لماذا اُطلق على القرآن (ذكر) و(تذكرة) وعلى الرسول (صلى الله
عليه وآله)(مذكِّر)؟ وما السر في هذا التعبير؟
الجواب: هذه التعابير تستبطن نقطتين مهمتين، هما مصادر لمعارف عليا.
النقطة الاولى: ممَّا يمكن استفادته من الآية التي هي موضع بحثنا وكذا
آيات وروايات اُخرى كون التذكير إحدى مهام الأنبياء ووظائفهم. وهذا
يعني أن فطرة الانسان الطاهرة مجبولة على الايمان وتعاليم الأنبياء
(فِطرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، لا فيما يخصُّ اصول الدين فحسب
بل وكذا فروعه، والفطرة بأعماقها تستبطن هذه التعاليم الرفيعة.
بناءً على ذلك تكون وظيفة الأنبياء هي التذكير بهذه المعارف والقضايا
الفطرية، لكي لا ينساها البشر، بل يبقى واعياً متذكّراً لها وموحداً في
فكره وسلوكه، ومعتقداً بالمعاد والحياة بعد الموت، ومتداعياً في ذهنه
ما استبطنته الفطرة بأعماقها من مفاهيم من قبيل: العدالة والتقوى.
أوضح الامام علي (عليه السلام) في الخطبة الاولى من (نهج البلاغة)
وظيفة الانبياء ببيان جميل جداً، وقال في الإجابة عن سبب بعثة
الانبياء:
«ليستأدوهم ميثاق فِطرته ويذكّروهم منسيَّ نعمته ويحتجّوا عليهم
بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول...».
للبعثة أهداف مختلفة:
الاول: مطالبة البشر بأداء ميثاق الفطرة. ومن هذه العبارة يستفاد أن
الله أبرم مع فطرة البشر عهداً، وعلى الانسان أن يؤديه في حياته، وقد
يكون العهد الذي أشارت إليه الآية 172 من سورة الأعراف هو هذا.
الثاني: تذكيرهم بما نسوه من نِعم الله، فهو نوع تذكير، ولو بحث
الانسان عن تلك النعم لوجدها في أعماق وجوده، لكنه نساها; لأنه غرق في
الماديات، ومن خواص عالم المادة أنَّه يُنسي، فالدنيا تُغفل الانسان
وتنسيه.
الثالث: أن يتمّوا عليهم الحجة عن طريق البراهين العقلية، مضافاً إلى
القضايا الفطرية، وبذلك يبلّغون الانسان تعاليم السماء.
الرابع: أن يكتشفوا الأرضيات والجواهر المستودعة في فطرة الانسان وعقله
ويستخرجوها.
الرسول بمثابة المزارع الذي لا يخلق البذر بل يزرعها ويهيىء الأرضية
اللازمة لنموّها، والأنبياء بتذكيرهم بالتعاليم التي تستبطنها فطرة
الانسان يسعون في نموّها وازدهارها.
هناك شواهد من الآيات والروايات على هذا الكلام، منها ما ورد عن الرسول
(صلى الله عليه وآله)قوله: «الناس معادن كمعادنِ الذهب والفضة»، أي
أن الجميع يتمتع بوجود ذي قيمة ينبغي استخراجه بإشراف الخبير.
إذن، النقطة الاولى التي استبطنتها هذه التعابير هي كون اصول الدين
وفروعه متجذّرة في فطرتنا، وما يقوم به الانبياء هو التذكير بها.
النقطة الثانية: هي ما ورد في الآية 26 من سورة الغاشية، من أن التذكير
هو الوظيفة الوحيدة للأنبياء، ولا سلطة على أكثر من ذلك، وبعبارة
اُخرى: الدين غير اجباري، فهم يذكرون الناس بالمعارف الالهية ولا يمكنهم
أن يجبروهم على قبول الدين،
والدين من شؤون الناس ذاتهم قبلوه ام لم يقبلوه.
لم يجبر الرسول المشركين على قبول الدين، بل دعاهم إليه، وتركهم يقررون
ما يشاؤون، والنتيجة هي أن بعضاً منهم ما استعدَّ حتى للاصغاء إلى
كلامه.
2 ـ ينبغي الإصغاء لنداء الحق
خطاب الآية الثاني هو ضرورة الإصغاء لنداء الحق من أي شخص صدر، حتى لو
كان طفلاً وأصغر من الصاغي بل حتى لو كان عدواً، فينبغي الإصغاء للحق
والانصياع له دائماً ومن أيٍّ صدر.
3 ـ عوامل التذكُّر
آيات القرآن وكلمات الأنبياء ليست الوحيدة التي تذكّر الانسان، بل جميع
الحوادث التي تحصل للانسان تعدُّ عوامل للتذكُّر، فالكوارث والجفاف
والأمراض والزلازل والسيول وما شابه، كلها عوامل تساعد على التذكُّر.
لكل معلول علة ينبغي البحث عنها ومعرفتها للاعتبار منها، والتجربة تثبت
وتدعو الانسان لأن يبحث عن علّة كل ما واجه من مشاكل ولو كانت من قبيل
جرح بسيط، خوفاً من أن يكون نتيجة لجرح لسان أو سوء أدب صدر منه.
الخلاصة: لا يحدث شيء من لا شيء، بالطبع هذه الحوادث بحد ذاتها ألطاف
إلهية، وبمثابة السوط الذي يوقظ الانسان إذا ما جُلد به، وبمثابة
الغرامة التي تمنع من حصول الجريمة مقبلاً.
إلهي، نسألك بعظمة القرآن المجيد، هذه التذكرة العظمى، وبحرمة المذكِّر
أن تجعلنا يقظين نعي ونتذكَّر دائماً.