الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

الغضب جماع كل شر

مملكة المواضيع العامة

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جيهان عبد الظاهر
    كاتب الموضوع
    عضو نشيط
    • Jun 2013
    • 2989 
    • 19 

    (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْه، أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لا تَغْضَبْ ))

    ( صحيح البخاري )
    وبينت لكم أن الغضب جماع كل شر، بدءاً من العطب الذي يصيب صحة الإنسان، وقد اكتشف حديثاً أن أخطر ما في جسم الإنسان جهاز المناعة فيه، وأن هذا الجهاز إذا ضعف وتضعفه الشدة النفسية، يضعفه الغضب، إذا ضعف ضعفت سيطرته على نمو الخلايا، وهذه أحدث نظرية في فهم الأورام الخبيثة، إذاً الشدة النفسية تكاد تكون أساس كل مرض، وتكاد تكون الصحة النفسية أساس الصحة، ولا شيء يعطي الإنسان الصحة النفسية كالتوحيد، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والآية الكريمة:

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

    (سورة الشعراء )
    وبينت لكم كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام فصَّل وبيَّن في أحاديث كثيرة و أكد أن الغضب جماع كل شر.
    والآن نتابع شرح هذا الحديث وقد وصلنا إلى قول الإمام الحسن رضي الله عنه حينما قال:

    ((أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار، من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب.))
    أساس الإيمان أن تملك نفسك، الكافر تملكه نفسه، المؤمن يملك نفسه، الكافر تسيره نفسه، المؤمن يسير نفسه، عقل المؤمن يقوده إلى الحق، عقل الكافر يبرر له انحرافه، فالعقل عند المؤمن له دور، وعند الكافر له دور، إما أنه قائد وإما أنه مُبَرِر، مُسَوِغ، مَقُود، نفس الإنسان إما أن تملكها فأنت مؤمن، وإما أن تملكك فهذا من صفات أهل البعد عن الله عز وجل.
    أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار، من ملك نفسه عند الرغبة.
    فهذه الرغبة هي ميل النفس إلى الشيء، وميل النفس إلى الشيء عبَّر عنه القرآن الكريم بكلمة الهوى، والهوى ميل النفس، لكن هذه الكلمة استعملت في كل مواطن الآيات استعمالاً مذموماً، أي أن النفس إذا مالت فإلى الباطل، إذا مالت فإلى المعصية، إذا مالت فإلى الشهوة، وقد ذكرت لكم قوله تعالى:

    ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾

    (سورة النجم )

    ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

    (سورة القصص )
    وذكرت وقتها أن اتباع الهوى من دون هدىً من الله لابد من أن يوقع الإنسان بالظلم، أودع الله بالإنسان حب النساء، فإذا أراد إرواء هذه الرغبة من دون منهج الله لابد من أن يقع في الزنى، والزنى عدوان، وبغي، وظلم، أودع الله في الإنسان حب المال، فلو أراد الإنسان من أن يتحرك ليروي هذه الرغبة من دون منهج الله عز وجل لابد من أن يقع في الكسب غير المشروع، أي أن هذا شيء دقيق جداً.

    ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

    (سورة القصص )
    فالهوى هو الميل، وقالوا من هوى فقد هوى، باللغة هوي يهوى، وهوى يهوي، هوي يهوى أي مال يميل، وهوى يهوي أي سقط يسقط، ولا عجب أن يتحد حرف الواو والهاء والألف أو الياء، بين الفعلين فلابد من قاسم مشترك بينهما، من مال إلى باطلٍ سقط، أن تهوى ينتهي بك الهوى إلى أن تهوي، إن اتباع الهوى هوان

    وا خجلتي من عتاب ربي إذا قال لي أسرفت يا فلان
    إلى متى أنت في المعاصي تسير مرخى لك العنان
    عندي لك الصلح وهو بري وعندك السيف والسنان
    ترضى بأن تنقضي الليالي وما انقضت حربك العوان
    تستحي من كتابٍ كريمٍ يح صي به العقل واللسان
    واستحِ من شيبة تراها في النار مسجونة تهان

    إذاً الرغبة في الشيء أي ميل النفس إليه لاعتقاد نفعه، فمن رغب في شيء طلبه، وقد يكون أسلوب طلبه حراماً، وقد يكون أصله حراماً، نحن تحدثنا من قبل أن هناك شيئاً محرماً لذاته، وشيء محرم لغيره، فأكل لحم الخنزير محرم لذاته، أما أكل لحم الضأن من دون دفع الثمن محرم لغيره، فهذا الشيء المرغوب قد يكون مسموح به لكن الوسيلة محرمة، وقد يكون محرم في الأصل، على كلٍ من رغب في شيء فقد وقع في أحد أمرين، إما أن يقع في الحرام المطلق، وإما أن يقع في الحرام النسبي، الحرام النسبي أن الطريق إليه حرام، إذا من ملك نفسه عند الرغبة فقد نجى من عذاب الله، ونجى من الشيطان، ونجى من الهلاك، هذه الرغبات بعضها محرم، وبعضها محلل، لكن بعضها المحلل قد يكون الوصول إليه محرماً، لذلك المقولة الثابتة: من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً، كان حسابه يوم القيامة يسير، ومن كان حسابه في الدنيا يسيراً، كان حسابه يوم القيامة عسير.
    لا أنسى هذا الحديث الشريف: أخرجه ابن سعد عن أب البجير

