القدرة على فهم الأشياء الحسية أو المادية والقدرة على التعامل معها)
o الذكاء الاجتماعي (القدرة على فهم الناس والانتماء لهم)
وقد عرّف ثورندايك "الذكاء الاجتماعي" بالقدرة على فهم الأفراد (نساء ورجال وأطفال) والتعامل معهم ضمن العلاقات الإنسانية.
أما دافيد ويكسلر David Wechsler (1940)
فقد عرّف الذكاء بالقدرة الشاملة على التصرف وعلى التفكير بعقلانية وعلى التعامل مع البيئة المحيطة بفاعلية. وتحدث كذلك عن عناصر عقلية وغير عقلية المعنية بالعوامل العاطفية والشخصية والاجتماعية. وفي سنة 1943 قال ويكسلر بضرورة القدرات العاطفية لتنبؤ قدرة أي شخص على النجاح في الحياة. وانقطع حبل التفكير والبحث حول هذه المسألة حتى ظهر هوارد قاردنرHoward Gardner (1983) في كتابه "أطر العقل" الذي أشار فيه إلى الذكاء المتعدد وبالتحديد أشار إلى نوعين من الذكاء يتقاطعان مع ما يسمى بالذكاء العاطفي وهما: الذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي. ومن ثم في سنة 1990 استخدم سالوفي ومايرSalovey and Mayer مصطلح "الذكاء العاطفي" لأول مرة. وكانا على دراية تامة بما سبق من عناصر الذكاء غير المعرفي. لقد وصفا الذكاء العاطفي على أنه نوع من الذكاء الاجتماعي المرتبط بالقدرة على مراقبة الشخص لذاته ولعواطفه وانفعالاته ولعواطف وانفعالات الآخرين والتمييز بينها واستخدام المعلومات الناتجة عن ذلك في ترشيد تفكيره وتصرفاته وقراراته. وفي أوائل التسعينيات من القرن العشرين أصبح دانيال قولمان على دراية بأعمال سالوفي وماير مما دفعه إلى وضع كتابه الشهير "الذكاء العاطفي".
كل التعريفات الواردة في كل الدراسات السابقة تجمع على معنى للذكاء العاطفي ويمكن تلخيصه في التعريف التالي: "الذكاء العاطفي هو الاستخدام الذكي للعواطف. فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في العمل أو في المدرسة أو في الحياة بصورة عامة"
عواطفنا تنبع من أربعة أبنية أساسية هي:
1. القدرة على الفهم الدقيق والتقدير الدقيق والتعبير الدقيق عن العاطفة 2. القدرة على توليد المشاعر حسب الطلب عندما تسهل فهم الشخص لنفسه أو لشخص آخر
3. القدرة على فهم العواطف والمعرفة التي تنتج عنها
4. القدرة على تنظيم العواطف لتطوير النمو العاطفي والفكري
وكل واحد من هذه الأبنية السابقة يساعد على تطوير المهارات المعينة التي تشكل معا ما يسمى "الذكاء العاطفي". إن الذكاء العاطفي ينمو ويتطور بالتعلم والمران على المهارات والقدرات التي يتشكل منها. أما المكونات والعناصر التي تشكل الذكاء العاطفي كما لخصها دانيال قولمان هي كما يلي:
الوعي الذاتي Self-awareness وهو القدرة على التصرف والقدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه هو وكذلك الدوافع وتأثيرها على الآخرين من حوله.
ضبط الذات Self-control وهو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين.
الحافز Motivation وهو حب العمل بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصي.
التعاطف Empathy وهو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الأخرين وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية.
المهارة الاجتماعية Social skill وهي الكفاءة في إدارة العلاقات وبنائها والقدرة على إيجاد أرضية مشتركة وبناء التفاهمات.
ونتيجة لهذا الاهتمام الواسع تم تطوير برامج تدريب تبين العلاقة المبدأية التي تربط الذكاء العاطفي بأماكن تواجد العاملين وتهتم بتعليمهم المفهوم وتقييم نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وتزويدهم بإطار يرفع من قدرتهم على التفاعل مع الآخرين بواسطة استخدام الذكاء العاطفي.
