( السحور ) جاء في "النهاية" : هو بالفتح اسم ما يُتَسَحَّر به من الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه، وأكثر ما يروى بالفتح . وقيل : إِنّ الصواب بالضم؛ لأنه بالفتح الطعام، والبركةُ والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام". وجاء في "القاموس المحيط": السَّحَر: قبيل الصُّبح .
الحكمة منه :
لما كان اهل الكتاب لا يأكلون ويشربون ولا ينكحون بعد النوم . أي : إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة وكتب على المسلمين ذالك كما بينا في محاضرة ( المراحل التي بها الصيام ) فلما نُسخت هذه المرحلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور تفريقاً بين صيامنا وصوم أهل الكتاب ومخالفتنا إياهم مأمور بها شرعا. فتأكدت في هذه السنة بالتعيين .
وتقع هنا موقع الشكر لتلك النعمة ومنه نعلم : " أن هذا الدين يسر لا عسر فيه".
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " فصْل ما بين صيامنا وصيامِ أهل الكتاب أكلةُ السَّحَر" (1 ) .
فضله : لقد ورد في فضل السحور أحاديثُ كثيرة منها:
أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين :عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنّ الله وملائكته يُصلّون على المتسحِّرين" ( 2).
انه بركة : وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : " دعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى السحور في رمضان فقال : هلُمَّ إِلى الغداء المبارك" ( 3). عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تسحّروا فإِنّ في السُّحور بركة " ( 4) .
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "دخلْتُ على النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتسحَّر فقال : " إِنّها بركة أعطاكم الله إِياها، فلا تَدَعوه" ( 5).
وعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور"( 6) .
معنى هذه البركة الواردة في هذه الأحاديث :
قال الحافظ : " وَقِيلَ الْبَرَكَةُ مَا يُتَضَمَّنُ مِنَ الِاسْتِيقَاظِ وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهِيَ :
1_ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ .
2_ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ .
3_ وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ .
4 _ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ .
5_ وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ .
6_ وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ .
7_ وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ.
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ : هَذِهِ الْبَرَكَةُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالصَّائِمِ .
بمَ يتحقّق؟
يتحقّق السحور ولو بجَرعة من ماء . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تسحروا ولو بجَرعة ( 7) من ماء" ( 8).
فضل السحور بالتمر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم سَحور المؤمن التمر" ( 9).
وقته :
يبدأ قبيل الفجر فففي "القاموس المحيط " السحر: قبيل الصُّبح وينتهي بتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال الله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} .
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَاللَّهِ النَّهَارُ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " ( 10) .
قال الحافظ : " وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَنَزَعَ تَمَّ صَوْمُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبْيِينُ . وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاس : قَالَ أحل اللَّهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ " .
وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَحْوُهُ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ سَأَلَ رجل بن عَبَّاسٍ عَنِ السُّحُورِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كل حَتَّى لَا تشك فَقَالَ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " إِنْ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا كُلْ مَا شَككت حَتَّى لَا تشك ".
وقال رحمه الله تعالى : " وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بِهِ الْأَعْمَشُ مِنَ التَّابِعِينَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ إِلَى جَوَازِ السُّحُورِ إِلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْفَجْرُ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ :" تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَاللَّهِ النَّهَارُ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " ( 11) .
وعن عبد الله بن النعمان السُّحَيمي قال : " أتاني قيس بن طَلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السّحور لخوف الصبح فطلب مني بعض الإِدام، فقلت له : يا عمّاه! لو كان بقي عليك من اللَّيل شيء لأدخلتك إِلى طعام عندي وشراب . قال : عندك؟ فدخل، فقربت إِليه ثريداً ولحماً ونبيذاً ( 12)، فأكَل وشرب، وأكرهني فأكلْتُ وشربْتُ، وإني لَوَجِلٌ من الصُّبح. ثمّ قال : حدَّثني طَلْق بن علي أن نبيّ الله قال: كلوا واشربوا، ولا يَهيدنّكم السَّاطع المُصعِد ( 13)، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر"( 14) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْأَذَانَ، وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ " (15 ).
والمقصود بالنداء أذان الفجر الثاني للفجر الصادق بدليل الزيادة الآتية عن أبي هريرة " وكان يؤذن المؤذن إذا بزغ الفجر " (16 ) .
ويشهد لهذ المعنى ويؤكده ما رواه : أبو أمامة قال : " أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر، قال : أشرَبُها يا رسول الله؟ قال : نعم ! فشربها " ( 17) .
البدع فيه :
إذا تبين لك ذالك فثبت أن الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق بدعوى الاحتياط بدعة منكرة لم يكن يعلمها الصحابة رضي الله عنهم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ إِيقَاعِ الْأَذَانِ الثَّانِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنَحْوِ ثُلُثِ سَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ وَإِطْفَاءِ الْمَصَابِيحِ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الصِّيَامَ زَعْمًا مِمَّنْ أَحْدَثَهُ أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا آحَادُ النَّاسِ وَقَدْ جَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارُوا لَا يُؤَذِّنُونَ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِدَرَجَةٍ لِتَمْكِينِ الْوَقْتِ زَعَمُوا فَأَخَّرُوا الْفِطْرَ وَعَجَّلُوا السُّحُورَ وَخَالَفُوا السُّنَّةَ فَلِذَلِكَ قَلَّ عَنْهُمُ الْخَيْر وَكثير فِيهِمُ الشَّرُّ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (18 ).
