قال تعالى: "وتَرى الشّمسَ إذا طَلعت تزاورُ عن كَهفِهم ذاتَ اليمينِ وإذا
غَرَبت تقرِضُهم ذاتَ الشّمال وهُم في فجوةٍ مٍنهُ"الكهف
وقال تعالى: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ
بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ
بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
لم قال عن الشمس في الآية الأولى: طلعت، وفي الآية الثانية بازغة؟
ما الفرق بين الطلوع والبزوغ؟
وهل يجوز أن يقول في الأولى: (إذا بزغت )؟
وما اختلاف المعنى إن قال بزغت؟ وما فائدة طلعت بالذات؟
ثمة فائدة صحية فكيف نعرفها؟
بزغ وطلع، فعلان لهما معنى عام وهو الظهور ولكن هناك تخصيصا بينهما نتبين
ملامحه في قول الخليل: نقول بزغت الشمس بزوغا إذا بدا منها طلوع.
وكأن الخليل يقصد أن البزوغ أول الطلوع، وهذا هو رأي أبي هلال العسكري صاحب
الكتاب المعروف (الفروق)
ولنبدأ بقراءة الآيات القرآنية التي جاء فيها هذا الفعل، حيث قال الله عز وجل
عن نبيه إبراهيم عليه السلام في سورة الأنعام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى
كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ76 فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ77 فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ
هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ78)
لم تقل الآيات عن الكواكب أنها بازغة، لأن الكوكب يظهر حين يأتي الظلام، ولا
ينتظره ا لمرء من الأفق، أما وصف الشمس بأنها بازغة فيعني أن إبراهيم عليه السلام كان
يصوب ناظريه إلى الأفق يرتقب بدء طلوع الشمس ولم يكن يصوبه وسط السماء مرتقبا ظهور
الشمس فُجاءت في كبدها، والأفق لا علو فيه، فإذا ما ارتفعت الشمس قليلا سمي
ذلك طلوعا لأنها تشرف على الأرض من علو . يؤكد ذلك أن الأفق لا علو فيه أما التوسط ففيه علو
والفعل طلع يتعدى بالحرف على الذي يفيد الاستعلاء، وفيه علو وإشراف كقوله
تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ179) آل عمران
وفي قصة الفتية في الكهف قال تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ
تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي
فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً)
(الكهف:17)
ولم تقل الآيات (بزغت الشمس)، بل استعملت كلمة طلعت، وهذا يؤكد أن البزوغ أول
الطلوع، ولأن الطلوع من فوق والبزوغ من أفق، ولو أن الشمس كانت تزاور عن
كهفهم من بزوغها لفسد هواء الكهف وأصابهم الأذى بذلك ولهذا يكون المعنى والله أعلم: أن
ضوء الشمس يدخل الكهف من بزوغها إلى طلوعها، فيصيبهم خيرُها ونفعُها بما فيه
صلاحُ أجسامهم قبل أن تشتد فتمسهم بحرها. فالله تعالى قد دبر أمرهم فأسكنهم مسكنا
لا يكثر سقوط الشمس فيه فيحمى، ولا تغيب عنه غيبوبة دائمة فيعفن، فلا ترادف بين اللفظين
وهذا من دقة الاختيار في التعبير القرآني