أهمية الذكاء العاطفي بالنسبة للعمل تعود إلى عهود مضت حتى إلى ما قبل أن يحدد هذا المصطلح وينتشر بهذا القدر. كان التربويون والمهتمون بتطوير الموارد البشرية والمدربون في الشركات والمهتمون بالتوظيف والمديرون وآخرون يدركون ما هو الحد الفاصل بين الموظف العادي متوسط الأداء والموظف المتفوق في الأداء. إن الفرق بين الإثنين ليس المهارات الفنية التي يمكن اكتسابها وتعلمها بسهولة وليس بالضرورة أن يكون الذكاء هو ما يميز بين أداء وآخر. إنه شيء آخر يعرفه الشخص إذا رآه بنفسه ويصعب تحديده في نفس الوقت. إنه المهارات الشخصية.
وجاء الذكاء العاطفي المصطلح الموضوعي الذي يتكون من قدرات ومهارات يمكن قياسها ولم تعد مهارات فضفاضة ومطاطة لا يمكن قياسها. فمثلا لو تمعنا في الدور الذي يمكن أن تلعبه العواطف في مكان العمل لتبين لنا الأهمية التي ينطوي عليها فهم عواطفنا وكيفية التعامل معها في الوقت المناسب.
فلنأخذ مشاعر الخوف والقلق كمثال. لو كان شخص يعمل في أحد المصانع وقررت إدارة المصنع يوما زيادة سرعة الإنتاج لظروف موضوعية. عندئذ، يتعين على هذا الشخص أن يعمل بأسرع مم تعود عليه في السابق مع المحافظة على نفس نوعية الإنتاج. فإذا كانت السرعة المطلوبة معقولة يمكن أن يكتفي العامل بإطلاق تنهيدة ويوطد نفسه على أن يكون أكثر انتباها وحرصا. أما إذا زادت السرعة أكثر فأكثر إلى درجة تجعل العامل يشعر بعدم القدرة على مجاراة هذه السرعة، عندئذ، يبدأ القلق والخوف. يقلق حول ارتكاب أخطاء أو حول الإصابة بمكروه. ولكن بإمكانه أن يضبط ذلك القلق ويضعه جانبا أو يتجاهله وينتبه للعمل ويسير كل شيء على ما يرام. أما إذا أصر على القلق والخوف فترتكب بعض الأخطاء أو قد تؤذي نفسك نتيجة الارتباك وتفقد الوظيفة.
أما أهمية الذكاء العاطفي في المدرسة فهي واضحة وظاهرة في الأبحاث التربوية المرتكزة على أبحاث الدماغ والتي تشير إلى أن الصحة العاطفية أساسية وهامة للتعلم الفعاّل. فلعل أهم عنصر من عناصر نجاح الطالب في المدرسة هو فهمه لكيفية التعلم. فالعناصر الرئيسة لمثل هذا الفهم كما ذكرها دانيال قولمان هي: الثقة،وحب الاستطلاع، والقصد، وضبط الذات، والانتماء، والقدرة على التواصل، والقدرة على التعاون. فهذه الصفات هي من عناصر الذكاء العاطفي. لقد برهن الذكاء العاطفي على أنه متنبئ جيد للنجاح في المستقبل أكثر من الوسائل التقليدية مثل: المعدل التراكمي، أو معامل الذكاء ودرجات الاختبارات المعيارية المقننة الأخرى. من هنا جاء الاهتمام بالذكاء العاطفي من طرف الشركات الكبرى والجامعات والمدارس على مستوى العالم أجمع.
