إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صل الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار، وبعد.
جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، عبد الخميصة، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)1.
أيها الناس: إن كثيراً من الناس اليوم يحرص أن لا يكون من عبدة الأوثان والأصنام، أو إبليس، أو يكون عابد نفسه، ولكن لم يدرك هذا المسكين ما قدر قيمة الدينار والدرهم في قلبه أمام قدْر الله - تعالى - ؛ فتراه يحسب ما لديه من أموال، أو يشتغل بجمع المال، أو يتمناه على غير وجه حق، ويقضي في ذلك الأوقات الطويلة مضيعاً من أجل ذلك فرائض الله - تعالى - ، بل ويحب ويبغض من أجل الدينار والدرهم، ولم يدرك هذا المسكين أن فعل ذلك هو عبادة للدينار والدرهم؛ ولهذا فقد صور النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المال صورة بشعة عندما يأتي يوم القيامة فيلتقي هو وصاحبه.
أيها الإخوة: دعونا نقف مع هذا الحديث، والذي هو في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط، وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها، ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فرَّ منه، فيناديه خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد منه سلك يده في فيه، فيقضمها قضم الفحل)2.
وأما الأحاديث التي تشير إلى ذم الدنيا والزهد فيها والحرص على أن يكون الإنسان من أهل الآخرة فهي كثيرة منها:
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وجلسنا حوله فقال: (إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)3 .
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث كعب بن عياض - رضي الله عنه - ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)4، وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)5.
فأدرك - يا عبد الله - معاني هذه النصوص النبوية ولا تكن ممن يفتنك المال، وانظر إلى تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث، فإن مقدار ما يفسده حب المال، والشرف في الدين أعظم من إفساد الذئبان الجائعان اللذان أرسلا بين غنم، ومعروف أن الذئب يعبث عبثاً شديداً إذا كان شبعاناً فما بالك إن كان جائعاً، فلا شك أنه يكون أكثر عبثاً.
ومما جاء عن السلف الصالح في ذم الدنيا قول الحسن البصري - رحمه الله - : "إياكم ما شغل من الدنيا؛ فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح له عشرة أبواب"6، وكان يقول: "أهينوا الدنيا فو الله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها"7.
وكان الحسن - رحمه الله - يحلف بالله: "ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله" 8.
وجاء في كتاب (عدة الصابرين) لابن القيم أنه قال: "جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم وهلاكهم حب الدنيا، فإن الرسل لما نهوهم عن الشرك والمعاصي التي كانوا يكسبون بها الدنيا حملهم حبها على مخالفتهم وتكذيبهم؛ فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا، فحب الدنيا هو الذي عمر النار بأهلها".
وأقل ما في حبه أن يلهي عن حب الله وذكره، ومن ألهاه ماله عن ذكر الله تعالى فهو من الخاسرين9.
ولا ينسى أحدنا ما فعله المال الحرام بقارون حتى جعله يتكبر بنفسه، وأنه لم يأته الله هذا المال إلا لأنه يستحقه، وأنه لم يأته إلا من طُرُقه الحكيمة، فأخزاه الله في الدنيا والآخرة،{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (81) سورة القصص.
على أنَّ الإنسان لا يستغني عن المال، بل هو عصب الحياة الذي لا تقوم معايش الناس إلا به، ولكن المذموم من ذلك ما ألهى عن الله والدار الآخرة، وأدى إلى الظلم والغش والخداع، وترك الواجبات من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك.
أسأل الله العظيم أن يصلح منا ما فسد، وأن يجعلنا من عباده المؤمنين المخلصين، آمين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
--------------------------------------------------------------------------------
1 السنن الكبرى للبيهقي (9/195)، قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2962 في صحيح الجامع.
2 رواه مسلم برقم(1649).
3 متفق عليه.
4 أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
5 أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
6 أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (189).
7 سير أعلام النبلاء (4/579).
8 أخرجه أبو نعيم في الحلية.
9 عدة الصابرين ص (185-186) باختصار
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صل الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار، وبعد.
جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، عبد الخميصة، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)1.
أيها الناس: إن كثيراً من الناس اليوم يحرص أن لا يكون من عبدة الأوثان والأصنام، أو إبليس، أو يكون عابد نفسه، ولكن لم يدرك هذا المسكين ما قدر قيمة الدينار والدرهم في قلبه أمام قدْر الله - تعالى - ؛ فتراه يحسب ما لديه من أموال، أو يشتغل بجمع المال، أو يتمناه على غير وجه حق، ويقضي في ذلك الأوقات الطويلة مضيعاً من أجل ذلك فرائض الله - تعالى - ، بل ويحب ويبغض من أجل الدينار والدرهم، ولم يدرك هذا المسكين أن فعل ذلك هو عبادة للدينار والدرهم؛ ولهذا فقد صور النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المال صورة بشعة عندما يأتي يوم القيامة فيلتقي هو وصاحبه.
أيها الإخوة: دعونا نقف مع هذا الحديث، والذي هو في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط، وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها، ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فرَّ منه، فيناديه خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد منه سلك يده في فيه، فيقضمها قضم الفحل)2.
وأما الأحاديث التي تشير إلى ذم الدنيا والزهد فيها والحرص على أن يكون الإنسان من أهل الآخرة فهي كثيرة منها:
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وجلسنا حوله فقال: (إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)3 .
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث كعب بن عياض - رضي الله عنه - ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)4، وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)5.
فأدرك - يا عبد الله - معاني هذه النصوص النبوية ولا تكن ممن يفتنك المال، وانظر إلى تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث، فإن مقدار ما يفسده حب المال، والشرف في الدين أعظم من إفساد الذئبان الجائعان اللذان أرسلا بين غنم، ومعروف أن الذئب يعبث عبثاً شديداً إذا كان شبعاناً فما بالك إن كان جائعاً، فلا شك أنه يكون أكثر عبثاً.
ومما جاء عن السلف الصالح في ذم الدنيا قول الحسن البصري - رحمه الله - : "إياكم ما شغل من الدنيا؛ فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح له عشرة أبواب"6، وكان يقول: "أهينوا الدنيا فو الله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها"7.
وكان الحسن - رحمه الله - يحلف بالله: "ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله" 8.
وجاء في كتاب (عدة الصابرين) لابن القيم أنه قال: "جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم وهلاكهم حب الدنيا، فإن الرسل لما نهوهم عن الشرك والمعاصي التي كانوا يكسبون بها الدنيا حملهم حبها على مخالفتهم وتكذيبهم؛ فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا، فحب الدنيا هو الذي عمر النار بأهلها".
وأقل ما في حبه أن يلهي عن حب الله وذكره، ومن ألهاه ماله عن ذكر الله تعالى فهو من الخاسرين9.
ولا ينسى أحدنا ما فعله المال الحرام بقارون حتى جعله يتكبر بنفسه، وأنه لم يأته الله هذا المال إلا لأنه يستحقه، وأنه لم يأته إلا من طُرُقه الحكيمة، فأخزاه الله في الدنيا والآخرة،{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (81) سورة القصص.
على أنَّ الإنسان لا يستغني عن المال، بل هو عصب الحياة الذي لا تقوم معايش الناس إلا به، ولكن المذموم من ذلك ما ألهى عن الله والدار الآخرة، وأدى إلى الظلم والغش والخداع، وترك الواجبات من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك.
أسأل الله العظيم أن يصلح منا ما فسد، وأن يجعلنا من عباده المؤمنين المخلصين، آمين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
--------------------------------------------------------------------------------
1 السنن الكبرى للبيهقي (9/195)، قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2962 في صحيح الجامع.
2 رواه مسلم برقم(1649).
3 متفق عليه.
4 أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
5 أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
6 أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (189).
7 سير أعلام النبلاء (4/579).
8 أخرجه أبو نعيم في الحلية.
9 عدة الصابرين ص (185-186) باختصار