بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوة الإسلام :يحرص كثير من المصلين علي الحضور للمسجد لصلاة الجمعة في وقت مبكر ، وقبل موعد الأذان بعدة ساعات ، بل إن هناك القليل من يحضر بعد شروق الشمس مباشرة وينتظر حتي يؤدي الصلاة مع الإمام ، وعلي الجانب الآخر نجد أن البعض يتهاون في التبكير إلي صلاة الجمعة ، فيأتي المسجد بعد صعود الإمام المنبر ، بل وبعد أن يبدأ في الخطبة ، ولا أغالي إذا قلت إن البعض يحضر إلي المسجد وقد انتهي الخطيب من خطبته ، أو أقيمت الصلاة فعلا ...
فما هو الفرق بين الفريقين ؟؟ وماذا كسب هذا ، وماذا خسر ذاك ؟؟
يقول الله سبحانه وتعالي فى سورة يونس : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ( )
قوله سبحانه وتعالي :" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" روي فى تفسيرها من حديث أنس رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه وتعالي : " وَزِيَادَةٌ " قال : " للذين احسنوا العمل في الدنيا ، لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ". ( )
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل " ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " ( )وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ــ هذا أقل واحد ، أفقر واحد ، وإن كانت الجنة لا يوجد بها فقراء -ـ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " ( )
أخى المسلم :
ما العلاقة بين هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وموضوع خطبة اليوم ؟؟ العلاقة يبينها ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال : " سَارِعُوا إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ فَيَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إلَى الْجُمُعَةِ فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ فِيمَا خَلَا ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا قَدْ أَحْدَثَ لَهُمْ " قال أبوعبيد راوى هذا االحديث : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَ : فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ سَبَقَهُ رَجُلَانِ فَقَالَ : " رَجُلَانِ وَأَنَا الثَّالِثُ إنَّ اللَّهَ يُبَارِكُ فِي الثَّالِثِ ". ( )وعَنْ عَلْقَمَةَ بن قيس قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثلاثَةً وَقَدْ سَبَقُوهُ فَقَالَ : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنْ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَاتِ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ ." ثُمَّ قَالَ : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ . ( )فهذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة , تبين فضل التبكير إلى المسجد يوم الجمعة ، وأن الجزاء على ذلك هو خير جزاء يتفضل به الله عز وجل على عباده يوم القيامة ، وهو النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى ، وأنه لا مزيد على ذلك من النعم فى الجنة ، وأن أكرم أهل الجنة على الله من يرى الله فى كل يوم مرتين غدوة وعشية . ( )
ومن هنا أيها الإخوة الكرام ... أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والحضور إلى المسجد مبكرين يوم الجمعة ، قبل الأذان ، وقبل صعود الإمام المنبر ، فهذا اليوم هو هدية الله لنا في كل أسبوع ، جعله الله لنا في الدنيا عيدا ، وفى الآخرة يومَ المزيد ، يتجلى فيه الله عز وجل لأوليائه المؤمنين في الجنة ، ويسمح لهم فيه بزيارته سبحانه وتعالي فيكون أقربهم منه سبحانه وتعالي ، أقربهم من الإمام في يوم الجمعة ، وأسبقهم إلى الزيارة ، أسبقهم إلى المسجد يوم الجمعة .
أخى المسلم : احرص على الإستفادة من يوم الجمعة ، هذا اليوم الذى ادخره الله سبحانه وتعالي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأَضلََّ عنه أهلَ الكتاب قبلَهم ، كما جاء فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلاغَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هُوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الأحَدِ" ( )وفى حديث آخر عن أمناعائشة رضي الله عنها : " ... إِنَّهُمْ لا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِينَ " ( )
فيوم الجمعة أخى المسلم : هو خيرة الله من أيام الأسبوع ، كما أن شهر رمضان خيرته من الشهور في العام ، وكما أن ليلة القدر خيرته من الليالى ، ومكة خيرته من الأرض ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه ، وفى الأثر : " إن لله فى أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لنفحاته "
والجمعة أيها الإخوة ... من هذه النفحات ، جعلها الله لنا فى الأسبوع كالعيد فى العام ، وكلنا يعلم أن العيد يشتمل على صلاة وقربان ، أى صلاة وأضحية " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " ( ) ولما كان يوم الجمعة يوم صلاة ، فقد جعل الله عز وجل التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان أى بدلا من الأضحية ، وبذلك يجتمع فيه للرائح الى المسجد مبكرا الصلاةُ والقربانُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ." ( ) فمتى خرج الإمام طوت الملائكة الصحف ، ولم يكتب لأحـد قربانٌ بعد ذلك ؛ لأن الملائكة تجلس تستمع إلى الخطبة .