وباختصار، إن بناء الذكاء العاطفي لأي شخص له أكبر الأثر عليه طيلة حياته. فالعديد م الآباء والتربويين عندما انزعجوا في الآونة الأخيرة من مستويات المشاكل التي يصادفها طلاب المدارس التي تتراوح من احترام الذات المنخفض إلى سوء استعمال المخدرات والكحول إلى الإحباط، لجؤوا بكل قوة إلى تعليم الطلاب المهارات الضرورية للذكاء العاطفي. وكذلك الأمر في الشركات الكبرى التي وضعت الذكاء العاطفي في برامج التدريب ساعدت الموظفين وجعلتهم يتعاونون بصورة أفضل من ذي قبل وطورت حوافزهم مما أدى إلى زيادة الإنتاج والأرباح. ومن هنا يجب اعتبار الذكاء العاطفي بمكوناته وعناصره وسيلة ثالثة بالإضافة إلى المهارات الفنية والقدرات العقلية (المعرفية) عند التوظيف أو التطوير أو الترقيات إلى آخر هذه المهمات
إن العلاقة ما بين العقل (الفكر) والعاطفة ملتبس عند الكثير من الناس إلى حد كبير.
يعتقد الكثير من الناس أن التفكير الجيد لا يستقيم إلاّ بغياب العاطفة.
من المؤكد أن العواطف القوية تلعب دورا كبيرا في التفكير بصورة سليمة وتجعله من الصعوبة بمكان.
وهذا ما حدا بالعقلانيين أن يجعلوا غياب العاطفة عن التفكير عقيدة لهم.
ومع هذا وذاك تظهر لنا التجارب الإكلينيكية أن التفكير الخالي من العاطفة
لا يؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات مرضية إن لم يكن مستحيلا.
إن المشكلة لا تكمن في العاطفة في حد ذاتها بقدر ما تتعلق بتناسب العاطفة
وملاءمتها للموقف وكيفية التعبير عنها.
فليس المطلوب هنا تنحية العاطفة جانبا بقدر محاولة إيجاد
أو خلق التوازن بين التفكير العقلاني والعاطفة.
منذ إصدار دانيال قولمان Daniel Goleman كتابه الأول (1995)،
أصبح مصطلح "الذكاء العاطفي"
من أهم المواضيع انتشارا وتداولا بين دوائر الشركات العالمية الكبرى
وكذلك نال نفس الاهتمام على مستوى المؤسسات التعليمية
إن كان في الجامعات أو في المدارس. وانتقلت العدوى إلى معظم الأقطار العربية
فسرعان ما عقدت الندوات وورش العمل وبرامج التدريب والترجمات
وما إلى ذلك من نشاطات ترافق كل صرعة جديدة دون دراسة أو تمحيص .
ومن هذا المنطلق وقد عاد الكلام عن الذكاء العاطفي مرة أخرى
أود هنا أن أتطرق باختصار إلى السياق التاريخي لتطور فكرة الذكاء العاطفي
وما هو الذكاء العاطفي ضمن هذا السياق وما هي عناصره أو مكوناته
وأهميته بالنسبة لمكان العمل والدرس.
للذكاء العاطفي جذوره الممتدة في مفهوم "الذكاء الاجتماعي"
الذي أول من عرفّه روبرت ثورندايك Robert Thorndike (1920).
ومنذ ذلك التاريخ وعلماء النفس يحاولون إزاحة الستار
عن أنواع الذكاء التي صنفوها تحت ثلاث مجموعات:
o الذكاء المجرد (القدرة على فهم الرموز اللفظية والرياضية والقدرة على التعامل معها)
o الذكاء الحسي ( القدرة على فهم الأشياء الحسية أو المادية والقدرة على التعامل معها)
o الذكاء الاجتماعي (القدرة على فهم الناس والانتماء لهم)
وقد عرّف ثورندايك "الذكاء الاجتماعي" بالقدرة على فهم الأفراد (نساء ورجال وأطفال) والتعامل معهم ضمن العلاقات الإنسانية.
