عجيبة تلك العضلة الصغيرة في جسم الإنسان, فعلى الرغم من صغر حجمها فإنها تصنع أعمالاً عظيمة، فقد تمزق وتفرق وقد تجمع وتقرب، وقد تكون سببًا لسعادة الإنسان في حياته، وقد تكون أيضًا سببًا في شقائه، وقد تكون سببًا لزيادة الحسنات ورفعة الدرجات, وقد تكون سببًا لكسب السيئات ومحق الحسنات؛ بل قد تهوي به في دركات النار!
إنها.. اللسان! نعم اللسان! فحين يحسن الإنسان حديثه مع الآخرين وينتقي عباراته, ولا يتحدث إلا بأطيب القول وبما ينفع, وفيما يعنيه, ويذكر الله به جُلَّ وقته, كان ذلك سببًا لسعادته وفلاحه؛ لأنه حفظ لسانه عن الوقوع في أعراض الناس وعن الغيبة والنميمة التي تعد من كبائر الذنوب, التي نهانا الله عن فعلها؛ بل وصوَّر من يفعل ذلك بأبشع تصوير دلالة على شناعة الفعل وعلى قبحه فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
والغيبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"[1]. ولو كان فيه، أما النميمة فهي: نقل الكلام من شخص لآخر بقصد الإفساد.
وهاتان الصفتان الذميمتان من أكبر ما يفرق بين المجتمعات ويمزق وحدتها, وتملأ القلوب غيظًا وحنقًا, وتسبب الحقد والضغينة والكراهية؛ لذلك نهانا الله عنها, وعلى النقيض أمرنا بالنطق بأطيب القول وأحسنه في الدعوة إلى التوحيد وفي شتى المجالات؛ لأنه أدعى للقبول وأحرى للإجابة, وأقرب مثال لذلك أنه -سبحانه- حينما أرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون ذلك الطاغية الكافر المتكبر ليدعواه إلى دين الله, أمرهما بأن يدعواه بالقول اللين فقال تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 42-44].
وتفسير الآية كما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان):
{قَوْلًا لَيِّنًا}: أي سهلاً لطيفًا برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ولا غلظة في المقال أو فظاظة في الأفعال، {لَعَلَّهُ} بسبب القول اللين {يَتَذَكَّرُ} ما ينفعه فيأتيه {أَوْ يَخْشَى} ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه[2].
وإذا كان هذا التصرف، وهذا التعامل مع الكافر وهو كافر, فمن البديهي أن يكون التعامل الجيد والحسن مع المسلمين أولى وأحرى؛ لذا ينبغي على الإنسان المسلم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة الموجودة في عقيدة الإسلام، التي علمنا إياها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأن يراقب لسانه ويتحرى الصدق فيما يقول, ويحاسب نفسه على كل كلمة ينطق بها؛ هل تكون له في ميزان حسناته؟ أم تكون عليه وتكون في ميزان سيئاته؟
ومن واقع التجربة -حتى يحظى الإنسان بالقبول والمحبة من جميع من هم حوله ويشعر بالسعادة- أذكر هذه النقاط التي أرجو أن تكون نافعة إن شاء الله
* أن يكون الإنسان بشوشًا مبتسمًا؛ فالابتسامة في وجه أخيك صدقة وتفتح لك القلوب.
* أن يتحلى بأدب المجلس؛ من إلقاء التحية, الإفساح في المجلس, احترام الكبير, ألا يتصدر المجلس بالحديث ويدع المجال للآخرين ليتحدثوا.
* سؤال الآخرين عن أحوالهم، والاحتفاء بهم، وتقديم المساعدة لهم إن احتاجوا لذلك.
* تحري الصدق في كل ما يقول وينطق وفي الحديث: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا"[3].
* عـدم التدخل فيما لا يعنيه من شئون الآخرين وفي الحـديث: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"[4].
* تأسيس الرقابة الذاتية، واستشعار أن الله مطلع على الإنسان ومحيط بكل ما يقول وينطق, ويتذكر دائمًا أن عن يمينه وشماله ملكين يسجلان ويكتبان كل ما يقول, واستحضار ذلك دائمًا يدفع الإنسان إلى فعل الخير وإلى ما يرضي الله عنه, ويدعوه إلى ترك المعاصي وعن كل ما يغضب الله.
* التقرب إلى الله، كلما تقرب العبد لربه بالطاعات والأعمال الصالحات نال رضا الله ومحبته، وجعل الله له القبول في الأرض، وألقى محبته في قلوب الخلق.