    ((ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة))
    (الجامع الصغير للإمام السيوطي )

    والله أحياناً الإنسان تحدث معه عبر شديدة، أحياناً تدخل بيوت في أيام التعزية تقول: هذا البيت ثمنه أكثر من خمسين مليوناً، ممتلئ ومزين بطريقة تأخذ بالألباب، فأين صاحبه اليوم، ونحن في تعزيته ؟ في القبر، هذه هي الدنيا، تغر وتضر وتمر، مثل لمح البصر
    الدنيا ساعة اجعلها طاعة والنفس طماعة عودها القناعة
    ما من أحد منا أيها الأخوة إلا وقد مضى من عمره وقت، خمسة عشر، عشرون، خمسون، سبعون سنة... كيف مضت هذه الأعوام ؟ كلمح البصر.
    إذاً من ملك نفسه عند الرغبة، فقد وقى نفسه من هلاك الدنيا، وعذاب الآخرة.
    أما الرغبة فهي واضحة، رغبت شيئاً فاندفعت إليه، قد يكون الطريق محرماً، وقد يكون الشيء المرغوب في الأصل محرماً، أما الآن والرهبة، من ملك نفسه عند الرهبة، أحياناً الإنسان يخاف، خوفه يحمله على معصية، خوفه يحمله على الكذب، خوفه يحمله على أن يقترف معصية ليرضي الذي يخاف منه، إذاً حينما خاف الإنسان ما ملك نفسه، كان أمره فرطاً، إذاً الرغبة قد تحملك على المعصية، والرهبة أيضاً قد تحملك على المعصية، قد يتوهم الإنسان أحياناً أن النجاة من هذا الشيء المخيف بالكذب ! يكذب فينجو ! أتحلف بالله ؟ يقول لك: أحلف.
    يقولون لك خير من شهرين في السجن، أحضر شاهداً أن سعر بيعك كان قانونياً، وبهذا تعفى، القاضي يصدر قرار بالعفو عنك، لكن أنت بحاجة إلى شاهد يحلف اليمين، تقنع إنساناً بأن يحلف يميناً كاذبة، خفت من السجن فوقعت في اليمين الكاذب، فالرهبة سببت هذه المعصية
    إذاً كما أن الرغبة لها معصيتان إما أن تكون لذاتها محرمة، أو لطريق الوصول إليها، كذلك الرهبة محرمة، أحياناً يرتكب الإنسان معاصي أشد عند الرهبة، يكذب، أحياناً يفتري، أحياناً يلصق التهمة بغيره.
    الشيء الثالث طبعاً إذا خاف الإنسان شيئاً اندفع إلى الخلاص منه، بطريق أو بآخر، بعض هذه الطرائق محرمة. بقي الشهوة.
    من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة ..
    طبعاً تميل النفس إلى الشهوات التي أودعها الله فيها، هذه الشهوات كما أقول دائماً: حيادية أو مطلقة، لها قناة واحدة نظيفة، لو غابت عنك هذه القناة بقية هذه القنوات كلها محرمة.
    سبحان الله الشيء الحلال نظيف، ومريح، ومسعد، وتفعله وأنت في قمة إقبالك على الله، تفعله وأنت في قمة الرضى، تفعله وتنطلق بعدها إلى الصلاة، تفعله وتنطلق بعدها إلى قراءة القرآن، تفعله وينطلق لسانك في الحق، لأنه مشروع، وفق منهج الله، وفق النظام الإلهي، لكن الشيء المحرم: ولو كان طفيفاً تفعله وأنت في حرج.
    كلم يسمع في الأعراس هذه السيارات التي تطلق أبواقها، وتسير في الطرقات ليلاً، تملأ المدينة صخباً وضجيجاً، ما الموضوع موضوع زواج، حسناً لماذا لا يستحون ؟ لا يستحون هذا زواج، شرعه الله عز وجل.
    حدثني صديقي قال لي: طرق الباب مع الفجر، فتحت الباب فلم أجد أحداً، ثم حالت مني التفافة إلى الأسفل فرأيت محفظة تتحرك، عجبت للأمر ففتحتها، وإذا بها طفل صغير ولد لتوه، قال لي: حاولت أن آخذه إلى مستشفى الأطفال، إلى الحاضنة...إلخ ، ليس هنا المغزى ! المغزى أن هذا الطفل لو جاء من أبوين شرعيين، تجدهم قبل ثمانية أشهر قد تهيئوا، هيئوا المهد، هيئوا الوسائد، هيئوا الديارة، هيئوا الهدايا، يأتي الطفل فتجد الفرح، وقد أتته خمسون أو ستون هدية، ويفعلون المباركات والاحتفالات والتهنئات، طفل يأتي بطريق مشروع وحوله هذه الرغبة والفرحة، والهدايا، والاحتفالات، وطفل يوضع في محفظة وراء الباب ويورق، إذاً الشهوة تحمل صاحبها على ما لا يرضي الله، الإنسان قيمته بضبطه لنفسه، ربما من أيام سيدنا يوسف وحتى الآن نشيد به كل يوم، سيدنا لماذا ؟ لأنه ملك نفسه عند الشهوة،

    ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

    (سورة يوسف )
    كل هذه العظمة لأنه ملك نفسه عند الشهوة، وكل شاب الآن ممكن بقدر عفته، بقدر انضباطه، ضبط سمعه من الغناء، ضبط بصره من الحرام، ضبط لسانه من كل ما يغضب الله عز وجل، ضبط يده، ضبط رجله، أليس النبي قد قال: العين تزني وزناها النظر،والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش أي الاغتصاب بالقوة – والرجل تزني وزناها المشي إذاً الرجل تزني، واليد تزني، والعين تزني، والأذن تزني.
    فمن ملك نفسه عند الشهوة وقى نفسه من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، الغضب: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب
    الغضب يدفع الإنسان إلى إيقاع الأذى، إلى الضرب، إلى الشتم، هذه كلها أشياء محرمة، فالغضب جماع كل شر، أكمل المؤمنين إيماناً أشدهم حلماً، وكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق، وأنت ما دمت حليماً فأنت مالكٌ لأمورك كلها، أحياناً الإنسان يتكلم كلمة - والله أيها الأخوة - يهدم عمل سنة، أو يهدم عمل مائة سنة، أليس قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة، أكبر مناسبة لإلقاء الكلام جزافاً على عوائنه الغضب، فالإنسان لما يغضب كلامه سوف يكون قاسياً، سيكون فيه شتم، سيكون فيه تهجم، سيكون فيه تطاول، وإن تطاول على الله عز وجل فالله سيقصمه، وإن تطاول على عباد الله، الله عز وجل أدبه، وهذا من باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، الإنسان إذا غضب أن يسكت، وإذا غضب وهو في مكان فليخرج، إذا كان واقفاً فليجلس، إذا كان جالساً فليضطجع، ومن التوجيهات النبوية فليتوضأ، وتوجيهات أخرى أن يغتسل، أو فليخرج، أحياناً الخروج أولى، وضع متفجر، أحياناً الاغتسال ضروري، أحياناً الوضوء ضروري، أحياناً الجلوس ضروري، الإنسان إذا غضب صار وحشاً، ولو أن الغاضب نظر إلى نفسه في المرآة ما رأى أبشع منه، من دون مبالغة، ما رأى أبشع من إنسان غاضب، وحش، أنظر هذا الدين ما أعظمه.
    قَالَ: لا تَغْضَبْ
    حسناً الآن بالعكس، هذه الشهوة إذا تناولها الإنسان من الطريق المشروع مسموح،

    ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

    (سورة القصص )
    حسناً لو اتبع هواه وفق هدى الله عز وجل ؟ لا شيء عليه.
    النبي عليه الصلاة والسلام كان لا ينتقم لنفسه إطلاقاً، لا ينتقم إلا لله، لا يغضب إلا لله، الحقيقة إذا أراد الإنسان -وهذا فضل من الله كبير - أن يكون باب لله عز وجل، داعية، يكون سبباً في هداية الخلق، يجب أن يضع نفسه تحت قدمه، إن لم يضع نفسه تحت قدمه، لا يمكن أن يجعله الله سبباً في هداية الآخرين، ولن يجعل قلوب العباد تميل إليه، إلا أن يضع نفسه تحت قدميه.

    ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾

    (سورة السجدة )

    ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾

    (سورة البقرة )

    ((عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ))

    (مسند الإمام أحمد )
    أي كان يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاق القرآن، الذي مدحه القرآن كان متمثلاً فيه، والذي ذمه القرآن كان مبتعداً عنه، وكان عليه الصلاة والسلام لشدة حيائه لا يواجه أحداً بما يكره، لشدة حيائه، كان يصعد المنبر ويقول: ما بال أناس يفعلون كذا وكذا. والقصة المعروفة التي أذكرها لكم مراراً.

    ((أن أحد أصحابه مرة كانوا في غداء وأكلوا لحم جذور، أحد أصحابه صدرت منه رائحة كريهة فلما حان وقت صلاة العصر قال عليه الصلاة والسلام: كل من أكل لحم جذور فليتوضأ. قالوا: كلنا أكلنا هذا اللحم، قال: فإذاً كلكم فتوضأوا))
    ستراً لحال هذا الذي انتقض وضوءه، أخلاق النبي كانت أخلاق رضية، كان حليماً، كان لا يحمر الوجوه، لا يُخْجِل، أحياناً يكون الإنسان جالساً في مجلس، فتحكى فكرة، رقم إحصائي خاطئ، فإن كانت القضية ليس لها علاقة بالدين نمررها له، لكن الواقع لا يمررها بل يحرج الإنسان، يجب أن يكذبه، يجب أن يسفهه، إن كانت القضية لا تمس العقائد ولا تمس الدين والرقم خاطئ فالأولى أن تسكت، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به، وكان عليه الصلاة والسلام إذا كره شيئاً عُرِفَ هذا في وجهه، لم يكن يتكلم كثيراً، لكن وجهه كان شديد الحساسية، مثل المرآة.