أما دافيد ويكسلر David Wechsler (1940)
فقد عرّف الذكاء بالقدرة الشاملة على التصرف وعلى التفكير بعقلانية وعلى التعامل مع البيئة المحيطة بفاعلية. وتحدث كذلك عن عناصر عقلية وغير عقلية المعنية بالعوامل العاطفية والشخصية والاجتماعية. وفي سنة 1943 قال ويكسلر بضرورة القدرات العاطفية لتنبؤ قدرة أي شخص على النجاح في الحياة. وانقطع حبل التفكير والبحث حول هذه المسألة حتى ظهر هوارد قاردنرHoward Gardner (1983) في كتابه "أطر العقل" الذي أشار فيه إلى الذكاء المتعدد وبالتحديد أشار إلى نوعين من الذكاء يتقاطعان مع ما يسمى بالذكاء العاطفي وهما: الذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي. ومن ثم في سنة 1990 استخدم سالوفي ومايرSalovey and Mayer مصطلح "الذكاء العاطفي" لأول مرة. وكانا على دراية تامة بما سبق من عناصر الذكاء غير المعرفي. لقد وصفا الذكاء العاطفي على أنه نوع من الذكاء الاجتماعي المرتبط بالقدرة على مراقبة الشخص لذاته ولعواطفه وانفعالاته ولعواطف وانفعالات الآخرين والتمييز بينها واستخدام المعلومات الناتجة عن ذلك في ترشيد تفكيره وتصرفاته وقراراته. وفي أوائل التسعينيات من القرن العشرين أصبح دانيال قولمان على دراية بأعمال سالوفي وماير مما دفعه إلى وضع كتابه الشهير "الذكاء العاطفي".
كل التعريفات الواردة في كل الدراسات السابقة تجمع على معنى للذكاء العاطفي ويمكن تلخيصه في التعريف التالي: "الذكاء العاطفي هو الاستخدام الذكي للعواطف. فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في العمل أو في المدرسة أو في الحياة بصورة عامة"
عواطفنا تنبع من أربعة أبنية أساسية هي:
1. القدرة على الفهم الدقيق والتقدير الدقيق والتعبير الدقيق عن العاطفة 2. القدرة على توليد المشاعر حسب الطلب عندما تسهل فهم الشخص لنفسه أو لشخص آخر
3. القدرة على فهم العواطف والمعرفة التي تنتج عنها
4. القدرة على تنظيم العواطف لتطوير النمو العاطفي والفكري
وكل واحد من هذه الأبنية السابقة يساعد على تطوير المهارات المعينة التي تشكل معا ما يسمى "الذكاء العاطفي". إن الذكاء العاطفي ينمو ويتطور بالتعلم والمران على المهارات والقدرات التي يتشكل منها. أما المكونات والعناصر التي تشكل الذكاء العاطفي كما لخصها دانيال قولمان هي كما يلي:
الوعي الذاتي Self-awareness وهو القدرة على التصرف والقدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه هو وكذلك الدوافع وتأثيرها على الآخرين من حوله.
ضبط الذات Self-control وهو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين.
الحافز Motivation وهو حب العمل بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصي.
التعاطف Empathy وهو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الأخرين وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية.
المهارة الاجتماعية Social skill وهي الكفاءة في إدارة العلاقات وبنائها والقدرة على إيجاد أرضية مشتركة وبناء التفاهمات.
ونتيجة لهذا الاهتمام الواسع تم تطوير برامج تدريب تبين العلاقة المبدأية التي تربط الذكاء العاطفي بأماكن تواجد العاملين وتهتم بتعليمهم المفهوم وتقييم نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وتزويدهم بإطار يرفع من قدرتهم على التفاعل مع الآخرين بواسطة استخدام الذكاء العاطفي.
أهمية الذكاء العاطفي بالنسبة للعمل تعود إلى عهود مضت حتى إلى ما قبل أن يحدد هذا المصطلح وينتشر بهذا القدر. كان التربويون والمهتمون بتطوير الموارد البشرية والمدربون في الشركات والمهتمون بالتوظيف والمديرون وآخرون يدركون ما هو الحد الفاصل بين الموظف العادي متوسط الأداء والموظف المتفوق في الأداء. إن الفرق بين الإثنين ليس المهارات الفنية التي يمكن اكتسابها وتعلمها بسهولة وليس بالضرورة أن يكون الذكاء هو ما يميز بين أداء وآخر. إنه شيء آخر يعرفه الشخص إذا رآه بنفسه ويصعب تحديده في نفس الوقت. إنه المهارات الشخصية.