* حسن الظن بالآخرين وألا ينشغل إلا بنفسه؛ لأن المرء حينما يشغل نفسه بمراقبة الآخرين وانتقادهم يغفل عن نفسه وعيوبه, وقبل أن ينتقد الإنسان الآخرين لا بد أن يرى عيوبه ويسعى لإصلاحها, وحتى لو واجه النقد فليتقبله بكل رحابة صدر، اعلم أن تقبل النقد قد يكون صعبًا بعض الشيء؛ خصوصًا حينما يكون نقدًا لاذعًا خاليًا من الأسلوب الجيد؛ لكن العاقل من يستمع إليه مهما كان الأسلوب الذي جاء به, ويسعى للإصلاح والتقويم.
كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي»[5]. لأن المحب الحقيقي الناصح هو الذي يوجهك وينبهك عند وقوعك في الخطأ ويؤيدك على الصواب والفعل الحسن, وجميل أن نجعل نقد الآخرين بمنزلة الموج الذي يدفعنا إلى الأمام، وأن نرتقي بأنفسنا وأخلاقنا وذواتنا إلى معالي الأمور.
* أن نتذكر أن سعادة المرء وتعاسته في لسانه؛ فإن استطاع التحكم في لسانه فإنه يستطيع التحكم في سعادته وفي الحديث: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"[6]. فكلما كانت كلماتك لطيفة ومهذبة ومؤدبة كسبت بذلك ودَّ من حولك وحبهم واحترامهم، وازدادوا شوقًا إلى حديثك وسماع كلامك, وكلما كان اللسان طويلاً غير مهذب بذيئًا كسبت نفور من حولك، وفقدت احترامهم لك، وكرهوك وكرهوا مجالستك تفاديًا لسماع حديثك وكلامك.
* الدعاء: الدعاء شأنه عجيب؛ وقد سمعنا في ذلك قصصًا كثيرة, فلا يغفل الإنسان عن الدعاء بأن يطهر الله لسانه من الكلام الفاحش البذيء، ومن الغيبة والنميمة، وأن يطهر قلبه من الحقد والحسد والنفاق.
* ذكر الله: ترطيب اللسان وتطييبه بذكر الله وتعويده عليه، ولا أسهل من ذكر الله! ولا أعظم أجرًا منه! وحينما يعتاد الإنسان الكلام الطيب يتعفف لسانه ويتورع فيما بعد عن النطق بغيره.
هذا ما جاد به قلمي, وفاضت به قريحتي، أسأل الله أن أكون قد وفقت فيما كتبت فانتفعت ونفعت, وأدعو ربي أن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال لا يهدي لأحسنها سواه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛
تحياتى الخالصة اختكم جمانة
المصدر: موقع الإسلام
إنها.. اللسان! نعم اللسان! فحين يحسن الإنسان حديثه مع الآخرين وينتقي عباراته, ولا يتحدث إلا بأطيب القول وبما ينفع, وفيما يعنيه, ويذكر الله به جُلَّ وقته, كان ذلك سببًا لسعادته وفلاحه؛ لأنه حفظ لسانه عن الوقوع في أعراض الناس وعن الغيبة والنميمة التي تعد من كبائر الذنوب, التي نهانا الله عن فعلها؛ بل وصوَّر من يفعل ذلك بأبشع تصوير دلالة على شناعة الفعل وعلى قبحه فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
والغيبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"[1]. ولو كان فيه، أما النميمة فهي: نقل الكلام من شخص لآخر بقصد الإفساد.
وهاتان الصفتان الذميمتان من أكبر ما يفرق بين المجتمعات ويمزق وحدتها, وتملأ القلوب غيظًا وحنقًا, وتسبب الحقد والضغينة والكراهية؛ لذلك نهانا الله عنها, وعلى النقيض أمرنا بالنطق بأطيب القول وأحسنه في الدعوة إلى التوحيد وفي شتى المجالات؛ لأنه أدعى للقبول وأحرى للإجابة, وأقرب مثال لذلك أنه -سبحانه- حينما أرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون ذلك الطاغية الكافر المتكبر ليدعواه إلى دين الله, أمرهما بأن يدعواه بالقول اللين فقال تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 42-44].
وتفسير الآية كما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان):
{قَوْلًا لَيِّنًا}: أي سهلاً لطيفًا برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ولا غلظة في المقال أو فظاظة في الأفعال، {لَعَلَّهُ} بسبب القول اللين {يَتَذَكَّرُ} ما ينفعه فيأتيه {أَوْ يَخْشَى} ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه[2].
