إنّ الإنسانَ مخيَّرٌ فيما كُلِّفَ به، ومسيَّرٌ فيما لم يكلَّفْ به، وهذا التسييرُ في صالحِه .
هناك مجموعةٌ من الأمورِ لا يدَ للإنسانِ فيها، ولا اختيارَ، ومن أمثلتها:
1 – الأم والأب: فيمكنُ أن يكونَ الإنسانُ ابناً لثريٍّ يقدِّم له كلَّ ما يطلبه، ويمكنُ أن يكونَ ابناً لفقيرٍ لا يجدُ قوتَ يومِه .
2 – العصرُ الذي وُلِدَ فيه: فهناك إنسانٌ ابنُ الثلاثينيّاتِ، وهناك ابُن الخمسينيّاتِ، وهناك مَن عاش في العصورِ الوسطى، ومَن سيأتي في عصرٍ لاحقٍ، فالعصرُ لا يملكُه الإنسانُ، ولكنه مقدَّرٌ له مِن اللهِ تعالى .
3 – البيئةُ ومكانُ الولادةِ: فهناك من وُلِدَ في بلادِ العربِ، وعاش فيها , وهناك من وُلِدَ في بلادِ الغربِ أو غيرها، وكلُّ هذا لا يملكه الإنسانُ .
4 – القدراتُ العامّةُ: فهذا قامته طويلةٌ، وذاك أقلُّ طولاً، وهذا لونُ بشرتِه أبيضُ، وذاك أسودُ، وكلُّ هذا مِن اللهِ تعالى .
إلاّ أن الحقيقةَ التي يجبُ ألاّ تغيبَ عن أذهاننا أبداً هي ما قاله الإمامُ الغزاليّ: " ليس في الإمكانِ أبدعُ مما كان "، فهذا الذي لا خيارَ لنا فيه إنما هو في صالحِنا، ولكنّ الإنسانَ يعرفُ هذا يومَ القيامةِ حين تُكشَفُ له الحقائقُ، فلا يملكُ إلاّ أنْ يقولَ كلمة واحدة: " الحمدُ للهِ ربِّ العالمين "، يحمد اللهَ على أنه وُلِدَ من هذا الأبِ وتلك الأمِّ، وفي هذا الزمانِ والمكانِ، وبهذه الخصائصِ والقدراتِ التي منحَها اللهُ إيّاه، بما يتناسبُ مع أداءِ مهمّتِه المنوطةِ به .
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأساسِ فيما لا علاقةَ له بالتكليفِ، وبما يحقِّقُ مصالحَه , ثم هو مخيَّرٌ فيما كُلِّفَ به، يختارُ أيّ الطريقين شاء
المسألةُ الثانيةُ:
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأساسِ، ثم هو مخيَّرٌ، ثم هو مسيَّرٌ، فالتسييرُ لا يتناقضُ مع الاختيارِ، بل هما يتكاملان .
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأمورِ التي سبَق ذكرها، ( أمُّه، وأبوه، وزمانُ ومكانُ ولادتِه، وقدراتُه العامّةُ، وشكلُه، وما إلى هنالك )، ثم هو مخيَّرٌ في أن يطيعَ اللهَ، أو يعصيَه، في أن يسلكَ طريقَ الحقِّ والخيرِ، أو طريقَ الشرّ والباطل، بعد ذلك يسيَّرُ الإنسانُ مِن قِبَلِ اللهِ تعالى لتحقيقِ اختيارِه، فيكافَأُ إن اختارَ الخيرَ، ويدفعُ ثمنَ اختيارِه إن اختارَ الشرَّ .
فالإنسانُ مخيَّرٌ مثلاً في طريقةِ كسبِ المالِ، فإن اختارَ الطريقَ المشروعَ يسيرُ لكسبِ مالِه بالطرقِ المشروعةِ، وبما يحقّقه صالحُه، وإن اختارَ طريقَ السرقةِ مثلاً، ولم يستجبْ لربِّه، ولا لنداءِ عقله وفطرته، وأصرّ على موقفه فإنّ اللهَ عز وجل يسيِّره ليدفعَ ثمنَ اختياره بما يتوافقُ مع الحكمةِ المطلقةِ لربّ العالمين، ليظهِرَ خبايا نفسِه، ولتقومَ عليه الحجّةُ، وبما أنّ خطةَ اللهِ تستوعبُ خطةَ الكافرِ بما يتوافقُ مع مشيئةِ اللهِ فإنّ هذا الإنسانَ المصرَّ على السرقةِ يسيرُ ليسرقَ من حيثُ سمحَ اللهُ له أن يسرق، وفي الزمانِ الذي يسمحُ اللهُ فيه، تحقيقاً لحكمةِ الله جل جلاله، إذ إنه لا يقعُ شيءٌ في مُلكِ اللهِ من دونِ أن يسمحَ به .
المسألةُ الثالثةُ:
الإنسانُ مخيَّرٌ، ولكنّ الفعلَ فعلُ اللهِ تعالى .
