ماذا افعل عند الغضب؟ -
وصية من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد الصحابة وهي موجَّهة إلى الأمة كلها؛ لأنها تعالج داءً عُضالاً أصيب به كثير من أفرادها، إنها جملة واحدة يتوجه بها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن يخاطبه، وقد جمعت من مكارم الأخلاق الكثير.
خرّج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصِني قال: لا تغضب. فردّد مرارًا قال:" لا تغضب".
ذلك أن الغضب يدفع على الانتقام والتعدّي، فإذا غضب المؤمن لِـحَـظِّ نفسه تذكّر ما أعدّ الله له من الجزاء إذا عفا فيعفو ويغفر ويصفح .
وقال سبحانه وتعالى في وصف المتقين : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).
رُوي عن ميمون بن مهران أن جاريتَه جاءت ذاتَ يومٍ بِصَحْفَـةٍ فيها مَرَقَـة حارة، وعنده أضياف فعثرَتْ فصبّتِ المرقـةَ عليه، فأراد ميمون أن يضربـها.
فقالت الجارية : يا مولاي استعمل قولَ الله تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) قال لها: قَدْ فعلتُ ، فقالت: اعمل بما بعده: ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) فقال : قد عفوت عنك، فقالت الجارية: ( وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال ميمون: قد أحسنت إليك ، فأنت حـرَّةٌ لوجه الله تعالى .
وفي فضل كظم الغيظ ، وامتلاك التّصرّف ، وضبط النفس ، جاءت الأحاديث النبوية، فمن ذلك:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
ولما كان الغضب يضرّ بصاحبه مع ما يتسبب به من أذية للآخرين فقد جاء الثناء على من ملَك نفسه، وقهرها عند غلبة الغضب .
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" . رواه البخاري ومسلم .
وقال : ما تعدون الصُّرعة فيكم ؟
قالوا : الذي لا يَصرعه الرجال .
قال : ليس بذلك ، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب . رواه مسلم .
الغضب قذيفة شيطانية
والغضب قذيفة شيطانية يفجرها في قلب المؤمن فتنتشر شظاياها في دمائه وعروقه، فتشعل أعصابه وتحرِق ـ إن لم يتدارك هذا الحريق الشيطاني ـ كل معاني الود والحب والتواصل بين الناس ، ومن ثم جاءت تعاليم الإسلام بمحاصرة عوامل الغضب ونزع فتيل هذه القذيفة الشيطانية قبل أن تنفجر، فإن حدث وانفجرت أطفأنا نيرانها بالعفو والصفح الجميل.
قال سليمان بن صرد: كنت جالسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجلان يستبّان، فأحدهما احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ذهب عنه ما يجد . فقالوا له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعوّذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون؟! رواه البخاري ومسلم .
قال ابن القيم -رحمه الله- : إذا خَرَجَتْ من عدوك لفظةُ سَـفَـهٍ فلا تُلْحِقها بمثلها تُلَـقِّـحْـها ، ونَسْل الخصام نسل مذموم !
وحُكى عن الأحنف بن قيس أنه قال: ما عاداني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إنْ كان أعلى مني عرفت له قدره, وإن كان دوني رفعت قدري عنه, وإن كان نظيري تفضّلت عليه