وجاء الذكاء العاطفي المصطلح الموضوعي الذي يتكون من قدرات ومهارات يمكن قياسها ولم تعد مهارات فضفاضة ومطاطة لا يمكن قياسها. فمثلا لو تمعنا في الدور الذي يمكن أن تلعبه العواطف في مكان العمل لتبين لنا الأهمية التي ينطوي عليها فهم عواطفنا وكيفية التعامل معها في الوقت المناسب.
فلنأخذ مشاعر الخوف والقلق كمثال. لو كان شخص يعمل في أحد المصانع وقررت إدارة المصنع يوما زيادة سرعة الإنتاج لظروف موضوعية. عندئذ، يتعين على هذا الشخص أن يعمل بأسرع مم تعود عليه في السابق مع المحافظة على نفس نوعية الإنتاج. فإذا كانت السرعة المطلوبة معقولة يمكن أن يكتفي العامل بإطلاق تنهيدة ويوطد نفسه على أن يكون أكثر انتباها وحرصا. أما إذا زادت السرعة أكثر فأكثر إلى درجة تجعل العامل يشعر بعدم القدرة على مجاراة هذه السرعة، عندئذ، يبدأ القلق والخوف. يقلق حول ارتكاب أخطاء أو حول الإصابة بمكروه. ولكن بإمكانه أن يضبط ذلك القلق ويضعه جانبا أو يتجاهله وينتبه للعمل ويسير كل شيء على ما يرام. أما إذا أصر على القلق والخوف فترتكب بعض الأخطاء أو قد تؤذي نفسك نتيجة الارتباك وتفقد الوظيفة.
أما أهمية الذكاء العاطفي في المدرسة فهي واضحة وظاهرة في الأبحاث التربوية المرتكزة على أبحاث الدماغ والتي تشير إلى أن الصحة العاطفية أساسية وهامة للتعلم الفعاّل. فلعل أهم عنصر من عناصر نجاح الطالب في المدرسة هو فهمه لكيفية التعلم. فالعناصر الرئيسة لمثل هذا الفهم كما ذكرها دانيال قولمان هي: الثقة،وحب الاستطلاع، والقصد، وضبط الذات، والانتماء، والقدرة على التواصل، والقدرة على التعاون. فهذه الصفات هي من عناصر الذكاء العاطفي. لقد برهن الذكاء العاطفي على أنه متنبئ جيد للنجاح في المستقبل أكثر من الوسائل التقليدية مثل: المعدل التراكمي، أو معامل الذكاء ودرجات الاختبارات المعيارية المقننة الأخرى. من هنا جاء الاهتمام بالذكاء العاطفي من طرف الشركات الكبرى والجامعات والمدارس على مستوى العالم أجمع.
وباختصار، إن بناء الذكاء العاطفي لأي شخص له أكبر الأثر عليه طيلة حياته. فالعديد م الآباء والتربويين عندما انزعجوا في الآونة الأخيرة من مستويات المشاكل التي يصادفها طلاب المدارس التي تتراوح من احترام الذات المنخفض إلى سوء استعمال المخدرات والكحول إلى الإحباط، لجؤوا بكل قوة إلى تعليم الطلاب المهارات الضرورية للذكاء العاطفي. وكذلك الأمر في الشركات الكبرى التي وضعت الذكاء العاطفي في برامج التدريب ساعدت الموظفين وجعلتهم يتعاونون بصورة أفضل من ذي قبل وطورت حوافزهم مما أدى إلى زيادة الإنتاج والأرباح. ومن هنا يجب اعتبار الذكاء العاطفي بمكوناته وعناصره وسيلة ثالثة بالإضافة إلى المهارات الفنية والقدرات العقلية (المعرفية) عند التوظيف أو التطوير أو الترقيات إلى آخر هذه المهمات