قَالَ عمرو بن ميمون : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلَ النَّاسِ إِفْطَارًا، وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا "( 19) .
وقال النووي : " وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر" ( 20).
الحكمة منه :
لما كان اهل الكتاب لا يأكلون ويشربون ولا ينكحون بعد النوم . أي : إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة وكتب على المسلمين ذالك كما بينا في محاضرة ( المراحل التي بها الصيام ) فلما نُسخت هذه المرحلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور تفريقاً بين صيامنا وصوم أهل الكتاب ومخالفتنا إياهم مأمور بها شرعا. فتأكدت في هذه السنة بالتعيين .
وتقع هنا موقع الشكر لتلك النعمة ومنه نعلم : " أن هذا الدين يسر لا عسر فيه".
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " فصْل ما بين صيامنا وصيامِ أهل الكتاب أكلةُ السَّحَر" (1 ) .
فضله : لقد ورد في فضل السحور أحاديثُ كثيرة منها:
أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين :عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنّ الله وملائكته يُصلّون على المتسحِّرين" ( 2).
انه بركة : وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : " دعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى السحور في رمضان فقال : هلُمَّ إِلى الغداء المبارك" ( 3). عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تسحّروا فإِنّ في السُّحور بركة " ( 4) .
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "دخلْتُ على النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتسحَّر فقال : " إِنّها بركة أعطاكم الله إِياها، فلا تَدَعوه" ( 5).
وعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور"( 6) .
معنى هذه البركة الواردة في هذه الأحاديث :
قال الحافظ : " وَقِيلَ الْبَرَكَةُ مَا يُتَضَمَّنُ مِنَ الِاسْتِيقَاظِ وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهِيَ :
1_ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ .
2_ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ .
3_ وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ .
4 _ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ .
5_ وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ .
6_ وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ .
7_ وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ.
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ : هَذِهِ الْبَرَكَةُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالصَّائِمِ .
بمَ يتحقّق؟
يتحقّق السحور ولو بجَرعة من ماء . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تسحروا ولو بجَرعة ( 7) من ماء" ( 8).
فضل السحور بالتمر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم سَحور المؤمن التمر" ( 9).
وقته :
يبدأ قبيل الفجر فففي "القاموس المحيط " السحر: قبيل الصُّبح وينتهي بتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال الله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} .
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَاللَّهِ النَّهَارُ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " ( 10) .
قال الحافظ : " وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَنَزَعَ تَمَّ صَوْمُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبْيِينُ . وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاس : قَالَ أحل اللَّهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ " .
وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَحْوُهُ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ سَأَلَ رجل بن عَبَّاسٍ عَنِ السُّحُورِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كل حَتَّى لَا تشك فَقَالَ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " إِنْ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا كُلْ مَا شَككت حَتَّى لَا تشك ".
وقال رحمه الله تعالى : " وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بِهِ الْأَعْمَشُ مِنَ التَّابِعِينَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ إِلَى جَوَازِ السُّحُورِ إِلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْفَجْرُ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ :" تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَاللَّهِ النَّهَارُ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " ( 11) .
وعن عبد الله بن النعمان السُّحَيمي قال : " أتاني قيس بن طَلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السّحور لخوف الصبح فطلب مني بعض الإِدام، فقلت له : يا عمّاه! لو كان بقي عليك من اللَّيل شيء لأدخلتك إِلى طعام عندي وشراب . قال : عندك؟ فدخل، فقربت إِليه ثريداً ولحماً ونبيذاً ( 12)، فأكَل وشرب، وأكرهني فأكلْتُ وشربْتُ، وإني لَوَجِلٌ من الصُّبح. ثمّ قال : حدَّثني طَلْق بن علي أن نبيّ الله قال: كلوا واشربوا، ولا يَهيدنّكم السَّاطع المُصعِد ( 13)، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر"( 14) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْأَذَانَ، وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ " (15 ).
والمقصود بالنداء أذان الفجر الثاني للفجر الصادق بدليل الزيادة الآتية عن أبي هريرة " وكان يؤذن المؤذن إذا بزغ الفجر " (16 ) .
ويشهد لهذ المعنى ويؤكده ما رواه : أبو أمامة قال : " أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر، قال : أشرَبُها يا رسول الله؟ قال : نعم ! فشربها " ( 17) .
البدع فيه :
إذا تبين لك ذالك فثبت أن الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق بدعوى الاحتياط بدعة منكرة لم يكن يعلمها الصحابة رضي الله عنهم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ إِيقَاعِ الْأَذَانِ الثَّانِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنَحْوِ ثُلُثِ سَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ وَإِطْفَاءِ الْمَصَابِيحِ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الصِّيَامَ زَعْمًا مِمَّنْ أَحْدَثَهُ أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا آحَادُ النَّاسِ وَقَدْ جَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارُوا لَا يُؤَذِّنُونَ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِدَرَجَةٍ لِتَمْكِينِ الْوَقْتِ زَعَمُوا فَأَخَّرُوا الْفِطْرَ وَعَجَّلُوا السُّحُورَ وَخَالَفُوا السُّنَّةَ فَلِذَلِكَ قَلَّ عَنْهُمُ الْخَيْر وَكثير فِيهِمُ الشَّرُّ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (18 ).
قَالَ عمرو بن ميمون : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلَ النَّاسِ إِفْطَارًا، وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا "( 19) .
وقال النووي : " وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر" ( 20).