يقول ابن القيم رحمه الله " فثناء العبد على ربه في الركوع ؛ هو أن يحني له صلبه ، و يضع له قامته ، و ينكس له رأسه ، و يحني له ظهره ، و يكبره مُعظماً له ناطقاً بتسبيحه المقترن بتعظيمه , فيجتمع له خضوع القلب وخضوع الجوارح وخضوع القول على أتم الأحوال ، وفي السجود يضع ناصيته وأشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ بالأرض بين يدي سيِّده ، خاضعاً له قلبه وجوارحه , متذلِّلاً لعظمته خاضعاً لعزَّته منيباً إليه مستكيناً ذلاً وخضوعاً و انكساراً , ويجتمع له في هذين الركنين من الخضوع و التواضع و التعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه ، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض ، فإنَّ الخضوع وصف العبد ، والعظمة وصف الرب "
والسجود باب عظيم للوصول لله سبحانه وتعالى فكلما زاد العبد في تذلله وتواضعه وخشوعه وخضوعه لربه كلما اقترب من ربه سبحانه , كلما زاد في مناجاته ودعائه وبكائه بين يدي ربه العزيز كلما رفعه الله وأعزه في الدارين .
وللسجود حلاوة ولذة لا يشعر بها إلا من تذوقها , حيث يشعر العبد بانفراده بربه وبخلوته في حضرته في ذكر ودعاء وبكاء ومناجاة وبث شكواه لربه سبحانه كما كان يفعل يعقوب عليه السلام " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " , فليس للعبد رب سواه وعبيده غيرنا كثير .
وبكثرة التطوع لله بالصلوات وغيرها تنال الدرجات العلى فكما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني دخلتُ الجنة، فسمعت خشفةً بين يديّ، فقلتُ: (يا جبريل ! ما هذه الخشفة؟)... قال: (بلال يمشي أمامك)... وقد سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلال بأرجى عمل عمله في الإسلام فقال: ( لا أتطهّرُ إلا إذا صليت بذلك الطهور ما كتِبَ لي أن أصلّيَ "
وإن ترك الامتثال لأمر الله في الركوع والسجود كاف لاستحقاق العبد المقت والغضب من ربه الرحيم سبحانه , ففي بيان لجرائم أهل النار كان عدم الامتثال لأمر الله في الركوع والسجود مكان عظيم فقال سبحانه " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ " , ولن يستطيع من لم يسجد في الدنيا أن يسجد يوم القيامة مع الساجدين لله طلبا للنجاة فقال سبحانه " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ "
نسال الله أن يحشرنا الله مع عباده الراكعين الساجدين