وإذا كان هذا التصرف، وهذا التعامل مع الكافر وهو كافر, فمن البديهي أن يكون التعامل الجيد والحسن مع المسلمين أولى وأحرى؛ لذا ينبغي على الإنسان المسلم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة الموجودة في عقيدة الإسلام، التي علمنا إياها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأن يراقب لسانه ويتحرى الصدق فيما يقول, ويحاسب نفسه على كل كلمة ينطق بها؛ هل تكون له في ميزان حسناته؟ أم تكون عليه وتكون في ميزان سيئاته؟
ومن واقع التجربة -حتى يحظى الإنسان بالقبول والمحبة من جميع من هم حوله ويشعر بالسعادة- أذكر هذه النقاط التي أرجو أن تكون نافعة إن شاء الله
* أن يكون الإنسان بشوشًا مبتسمًا؛ فالابتسامة في وجه أخيك صدقة وتفتح لك القلوب.
* أن يتحلى بأدب المجلس؛ من إلقاء التحية, الإفساح في المجلس, احترام الكبير, ألا يتصدر المجلس بالحديث ويدع المجال للآخرين ليتحدثوا.
* سؤال الآخرين عن أحوالهم، والاحتفاء بهم، وتقديم المساعدة لهم إن احتاجوا لذلك.
* تحري الصدق في كل ما يقول وينطق وفي الحديث: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا"[3].
* عـدم التدخل فيما لا يعنيه من شئون الآخرين وفي الحـديث: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"[4].
* تأسيس الرقابة الذاتية، واستشعار أن الله مطلع على الإنسان ومحيط بكل ما يقول وينطق, ويتذكر دائمًا أن عن يمينه وشماله ملكين يسجلان ويكتبان كل ما يقول, واستحضار ذلك دائمًا يدفع الإنسان إلى فعل الخير وإلى ما يرضي الله عنه, ويدعوه إلى ترك المعاصي وعن كل ما يغضب الله.
* التقرب إلى الله، كلما تقرب العبد لربه بالطاعات والأعمال الصالحات نال رضا الله ومحبته، وجعل الله له القبول في الأرض، وألقى محبته في قلوب الخلق.
* حسن الظن بالآخرين وألا ينشغل إلا بنفسه؛ لأن المرء حينما يشغل نفسه بمراقبة الآخرين وانتقادهم يغفل عن نفسه وعيوبه, وقبل أن ينتقد الإنسان الآخرين لا بد أن يرى عيوبه ويسعى لإصلاحها, وحتى لو واجه النقد فليتقبله بكل رحابة صدر، اعلم أن تقبل النقد قد يكون صعبًا بعض الشيء؛ خصوصًا حينما يكون نقدًا لاذعًا خاليًا من الأسلوب الجيد؛ لكن العاقل من يستمع إليه مهما كان الأسلوب الذي جاء به, ويسعى للإصلاح والتقويم.
كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي»[5]. لأن المحب الحقيقي الناصح هو الذي يوجهك وينبهك عند وقوعك في الخطأ ويؤيدك على الصواب والفعل الحسن, وجميل أن نجعل نقد الآخرين بمنزلة الموج الذي يدفعنا إلى الأمام، وأن نرتقي بأنفسنا وأخلاقنا وذواتنا إلى معالي الأمور.
* أن نتذكر أن سعادة المرء وتعاسته في لسانه؛ فإن استطاع التحكم في لسانه فإنه يستطيع التحكم في سعادته وفي الحديث: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"[6]. فكلما كانت كلماتك لطيفة ومهذبة ومؤدبة كسبت بذلك ودَّ من حولك وحبهم واحترامهم، وازدادوا شوقًا إلى حديثك وسماع كلامك, وكلما كان اللسان طويلاً غير مهذب بذيئًا كسبت نفور من حولك، وفقدت احترامهم لك، وكرهوك وكرهوا مجالستك تفاديًا لسماع حديثك وكلامك.
* الدعاء: الدعاء شأنه عجيب؛ وقد سمعنا في ذلك قصصًا كثيرة, فلا يغفل الإنسان عن الدعاء بأن يطهر الله لسانه من الكلام الفاحش البذيء، ومن الغيبة والنميمة، وأن يطهر قلبه من الحقد والحسد والنفاق.
* ذكر الله: ترطيب اللسان وتطييبه بذكر الله وتعويده عليه، ولا أسهل من ذكر الله! ولا أعظم أجرًا منه! وحينما يعتاد الإنسان الكلام الطيب يتعفف لسانه ويتورع فيما بعد عن النطق بغيره.
هذا ما جاد به قلمي, وفاضت به قريحتي، أسأل الله أن أكون قد وفقت فيما كتبت فانتفعت ونفعت, وأدعو ربي أن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال لا يهدي لأحسنها سواه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛
تحياتى الخالصة اختكم جمانة
المصدر: موقع الإسلام