    ((أحد أصحابه بلَّغه مرة عليه الصلاة والسلام، عن رجل لما أخذ نصيبه من الغنائم قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. -يتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم - النبي تغير وجهه ولم يزد عن هذا إلا أنه قال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ))

    أما إذا سمع النبي شيئاً، أو رأى شيئاً فيه خرق لحدود الله، كان يغضب أشد الغضب، هذا الغضب لله، والحقيقة من اسْتُغْضِب ولم يغضب في الله ليس مؤمناً، علامة الإيمان أنه إذا استغضب في الله يغضب.
    أيها الأخوة: هذا الحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، مهم جداً، كان عليه الصلاة والسلام يقول:

    ((عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له))

    (الجامع الصغير للسيوطي )

    ((من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل ))
    أحياناً تحدث خطوبة ثم لا يتم هذا الأمر، لسبب أو لآخر، والسبب حجمه صغير جداً، هاتان الأسرتان تتراشقان التهم، تهم كبيرة، قد تتهم هذه الفتاة المخطوبة بأن فيها مرض، وقد تتهم بأخلاقها، وقد يتهم هذا الشاب الخاطب بأن فيه مرض أيضاً، وقد يتهم بأخلاقه، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال

    ((: ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل))
    أنا أعتقد أنه من كمال المؤمن أنه إذا غضب يبقى منصفاً، باللغة الدارجة أن الإنسان إذا غضب يجعل الطرف الآخر -سكة عطل-، وإن رضي يجعله منزل من السماء، كلاهما مجانبة للحق، المؤمن الكامل منصف في غضبه وفي رضاه، تجد أحياناً تمت مصاهرة بين أسرتين، تسمع مديحاً عن هذا الصهر بشكل غير معقول، ولي، حكيم، ذكي، غني، من أسرة، ذو حسب ونسب، عالم تقي، صالح، يصبح فوراً حافظاً للقرآن، يحفظ القرآن في يوم واحد، قيام ليل صدقات، يده للخير، ثم تنشأ مشكلة بين الأسرتين، فتجده لا يصلي، يشرب الخمر، مباشرة، هذا الحديث دقيق، وأكثر الأسر واقعة في هذا المرض، لا يوجد إنصاف، إن كرهته تجعله في الحضيض، أحببته وضعته في الأوج، وهذا سلوك العوام أيها الأخوة، الغوغاء، عامة الناس، الجهلة، النبي رأى صهره بين الأسرى، -ما معنى بين الأسرى ؟ أي جاء صهره ليقاتله، أبو العاص، وكان من الممكن أن يقتله، لأنها حرب

    (( فلما تفحص الأسرى ورأى صهره قال عليه الصلاة والسلام: والله ما ذممناه صهراً ))
    هل ترى هذا الإنصاف ؟ أن يتمنى أحد ما أن يقتلك، ولا تنسى فضائله ؟ هل تقدر ؟ أحدنا لو أساء له شخص ما يريد أن يقطعه إرباً، هذا من الجهل
    أخواننا المنصف له عند الله مقام كبير، أحياناً تكون بنت في بيت ليس فيه إنصاف، يحاسبونها على أقل خطأ، ويتغافل عن أكبر خطأ عن ابنته، ابنته في البيت، وزوجة ابنه في البيت، ابنته مهما فعلت فعلها مبرر، أما زوجة ابنه، أقل خطأ تجد القصوة والتعنيف، والتشهير، هل هذا هو الإنصاف ؟ إن لم يكن الإنسان منصفاً، فليضع نفسه تحت التراب، إن لم يكن منصفاً، وكلمة إنصاف وردت في بعض الأحاديث:
    عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة.

    ((رواه الديلمي عن أبي هريرة، وأسنده من طريق أبي نعيم بلفظ عدل حكم ساعة خير من عبادة سبعين سنة ))

    (كشف الخفاء للإمام العجلوني )
    كأن تنصف زوجة ابنك، والله مظلومة، أنتم قد ظلمتموها، أو تنصف ابنتك، أو تنصف ابنك، أو صانع يعمل عندك، بذل كل جهده فإن غلط غلطة حطمته، لا يوجد إنصاف، الظلم لا يعرفه إلا من ذاقه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

    (( أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ *))