فهذه هى بعض ميزات التبكير إلى المسجد يوم الجمعة :
فالذى يبكر إلى المسجد يكون يوم القيامة ، أسرع إلى زيارة ربه بقدر مسارعته في الحضور إلى المسجد يوم الجمعة.
الذى يبكر إلى المسجد يكون قريبا من الإمام ؛ لأنه يجلس في الصفوف الأولى ، وهو يوم القيامة بالقرب من ربه سبحانه وتعالي بقدر قربه من الإمام.
الذى يبكر إلى المسجد يقدم لله سبحانه وتعالي قربانا ، بقدر الساعة المبكرة التى حضر فيها إلى المسجد ، لصلاة الجمعة : إما بدنة أو بقرة أوكبشا ... الخ بقدر تبكيره.
أما من حضر بعد خروج الإمام فإنه لا يكتب له قربان لأن الملائكة تكون قد طوت الصحف ، فمن جاء بعد خروج الإمام جاء لحق الله وما كتب عليه فقط من الصلاة ، ولم يتقرب إلى الله بأى قربان ، فقد ضيعه المسكين على نفسه وهو لا يدرى ، والعمر يجرى ، وقد تكون هذه آخر جمعة له ، فاستغفر الله على تقصيرك ، واعقد العزم على أنه إذا أطال الله فى عمرك للجمعة القادمة أن تبكر ولا تتأخر فى الحضور إلى المسجد . فإذا حضرت فاشغل نفسك بالصلاة ، أو قراءة القرآن ، أو ذكر الله ، أو التفكر فى آلاء الله ... حتى يخرج الإمام ، حتى تنال أجر الصلاة والقربان ، وحتى تكون قريبا من ربك يومَ القيامة بقدر تبكيرك وقربك من الإمام .
*** *** ***
إخوة الإسلام :
وبهذه المناسبة .. اعلم أنه ليس للجمعة سـنة قبلية ، وإنما تتطوع بما شئت من ركعات قبل صعود الإمام المنبر ، وهذه هى السنة ؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أخذ بلال رضي الله عنه فى الأذان ، فإذا فرغ بلال من الأذان ، أخذ النبى صلى الله عليه وسلم فى الخطبة ، ولم يقم أحد يركع ركعتين بتاتا ، ولم يكن الأذان إلا واحدا ، ولم يرو عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعل السنة إلا بعد صلاة الجمعة ، ولم يرد فى الصلاة قبلها سـنة شئ ، يدل على ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الذى رواه البخارى فى باب التطوع بعد المكتوبة وهو الحديث الذى قَالَ فيه : " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ..." ( ) فهذا الحديث صريح فى أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر ، و إلا لم يحتَجْ إلى ذكرها لو كانت تدخل تحت اسم الظهر ، فلما لم يُذكر لها سنة إلا بعدها ، علم أنه لا سنة لها قبلها .
وأما الذى يدخل المسجد أثناء الخطبة فعليه أن يصلى ركعتين خفيفتين كتحية للمسجد ؛ ففى الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ فَجَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ َرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا." ( ) أى يخففهما .
فهاتين الركعتين هما تحية المسجد ، وليستا سنة الجمعة ؛ فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما إلا الداخل فقط ، لأجل أنهما تحية المسجد ، ولو كانت سنة للجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ، ولم يخص بها الداخلَ وحده .
وطالما عرفنا أنه لاسنة قبل صلاة الجمعة ، فما هى السنة البعدية ؟ فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد الجمعة ركعتين فى بيته ، وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا." ( ) فالأحاديث تدل كما كما ذكر أبو داود ( ) : كان إذا صلى فى المسجد صلى أربعا وإذا صلى فى بيته صلى ركعتين ، وبهذا يمكن الجمع بين الأحاديث .
