نحن نعيش في هذه الدنيا ليس فقط لنشعر بملذاتها وشهواتها .. بل نحن نعيش لنتعب ونجد ونعمل ونعبد الله الواحد الذي ليس لنا رب سواه.. فمن أقبل على الدنيا وكانت كل همه أصبح شقيا .. ومن جعل بينه وبين الدنيا سداً صار من السعداء ...
مع نسيم عليل جميل يتلاعب بأغصان الشجر فتتجه يميناً تارة وشمالاً تارة ... قطفت ورقة من أوراق الشجر لتذهب بعيدا عنها نحو نافذة لغرفة صغيرة لتسقط في نهاية على الطاولة التي تتكئ عليها فتاة حزينة غارقةً في التفكير ..نظرت الفتاة الى ورقة الشجر قائلة : كم أكرهك يا الدنيا فقط دعيني وشأني لأرتاح قليلا ولو لثوان ... فبدأت بالبكاء لم ترتح منه منذ أمد طويل... قامت وغسلت وجهها وذهبت إلى السرير وقلبها كالنار مشتعلة من قهر وإكتئاب .. إستيقظت على صوت أذان الفجر ولكن لم تهتم به فعادت لتكمل نومها حتى أشرقت الشمس وعند الساعة التاسعة صباحاً قامت من السرير متعبة و تشعر كأنها ثقيلة.. فجأة أخذ الهاتف يرن معلنا أن إحدى صديقاتها متصلة و التي لم تسمع صوتها من فترة طويلة...
ليلى :- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟؟ كيف الحال ؟؟ لم أسمع صوتك منذ فترة ؟؟
دعاء وصوتها تغير من كثرة البكاء:- تمام ... أنا بخير
ليلى وهي مستغربة:- ما بك يا دعاء أأنت على ما يرام؟ كأنك متعبة أو ما شابه ؟
دعاء :- لا شئ أنا بخير فحسب .. للتو قد استقيظت من نوم عميق
ليلي:- أسفة حقا لإتصالي في وقت غير مناسب
دعاء:- لا لا ليست مشكلة ...
ليلي:- لماذا سكت؟
فكرت دعاء في الأمر وقررت أن تقول لليلى:- ليلى أود أن أقول لك شئ ولكن في مكان ما..
ليلى:- خيرا إن شاء الله .. هل ممكن أن تقول لي الأن؟
دعاء:- الإتصال غير مناسب لقول مثل هذا الأمر سآتي إلى بيتك ... إنتظريني.
ليلى :- إن شاء الله أنا بإنتظارك, إنتبهي على نفسك والله معك.
دعاء:- حسنا . وانتهت المكالمة.
قامت دعاء لتجهز نفسها فلبست وخرجت من بيتها متجهة لصديقتها .
أخذ الجرس يرن ويرن فأسرعت ليلى لفتح الباب حتى تستقبل صديقتها التي لم ترها منذ فترة طويلة.
فتحت الباب ورأت دعاء وقد أصبحت هزيلة ووجها شاحب ومصفر .. أندهشت ليلى ثم قالت :- السلام عليكم.. تفضلي.. البيت بيتك..
قالت دعاء وهي تبكي:- أريد أن أتخلص من هذا التعب.. أحس وكأنني في حرب لم تنتهي بعد.
ليلى:- إجلسي .. وقلي لي كل ما حدث لك
دعاء: أعترف لك يا ليلى أنا أشعر وكأنني وحيدة لا أحد يؤنسني ... بعيدة عن ربي ...لست منضبطة في صلواتي ... لا أؤدي واجباتي .. ذهبت مع الدنيا مكان بعيد فرجعت منها منكسرة وضائعة ... كلما أحاول أن أرجع الى ربي أفشل فشلا ذريعا ..
ليلي وهي متفهمة وضع دعاء قالت وبإبتسامة:- كل شيء سيكون خيرا ما دام أنك نادمة وتريدين الرجوع إلى صوابك... فكري معي في قول الله تعالى (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) ألا تعلمي أن ذكر الله دواء لك مم تعانينه من آهآت وتعب واكتئاب ؟ ولا تنسي أنه ما زال باب التوبة مفتوحاً ... لم كل هذا التشاؤم؟ .. لم كل هذا الحزن؟ نعلم أن كل بني آدم خطاء يخطئون في كل أمر ولكن خير الخطائين التوابون ..إستعيذي من الشيطان فهو سبب في فشلك وحزنك وإكتئابك وقلقك .. هو عدو لك لا تستسلمي له وإلا سينتصر عليك ... الآن إذهبي لمنزلك وتوضأي واركعي ركعتين وتذكري ربك ، فهو يحب صوت عبده عندما يدعوه ويطلب منه العفو والمغفرة ... فلم الانتظار إذهبي الآن ...
دعاء وهي في قمة السعادة :- شكرا لك ليلى الآن سأفعل ما طلبت مني ... يااه لم أشعر فرحة منذ قرن ..
ذهبت دعاء إلى بيتها وأسرعت لتتوضأ وفرشت سجادتها ولبست حجابها وكبرت وركعت وسجدت لم تشعر شعور الطمأنينة وراحة فهي أول مرة تصلي لربها خاشعة مخلصة له .... كانت ذليلة .. منكسرة..مجروحة بسبب الدنيا ... فعلا أن الدنيا فانية ولبئس من اتخذها غاية وهدفاً..
استغفرت وتابت ودعت ربها أن يغفر خطاياها ويعفو عنها لأنه رب رحيم .. كريم ... فهو يفرح لتوبة عبده .. بكت وبكت شعرت كأن غطاء في القلب قد أنزاح وأصبح قلبها أبيض كالصفحة البيضاء ... فقررت أن تقلب صفحة أخرى لتبدأ حياتها مع رب العباد... عزمت أن تترك كل المهلكات ومعاصي لوجه الله ... قامت من مصلاها وذهبت لغرفتها وفتحت خزانتها وأخذت أشرطة مزامير الشياطين وأفلام ومسلسلات لتحرقها وتمزقها وكأنها تنتقم منها وتقتلها... جلست لترتاح قليلا من معركة قد فازت فيها ، ولمحت شيئا لترى كتاب الله أسرعت لتقرأه ففتحت في أول أية تقرأه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) بكت دعاء بكاءً مريراً
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا *** لقطاً وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه *** نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها *** خلفي واخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضَّيْتها لعباً *** قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا *** وكان زاجرنا بالحرص أغرانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان
وارزقنا توبة قبل الموت وشهادة عند الموت ومغفرة بعد الموت
اللهم آمين