    (مسند الإمام أحمد )
    أكاد أقول لكم أيها الأخوة: علامة إيمانك إنصافك، يجب أن تنصف، أحياناً تكون أنت قوياً والطرف الثاني ضعيفاً، كل أخطائك تحمله إياها، وكل الميزات تأخذها عنه، يتألم الإنسان، الفكرة فكرته، والإنجاز إنجازه، والعمل عمله، أخذت ميزاته، وحمَّلته سيآتك، وأنت القوي لا يوجد من يحاسبك، لذلك الله عز وجل كل ذنب من هذا القبيل يبتلي صاحبه بإنسان أقوى منه، ويأخذ حق الأول منه.
    وقف رجل بين يدي الحجاج، فقال وهو في ساعة خوف شديد: أسألك بالذي أنت بين يديه، أذل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي.
    كل قوي يوجد من هو أقوى منه، وكل ظالم يوجد من هو أظلم منه، وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم، والظالم سوط الله، ينتقم به، ثم يأخذ الحق منه.
    البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، أنا الآن أتمنى على أخواننا الكرام، ليس من أحد منا إلا وفي ذمته اثنين أو ثلاث، قد يكون أب عنده ولدين، وقد يكون جد عنده أولاد أولاد، قد يكون عنده محل تجاري وفي هذا المحل موظفين، فلماذا لأحدهما الإجازات والمكافآت، والثاني تهمله، لا يوجد إنصاف، إن لم تنصف فلست مؤمناً، وضع هذا الحديث في ذهنك:

    ((عدل حكم ساعة خير من عبادة سبعين سنة ))
    يقولون: حجر ضج بالشكوى إلى الله، قال: يا رب، إني عبدتك خمسين عاماً، وتضعني في أس كنيف ؟ فقال: تأدب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم.
    قد يكون كل واحد منا قاضياً، فالإنصاف الإنصاف، أنصف بين أولادك ، حدثني أخ قال لي: رجل عنده ابنتين، بنت من زوجة تعيش معه، والأخرى من زوجة مطلقة، وعنده بيت فخم في مصيف، ابنته من الزوجة المطلقة في أول أيام العيد تمنت على زوجها أن يأخذها إلى بيت أبيها، فلما توجهت هذه الفتاة مع زوجها وأولادها إلى بيت أبيها، في صبيحة يوم العيد، طبعاً رأت أختها من أبيها قد سبقتها إلى بيت أبيها، الأخت من زوجة أبيها التي يعيش معها أعطاها مثلاً خمسة آلاف كهدية العيد، بينما أعطى الأخرى خمسمائة، البنت التي من زوجة أبيها التي يعيش معها طبعاً مدعوة إلى الغداء، وأفخر أنواع الطعام، أما الثانية التي جاءت لبيت أبيها في أول أيام العيد، تقول لها خالتها زوجة أبيها: هيا لا تطيلي فنحن اليوم مشغولون، قالت: أنها بقيت تبكي لسنة من هذا الظلم.
    أحياناً الإنسان يظلم بنتاً أو أبناً، يعطي أحدهما، ويحرم الآخر، يعطي ابنة ويحرم أخرى.
    فيا أيها الأخوة: اسمعوا مني هذا الكلام والله أقوله من قلبي، والله تضيعون صلاتكم، وصيامكم، وحجكم، وزكاتكم، تضيعونها كلها إن لم تكونوا منصفين، بين أولادكم، بين بناتكم، بين إخوانكم، حتى بين موظفيكم، من عنده معمل، من عنده متجر، الإنصاف الإنصاف، إن أفضل ما تفعل أن تكون منصفاً، لأن الله عادل يحب العدل، ولا تكن ظالماً، اسمع الآية الكريمة:

    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

    (سورة الأنعام )
    هنالك الكثير من الأمهات أو أمهات الأزواج (الحموات ) يقع منهن الظلم، بهدف السيطرة، بهدف الإذلال، بهدف تمريغ أنفها بالتراب، هذه ابنة الناس، ولها أهل، ولها كرامتها، ونصيحة مني، على الإنسان أن يعد للمليون قبل أن يظلم إنساناً آخر، ولو كان مجوسياً، ولو كان ملحداً، ولو كان ضعيفاً وليس له أحد، عليه أن يعد إلى المليون قبل أن يظلم، يعد إلى المليون قبل أن لا ينصف، قبل أن يجحد، قبل أن يجحف، قبل أن يحابي، قبل أن يهمل، هذا الحديث دقيق.

    ((عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ))

    (الجامع الصغير للإمام السيوطي )

    ((ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق ))

    إن أحببناه ارتكبنا المعاصي من أجله، إن أحببناه تغاضينا عن كل معاصيه، حتى أننا قبلناها منه، وشاركناه بها ووقعنا في إثمه، وإن كرهناه سلكنا معه كل سبيل ظالم، معنى هذا أن كلا الحالتين فيها معصية، ضعيف الإيمان في محبته يعصي، وفي بغضه يعصي، إذا غضب أدخله غضبه في باطل، وإذا أحب أخرجه حبه عن حق.

    ((رجل سأل سيدنا عمر: قال له: هل تحبني ؟ قال له: والله لا أحبك، قال له: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ؟ قال له: لا والله))
    حقك قد وصلك لكنني لا أحبك، يجب أن تفصل بين المحبة والحق، له حق عندك أعطه إياه، تحبه أو لا تحبه هذا بحث آخر، أجابه إجابة غير أديبة، قال له: إذاً نأسف على حب النساء.
    طالما أن حقي قد وصلني فلا تهمني محبتك، قال له: لا يهمنك.

    ((عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ))
    تستطيع أن تكون قوي جداً، والأشياء بين يديك، في متناول يديك، وتأخذ حقك فقط ؟ هل تقدر ؟ أحياناً يكون هناك أخ كبير وله خمسة أخوة صغار، يتوفى الأب، والميراث كله بيد الكبير، هذه السجادة ثمنها ثمانون ألفاً يقول لك: هذه من أثر والدي، يحملها ويضمها له، وهذا خارج التقسيم، كل ما يجدى من تحف ثمينة يضمها لبيته، لأنها من أثر والده، لأنه يحب والده كثيراً، أخذ أثمن ما عنده خارج القسمة.
    هل تستطيع أن تكون إنساناً قوياً وتأخذ حقك فقط ؟ هذا هو الإيمان، يا أخوان لماذا ترك الناس الدين ؟ لماذا خرج الناس من دين الله أفواجاً ؟ رأوا الدين صوم وصلاة ولكن بدون إنصاف، بل يوجد مداهنة ومراءاة، يوجد دجل، كذب، محاباة.
    ثلاث أشياء

    (( من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ))
    غضب، رضى، قدرة، بالغضب لا تدخل في باطل، بالرضى لا تخرج من حق، بالقدرة لا تأخذ ما ليس لك، الله يمتحنك، يتعرض الإنسان لآلاف المواقف، قوي جداً لا يوجد من يحاسبه، أو لا يستطيع أحد أن يحاسبه، والمال بين يديه، فإذا استطاع أن يأخذ حقه فقط ويعطي للناس حقوقها...
    أنا أعرف أخ الله قد فتح عليه كثيراً، بأرقى أحياء دمشق، توفي والده وخلف بيت هو وأخته لا يوجد غيرهم، هذا البيت حق أخته فيه مثل حقه، أخته متزوجة، قيم البيت بسعره وهو فارغ، أعطى أخته المتزوجة التي تسكن في بيت، قيمة حصتها بالتمام والكمال، الآن ائتني بإنسان يسكن في بيت أبيه، وله خمس أخوة من البنات يجيبهم إلى حقهم، ألستن ساكنات ؟ حسناً. ماذا تريدن أكثر من هذا ؟ ألا تزوروننا كل أسبوع ؟ هأنتن ذا تأتون إلى بيتكن ؟ تعالوا واجلسوا عندنا إن أردتم، لا يعطيهم شيء، هذا البيت من حق الأولاد كلهم، لوجود الإرث، فإذا استطاع الإنسان أن يكون قوياً ويعطي هذه هي البطولة، هذا إيمانك، أن تكون قوياً منصفاً، أن تكون بيدك الأمور كلها وتأخذ حقك فقط، هذا الحديث احفظوه يا أخوان، مهم جداً.

    ((عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ))
    الآن من علامات الغضب السباب، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

    ((حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:........ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ، وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ، وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَالَ لَهُ: شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا اللاعِنُ بَعِيرَهُ ؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ..... ))

    (صحيح الإمام مسلم )

    سامحنا الله جميعاً، كلمة الله يلعنه، واللعنه، هذه لا تجوز، فإذا خرجت من فم أحد ما فليدفع الكفارة أفضل، لا تلعن، إذا لعن الإنسان يقع في إثم.

    ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ))

    (صحيح الإمام مسلم )

    يقول لك: لست منتبهاً. حسناً ادفع كفارة، ادفع صدقة وربي نفسك، كان أبا حنيفة النعمان رضي الله عنه، كل يمين صادق يحلفه يدفع عنه كفارة، ولكنه صادق ؟ حتى يؤدب نفسه، ليعود نفسه أن لا يحلف الأيمان إطلاقاً، فأثناء البيع لو حلف يمين صادق لا كذب فيه أبداً، يدفع صدقة ليؤدب نفسه، وإذا لعن الإنسان شيئاً فليدفع صدقة، وليؤدب نفسه، ولا يعود إليها، يعود نفسه أن لا يلعن، هذا الصحابي قال لجمله: شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ. لجمل ! وليس لشخص، فقال عليه الصلاة والسلام:

    ((انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ..... ))

    وقال عليه الصلاة والسلام:

    ((لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ....))

    (صحيح الإمام مسلم )

    لعل الله عز وجل يستجيب لك في هذه الساعة وأنت تدعوا على أهلك، أو على أولادك، أو على نفسك، أو على مالك.
    يقول أحد العلماء

    (( ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فيهدم عمر خمسين، سنة أو ستين سنة، أو سبعين سنة))،أي غضبة تدخله في باطل يهدم عمل خمسين سنة ))

    (( ورب غضبة قد أقحمت صاحبها مقحماً ما استقاله))
    لكن هنا يوجد أسباب، فإذا كان الغضب أسبابه مباحة، كأن يمرض أحد ما، ومرضه شديد، وآلامه لا تحتمل، أو فقد ماله كله، أي لديه مبرر فغضب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحاسب على هذا الغضب، إذا كان سبب الغضب مباحاً، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

    ((عن أنس بن مالك قال:... فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ...))

    (صحيح الإمام مسلم )

    أريد أن أقول لكم نقطة دقيقة بالنسبة لموضوع الإنصاف: أحياناً الإنسان في بيته هو السيد الآمر، هو الزوج، هو المنفق، وكل أولاده صغار وزوجته شابة، وطلاقها يتم بكلمة إن أراد، فالإنسان إن كان قوياً - والله القوي - هو يتوهم نفسه قوياً، هو سيد الأسرة، وسيد هذا البيت، فإذا لم يحاسب نفسه حساب دقيق ربما زلت قدم إلى المعصية، لأنهم يخافوا أن يحاسبونه، هو لا يحاسب نفسه، فيقع في الظلم وهو لا يدري، وحينما يظلم الله عز وجل يؤدبه، فإذاً من بحاجة لمحاسبة نفسه أكثر من غيره ؟ من يجيب ؟ القوي، الذي مركزه قوي في عمله أو في بيته، لأن الإنسان إن كان محاسب دائماً فهو لا يريد هذه المحاسبة، أما إن كان هذا الشخص هو الذي يحاسب، ولا يوجد من يحاسبه فهذا مركزه خطير، ربما تكون أنت رئيس دائرة، ولديك خمس أو ست موظفين، والجميع يخافون منك، إذا لم تنصف فالله يحاسبك، أي أن القوي إن كان في دائرة، إن كان في متجر، إن كان في معمل، ممكن أن يقع في الخطأ، لأنه لا يوجد من يحاسبه، أنا أعرف معمل للحلويات، من أكبر معامل الحلويات في الشرق الأوسط، كان يصدر أيام نشاط بعض الدول المجاورة، يصدر كل يوم طائرة موثوقة بالحلويات إلى دول الخليج، كل يوم ! طبعاً لديه محلات ضخمة، ومحلات، عشرين أو ثلاثين متجر في بيروت، وتصدير إلى الخارج، مما يبدو أن صنعته ممتازة، دخل إلى معمله ولم يعجبه عمل أحد العمال، في عجن الجينة، فتناول قطعة من العجين ووضعها على الأرض، وعركها بحذائه، ليبين لهذا العامل طريقة عرك هذا العجين، فقال له العامل: بحذائك سيدي ؟ قال له: الناس يأكلون من تحت قدمي.
    لم يمض شهر إلا وقطعت رجله، والآن هو مقيم في لندن، بلا رجلين، أنا أعني ما أقول، القوي ممكن أن يقع في الخطأ، لأنه لا يوجد من يحاسبه، لأنهم يخافون منه فلا يحاسبونه، كل إنسان إن كان في معمله، أو متجره، أو في دائرته، أو في عيادته، أو في مكتبه، أو في بيته، طالما أنه هو الرأس هو المسيطر، هو يحاسب، ولكن لا يوجد من يحاسبه، إن لم يحاسب نفسه حساب عسير الله سوف يفرمه، سيؤدبه، تأديباً شديداً، فإن كان أحد ما موقفه ضعيف ويتحاسب دائماً، هذا يوجد من يحاسبه، أما إن أحد ما ليس من شأنه أن يحاسب، هذا عليه أن يخاف كثيراً، لأن هذا أمامه مليون منزلق، أن يقع في الظلم، بالإجحاف، ألم تسمعوا الحديث الشريف الذي يقول

    (( يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام - هذا حسابه سريع جداً يتم في ثانية واحدة - يقال له: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلال،وأنفقه في حرام، يقال له أيضاً: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال، أيضاً يقال له: خذوه إلى النار، -حساب سريع جداً - إذاً من الذي يحاسب ؟ فلقد انتهينا من الثلاثة - فأما الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال، قال: هذا قفوه فاسألوه))

    هنا الحساب، هل ضيع فرض صلاة ؟ هل قال جيرانه: يا رب أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا ؟ هل تاه على عباد الله ؟ هل زها بماله ؟ هل أعجبته نفسه ؟ هذا الذي يحاسب حساباً عسيراً.
    فيا أيها الأخوة: هذه الأحاديث أنا أتمنى على كل أخ كريم، إن كان موقفه قوي بدءاً من بيته، إلى عمله، فليحاسب نفسه حساباً شديداً، وإلا سوف يحاسب.
    فإن كان الغضب سببه مباحاً نرجو الله أن يفغر له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم

    (( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ...))