إخوة الإسلام :يحرص كثير من المصلين علي الحضور للمسجد لصلاة الجمعة في وقت مبكر ، وقبل موعد الأذان بعدة ساعات ، بل إن هناك القليل من يحضر بعد شروق الشمس مباشرة وينتظر حتي يؤدي الصلاة مع الإمام ، وعلي الجانب الآخر نجد أن البعض يتهاون في التبكير إلي صلاة الجمعة ، فيأتي المسجد بعد صعود الإمام المنبر ، بل وبعد أن يبدأ في الخطبة ، ولا أغالي إذا قلت إن البعض يحضر إلي المسجد وقد انتهي الخطيب من خطبته ، أو أقيمت الصلاة فعلا ...
فما هو الفرق بين الفريقين ؟؟ وماذا كسب هذا ، وماذا خسر ذاك ؟؟
يقول الله سبحانه وتعالي فى سورة يونس : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ( )
قوله سبحانه وتعالي :" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" روي فى تفسيرها من حديث أنس رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه وتعالي : " وَزِيَادَةٌ " قال : " للذين احسنوا العمل في الدنيا ، لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ". ( )
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل " ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " ( )وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ــ هذا أقل واحد ، أفقر واحد ، وإن كانت الجنة لا يوجد بها فقراء -ـ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " ( )
أخى المسلم :
ما العلاقة بين هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وموضوع خطبة اليوم ؟؟ العلاقة يبينها ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال : " سَارِعُوا إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ فَيَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إلَى الْجُمُعَةِ فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ فِيمَا خَلَا ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا قَدْ أَحْدَثَ لَهُمْ " قال أبوعبيد راوى هذا االحديث : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَ : فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ سَبَقَهُ رَجُلَانِ فَقَالَ : " رَجُلَانِ وَأَنَا الثَّالِثُ إنَّ اللَّهَ يُبَارِكُ فِي الثَّالِثِ ". ( )وعَنْ عَلْقَمَةَ بن قيس قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثلاثَةً وَقَدْ سَبَقُوهُ فَقَالَ : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنْ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَاتِ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ ." ثُمَّ قَالَ : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ . ( )فهذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة , تبين فضل التبكير إلى المسجد يوم الجمعة ، وأن الجزاء على ذلك هو خير جزاء يتفضل به الله عز وجل على عباده يوم القيامة ، وهو النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى ، وأنه لا مزيد على ذلك من النعم فى الجنة ، وأن أكرم أهل الجنة على الله من يرى الله فى كل يوم مرتين غدوة وعشية . ( )
ومن هنا أيها الإخوة الكرام ... أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والحضور إلى المسجد مبكرين يوم الجمعة ، قبل الأذان ، وقبل صعود الإمام المنبر ، فهذا اليوم هو هدية الله لنا في كل أسبوع ، جعله الله لنا في الدنيا عيدا ، وفى الآخرة يومَ المزيد ، يتجلى فيه الله عز وجل لأوليائه المؤمنين في الجنة ، ويسمح لهم فيه بزيارته سبحانه وتعالي فيكون أقربهم منه سبحانه وتعالي ، أقربهم من الإمام في يوم الجمعة ، وأسبقهم إلى الزيارة ، أسبقهم إلى المسجد يوم الجمعة .
أخى المسلم : احرص على الإستفادة من يوم الجمعة ، هذا اليوم الذى ادخره الله سبحانه وتعالي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأَضلََّ عنه أهلَ الكتاب قبلَهم ، كما جاء فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلاغَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هُوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الأحَدِ" ( )وفى حديث آخر عن أمناعائشة رضي الله عنها : " ... إِنَّهُمْ لا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِينَ " ( )
فيوم الجمعة أخى المسلم : هو خيرة الله من أيام الأسبوع ، كما أن شهر رمضان خيرته من الشهور في العام ، وكما أن ليلة القدر خيرته من الليالى ، ومكة خيرته من الأرض ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه ، وفى الأثر : " إن لله فى أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لنفحاته "
والجمعة أيها الإخوة ... من هذه النفحات ، جعلها الله لنا فى الأسبوع كالعيد فى العام ، وكلنا يعلم أن العيد يشتمل على صلاة وقربان ، أى صلاة وأضحية " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " ( ) ولما كان يوم الجمعة يوم صلاة ، فقد جعل الله عز وجل التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان أى بدلا من الأضحية ، وبذلك يجتمع فيه للرائح الى المسجد مبكرا الصلاةُ والقربانُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ." ( ) فمتى خرج الإمام طوت الملائكة الصحف ، ولم يكتب لأحـد قربانٌ بعد ذلك ؛ لأن الملائكة تجلس تستمع إلى الخطبة .