مثال ذلك: لو أنّ طالباً لم ينجحْ في الامتحانِ، فصدرَ قرارُ رسوبِه من إدارةِ المدرسةِ، فلو قلنا: إن الطالبَ قد رسب فالكلامُ صحيحٌ , ولو قلنا: إنّ الإدارةَ قد رسّبت الطالبَ فالكلامُ صحيحٌ، فهو قد رسبَ سبباً، والمديرُ رسّبه تنفيذاً .
والنتيجةُ أنه لا تناقضَ أبداً بين اختيارِ الإنسانِ، وكونِ الأفعالِ مِن اللهِ تعالى , فإرادةُ الله تعني أنه سمحَ للإنسانِ أن يفعلَ ما يشاء، لأنه مخيَّرٌ، واللهُ تعالى يتولّى إمدادَه بالقوةِ التي يحرِّرُ فيها اختيارَه .
قال تعالى:
ï´؟ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ï´¾
[ البقرة: من الآية 286.]
فالإنسانُ يكسبُ الطاعةَ، أو يكتسبُ المعصيةَ، أما الفعلُ فهو فعلُ اللهِ عز ــ
وجل، فحينما يريدُ الإنسانُ الحقَّ والخيرَ يدلُّه اللهُ عليه، ويعينُه عليه , وحينما يصرُّ على المعصيةِ يسمحُ اللهُ له بإظهارِ ما في نفسِه، لأنه مخيَّرٌ .
إنّ قضيةَ التخييرِ والتسييرِ، والهدايةِ والإضلالِ تتطلّبُ دراسةً واعيةً، لأنها تتعلّقُ بالعقيدةِ، ولأنّ العقيدةَ تنعكسُ سلوكاً يمكن أن يرقى بصاحبِه إلى أعلى علِّيين، أو يهبطَ به إلى أسفلِ سافلين، وكثيرٌ من الناسِ يعتقدون بالجبرِ الذي يشلّ حركةَ الإنسانِ، فيتوقفون عن العملِ منتظرين مصيرَهم المحتومَ، مع أنّ الأدلةَ واضحةٌ على أنّ الإنسانَ مخيَّرٌ، وأن العملَ لا قيمةَ له من دونِ تخييرٍ، فلو أنك أجبرتَ إنساناً على أن يعطيَك هديةً فهذه لا تسمَّى هديةً، وإنما تسمّى اغتصاباً، فقيمةً الهديّةِ تأتي من أنها قُدِّمَتْ اختياراً .
هناك مجموعةٌ من الأمورِ لا يدَ للإنسانِ فيها، ولا اختيارَ، ومن أمثلتها:
1 – الأم والأب: فيمكنُ أن يكونَ الإنسانُ ابناً لثريٍّ يقدِّم له كلَّ ما يطلبه، ويمكنُ أن يكونَ ابناً لفقيرٍ لا يجدُ قوتَ يومِه .
2 – العصرُ الذي وُلِدَ فيه: فهناك إنسانٌ ابنُ الثلاثينيّاتِ، وهناك ابُن الخمسينيّاتِ، وهناك مَن عاش في العصورِ الوسطى، ومَن سيأتي في عصرٍ لاحقٍ، فالعصرُ لا يملكُه الإنسانُ، ولكنه مقدَّرٌ له مِن اللهِ تعالى .
3 – البيئةُ ومكانُ الولادةِ: فهناك من وُلِدَ في بلادِ العربِ، وعاش فيها , وهناك من وُلِدَ في بلادِ الغربِ أو غيرها، وكلُّ هذا لا يملكه الإنسانُ .
4 – القدراتُ العامّةُ: فهذا قامته طويلةٌ، وذاك أقلُّ طولاً، وهذا لونُ بشرتِه أبيضُ، وذاك أسودُ، وكلُّ هذا مِن اللهِ تعالى .
إلاّ أن الحقيقةَ التي يجبُ ألاّ تغيبَ عن أذهاننا أبداً هي ما قاله الإمامُ الغزاليّ: " ليس في الإمكانِ أبدعُ مما كان "، فهذا الذي لا خيارَ لنا فيه إنما هو في صالحِنا، ولكنّ الإنسانَ يعرفُ هذا يومَ القيامةِ حين تُكشَفُ له الحقائقُ، فلا يملكُ إلاّ أنْ يقولَ كلمة واحدة: " الحمدُ للهِ ربِّ العالمين "، يحمد اللهَ على أنه وُلِدَ من هذا الأبِ وتلك الأمِّ، وفي هذا الزمانِ والمكانِ، وبهذه الخصائصِ والقدراتِ التي منحَها اللهُ إيّاه، بما يتناسبُ مع أداءِ مهمّتِه المنوطةِ به .
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأساسِ فيما لا علاقةَ له بالتكليفِ، وبما يحقِّقُ مصالحَه , ثم هو مخيَّرٌ فيما كُلِّفَ به، يختارُ أيّ الطريقين شاء
المسألةُ الثانيةُ:
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأساسِ، ثم هو مخيَّرٌ، ثم هو مسيَّرٌ، فالتسييرُ لا يتناقضُ مع الاختيارِ، بل هما يتكاملان .
الإنسانُ مسيَّرٌ في الأمورِ التي سبَق ذكرها، ( أمُّه، وأبوه، وزمانُ ومكانُ ولادتِه، وقدراتُه العامّةُ، وشكلُه، وما إلى هنالك )، ثم هو مخيَّرٌ في أن يطيعَ اللهَ، أو يعصيَه، في أن يسلكَ طريقَ الحقِّ والخيرِ، أو طريقَ الشرّ والباطل، بعد ذلك يسيَّرُ الإنسانُ مِن قِبَلِ اللهِ تعالى لتحقيقِ اختيارِه، فيكافَأُ إن اختارَ الخيرَ، ويدفعُ ثمنَ اختيارِه إن اختارَ الشرَّ .
فالإنسانُ مخيَّرٌ مثلاً في طريقةِ كسبِ المالِ، فإن اختارَ الطريقَ المشروعَ يسيرُ لكسبِ مالِه بالطرقِ المشروعةِ، وبما يحقّقه صالحُه، وإن اختارَ طريقَ السرقةِ مثلاً، ولم يستجبْ لربِّه، ولا لنداءِ عقله وفطرته، وأصرّ على موقفه فإنّ اللهَ عز وجل يسيِّره ليدفعَ ثمنَ اختياره بما يتوافقُ مع الحكمةِ المطلقةِ لربّ العالمين، ليظهِرَ خبايا نفسِه، ولتقومَ عليه الحجّةُ، وبما أنّ خطةَ اللهِ تستوعبُ خطةَ الكافرِ بما يتوافقُ مع مشيئةِ اللهِ فإنّ هذا الإنسانَ المصرَّ على السرقةِ يسيرُ ليسرقَ من حيثُ سمحَ اللهُ له أن يسرق، وفي الزمانِ الذي يسمحُ اللهُ فيه، تحقيقاً لحكمةِ الله جل جلاله، إذ إنه لا يقعُ شيءٌ في مُلكِ اللهِ من دونِ أن يسمحَ به .
المسألةُ الثالثةُ:
الإنسانُ مخيَّرٌ، ولكنّ الفعلَ فعلُ اللهِ تعالى .
مثال ذلك: لو أنّ طالباً لم ينجحْ في الامتحانِ، فصدرَ قرارُ رسوبِه من إدارةِ المدرسةِ، فلو قلنا: إن الطالبَ قد رسب فالكلامُ صحيحٌ , ولو قلنا: إنّ الإدارةَ قد رسّبت الطالبَ فالكلامُ صحيحٌ، فهو قد رسبَ سبباً، والمديرُ رسّبه تنفيذاً .
والنتيجةُ أنه لا تناقضَ أبداً بين اختيارِ الإنسانِ، وكونِ الأفعالِ مِن اللهِ تعالى , فإرادةُ الله تعني أنه سمحَ للإنسانِ أن يفعلَ ما يشاء، لأنه مخيَّرٌ، واللهُ تعالى يتولّى إمدادَه بالقوةِ التي يحرِّرُ فيها اختيارَه .
قال تعالى:
ï´؟ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ï´¾
[ البقرة: من الآية 286.]
فالإنسانُ يكسبُ الطاعةَ، أو يكتسبُ المعصيةَ، أما الفعلُ فهو فعلُ اللهِ عز ــ
وجل، فحينما يريدُ الإنسانُ الحقَّ والخيرَ يدلُّه اللهُ عليه، ويعينُه عليه , وحينما يصرُّ على المعصيةِ يسمحُ اللهُ له بإظهارِ ما في نفسِه، لأنه مخيَّرٌ .
إنّ قضيةَ التخييرِ والتسييرِ، والهدايةِ والإضلالِ تتطلّبُ دراسةً واعيةً، لأنها تتعلّقُ بالعقيدةِ، ولأنّ العقيدةَ تنعكسُ سلوكاً يمكن أن يرقى بصاحبِه إلى أعلى علِّيين، أو يهبطَ به إلى أسفلِ سافلين، وكثيرٌ من الناسِ يعتقدون بالجبرِ الذي يشلّ حركةَ الإنسانِ، فيتوقفون عن العملِ منتظرين مصيرَهم المحتومَ، مع أنّ الأدلةَ واضحةٌ على أنّ الإنسانَ مخيَّرٌ، وأن العملَ لا قيمةَ له من دونِ تخييرٍ، فلو أنك أجبرتَ إنساناً على أن يعطيَك هديةً فهذه لا تسمَّى هديةً، وإنما تسمّى اغتصاباً، فقيمةً الهديّةِ تأتي من أنها قُدِّمَتْ اختياراً .