    أحدهم كان تاجر صوف وسمن، كبر في السن ووكل ابنه، ابنه جاهل، جاهل جداً، ذهب إلى البادية ليشتري الصوف، وجد بدوياً جاهلاً، يزين الوزن فإذا هي خمس وثلاثون، فيقول له: سبع وعشرون كيلو وثمانمائة غرام، هذا البدوي أعجبه هذا الوزن، لأنه لم يسمع عن الغرام طيلة حياته، يسجل سبع وعشرون كيلو وثمانمائة غرام، ولكنه أنقص عشرة كيلو، بعد أن انتهت هذه العملية، وجد بالحدس أن هذه الكمية غير ممكن أن يكون هذا سعرها ! قال له البدوي: تلقاها بصحتك إن شاء الله، إن كنت قد لعبت علي، فهذا الوضع غير طبيعي، يقول هذا التاجر: ركبنا السيارة ومشينا، وقع بصراع مع نفسه، أرجع وأقول له ؟ لكن أمره سيفضح، وإن سكتت فقد دعا علي، حسناً: هل أعطيه مبلغ من المال دون أن أقول له شيئاً ؟ هذه مشكلة، قال لي: والله لقد سمعتها من فم هذا الإنسان. قال لي: دخلت في صراع، من البادية حتى بلدة الضْمَير، عند الضمير اتخذ قراراً، قال: وليكن ماذا حدث ؟ قال لي لم أقل هذه الكلمة في قلبي، حتى وجدت نفسي وسط بركة من الدماء، انقلبت السيارة، وانسكب السمن، وتبعثر ركابها، ووجدت نفسي مجروحاً وسط الدماء، هو أبرم أمر

    ﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)﴾

    (سورة الزخرف )
    هل هذا ما ارتأيت ؟ حسناً. أثقلها ! هل هذا قرارك ؟ أن لا مشكلة، لا بل يوجد مشكلة، فإن كان عند أحدهم يقظة، وكان عنده قدرة على المتابعة والتأمل، يجد أن لكل شيء حساب، وكلما كبر عقل الإنسان تزداد استقامته، كلما كبر عقله يخاف من الله كثيراً، كلما كبر عقله يتواضع، يعرف أن هناك رب وكيل للجميع، وكيل كل هؤلاء العباد.
    أيها الأخوة: أتمنى على الله سبحانه وتعالى أن لا نغضب جميعاً، الغضب جماع كل شر، بدءاً بالصحة، إن أحببت اسأل طبيباً، قل له: ما هي الأمراض التي تسببها الشدة النفسية ؟ ارتفاع ضغط الدم من الشدة، ضيق الشريان التاجي من الشدة، القرحة من الشدة، السكري من الشدة، آلام عصبية من الشدة، الأورام الخبيثة من الشدة، الغضب جماع كل شر، وعلاج الغضب التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، علاج الغضب أن تقول: لا يوجد غير الله، الأمر كله بيده، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل هؤلاء الذين يزعجونك هؤلاء عصي بيد الله، فإن أصيب أحدهم بضرب من عصا، فهل ينتقم من العصا ؟ لأن الضارب رحيم وحكيم وعادل، هذا ملخص الملخص، والإنسان عندما يغضب تجده يخرج عن طوره، تجده يفقد عقله، تجده يفقد إمكانياته، فقد اعتباره الاجتماعي، وكلما كان حليماً أكثر كلما علا عند الله وعند الناس، الحلم سيد الأخلاق، وكاد الحليم أن يكون نبياً، ولا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.
    إلا في استثناء واحد قلته الدرس الماضي، أحياناً الإنسان وهو في موقع القيادة يضطر أن يتغاضب، أن يتصنع الغضب، هذه حكمة، أسلوب تربوي، لولا هذه الشدة لما انصاع الذين هم حولك، ما انصاعوا لك، فأحياناً في بعض المراكز الإدارية الأعمال تقتضي التغاضب، هذه لا مشكلة فيها، لكن من الداخل برد وسلام، الغضب خارجي فقط، في القشرة فقط، في الداخل لا يوجد غضب، هذا التغاضب، أما الغضب الحقيقي فمدمر، الغضب الحقيقي أحياناً يحمله على لفظ كلمة يخسر فيها زوجته، أو شريكه، أو يخسر حياته، أحياناً كلمة يخسر فيها حياته، فالغضب جماع كل شر، الآن آخر كلمة في الدرس، الغضب من لوازم الغفلة عن الله، انتبهوا لهذه الكلمة، الغضب من لوازم الغفلة عن الله، لو كنت مقبلاً على الله لما غضبت، الله ألقى في قلبك برد وسلام، ألقى الطمأنينة، ألقى التوازن، ألقى تحمل هذه المشكلة، أما إن رأى الإنسان السفينة الضخمة الراسية في البحر فهي مثل الجبل، أما المضطرب كثيراً فالقارب الصغير، أما السفينة فراسخة كالجبل، فكلما كنت متزناً أكثر فأنت كالجبل الأشم.
    مواضيع ذات صلة
  • روزكنزي
    أعضاء نشطين
    • Oct 2010
    • 12874 
    • 510 

    #2

    أسأل الله أن يكرمك بدعوة لا تُرد

    ورزق لايُعد

    بارك الله فيك ..وجعله في ميزان حسناتك

    تسلمي ياغاااالية على الثراء
    تعليق
    • جيهان عبد الظاهر
      كاتب الموضوع
      عضو نشيط
      • Jun 2013
      • 2989 
      • 19 

      #3
      شكرا ووبارك الله فيكى موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
      تعليق
      يتصفح هذا الموضوع الآن
      تقليص

      المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

      يعمل...
      X