فهذه هى بعض ميزات التبكير إلى المسجد يوم الجمعة :
فالذى يبكر إلى المسجد يكون يوم القيامة ، أسرع إلى زيارة ربه بقدر مسارعته في الحضور إلى المسجد يوم الجمعة.
الذى يبكر إلى المسجد يكون قريبا من الإمام ؛ لأنه يجلس في الصفوف الأولى ، وهو يوم القيامة بالقرب من ربه سبحانه وتعالي بقدر قربه من الإمام.
الذى يبكر إلى المسجد يقدم لله سبحانه وتعالي قربانا ، بقدر الساعة المبكرة التى حضر فيها إلى المسجد ، لصلاة الجمعة : إما بدنة أو بقرة أوكبشا ... الخ بقدر تبكيره.
أما من حضر بعد خروج الإمام فإنه لا يكتب له قربان لأن الملائكة تكون قد طوت الصحف ، فمن جاء بعد خروج الإمام جاء لحق الله وما كتب عليه فقط من الصلاة ، ولم يتقرب إلى الله بأى قربان ، فقد ضيعه المسكين على نفسه وهو لا يدرى ، والعمر يجرى ، وقد تكون هذه آخر جمعة له ، فاستغفر الله على تقصيرك ، واعقد العزم على أنه إذا أطال الله فى عمرك للجمعة القادمة أن تبكر ولا تتأخر فى الحضور إلى المسجد . فإذا حضرت فاشغل نفسك بالصلاة ، أو قراءة القرآن ، أو ذكر الله ، أو التفكر فى آلاء الله ... حتى يخرج الإمام ، حتى تنال أجر الصلاة والقربان ، وحتى تكون قريبا من ربك يومَ القيامة بقدر تبكيرك وقربك من الإمام .
*** *** ***
إخوة الإسلام :
وبهذه المناسبة .. اعلم أنه ليس للجمعة سـنة قبلية ، وإنما تتطوع بما شئت من ركعات قبل صعود الإمام المنبر ، وهذه هى السنة ؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أخذ بلال رضي الله عنه فى الأذان ، فإذا فرغ بلال من الأذان ، أخذ النبى صلى الله عليه وسلم فى الخطبة ، ولم يقم أحد يركع ركعتين بتاتا ، ولم يكن الأذان إلا واحدا ، ولم يرو عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعل السنة إلا بعد صلاة الجمعة ، ولم يرد فى الصلاة قبلها سـنة شئ ، يدل على ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الذى رواه البخارى فى باب التطوع بعد المكتوبة وهو الحديث الذى قَالَ فيه : " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ..." ( ) فهذا الحديث صريح فى أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر ، و إلا لم يحتَجْ إلى ذكرها لو كانت تدخل تحت اسم الظهر ، فلما لم يُذكر لها سنة إلا بعدها ، علم أنه لا سنة لها قبلها .
وأما الذى يدخل المسجد أثناء الخطبة فعليه أن يصلى ركعتين خفيفتين كتحية للمسجد ؛ ففى الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ فَجَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ َرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا." ( ) أى يخففهما .
فهاتين الركعتين هما تحية المسجد ، وليستا سنة الجمعة ؛ فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما إلا الداخل فقط ، لأجل أنهما تحية المسجد ، ولو كانت سنة للجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ، ولم يخص بها الداخلَ وحده .
وطالما عرفنا أنه لاسنة قبل صلاة الجمعة ، فما هى السنة البعدية ؟ فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد الجمعة ركعتين فى بيته ، وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا." ( ) فالأحاديث تدل كما كما ذكر أبو داود ( ) : كان إذا صلى فى المسجد صلى أربعا وإذا صلى فى بيته صلى ركعتين ، وبهذا يمكن الجمع بين الأحاديث .
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلي آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين
وعلي آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين