الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
يقول الله تبارك وتعالى ()وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(التغابن: من الآية11) وهداية القلب أساس كل هداية ومبدأ كل توفيق وأصل كل عمر ورأس كل فعل.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )(1)
فصلاح قلبك سعادتك في الدنيا والآخرة ، وفساده هلاك محقق لا يعلم مداه إلا الله عز وجل .يقول الله عز وجل ()إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37)
ولكل مخلوق قلب . ولكنهما قلبان ، قلب حي نابض بالنور مشرق بالإيمان ممتلئ باليقين عامر بالتقوى ، وقلب ميت مندثر سقيم فيه كل خراب ودمار .
يقول سبحانه وتعالى عن قلوب المعرضين اللاهين ()فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً )(البقرة: من الآية10)وقال تعالى ()وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:88) وقال سبحانه ()أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)
وقال عنهم ()وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ)(فصلت: من الآية5)
فالقلوب تمرض ويطبع عليها ، وتقفل وتموت.
إن قلوب أعداء الله عز وجل معهم في صدورهم ، ولكن لهم قلوب لا يفقهون بها ، لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"(1)
قلب المؤمن يصوم في رمضان وغيره وصيام القلب يكون تفريغه من المادة الفاسدة من شركيات مهلكة ، من اعتقاد باطل ، ومن وساوس سيئة، ومن نوايا خبيثة ، ومن خطرات موحشة.
قلب المؤمن عامر بحب الله ، يعرف ربه بأسمائه وصفاته ، كما وصف الله سبحانه وتعالى لنفسه ، فهذا القلب يطالع بعين البصيرة سطور الأسماء والصفات ، وصفحات صنع الله في الكائنات ، ودفاتر إبداع الله في المخلوقات .
وكتاب الفضاء اقرأ فيه صورا ما قرأتها في كتابي
قلب المؤمن فيه نور وهاج لا تبقي معه ظلمة ، نور الرسالة الخالدة ، والتعاليم السماوية ، والتشريع الرباني ، يضاف هذا إلى نور الفطرة التي فطر الله عليها العبد ، فيجتمع نوران عظيمان ()نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النور: من الآية35)
قلب المؤمن يزهر كالمصباح ، ويضئ كالشمس ، ويلمع كالفجر ، يزداد قلب المؤمن من سماع الآيات إيمانا ، ومن التفكر يقينا ، ومن الاعتبار هداية.
قلب المؤمن يصوم عن الكبر لانه يفطر القلب ، فلا يسكن الكبر قلب المؤمن لانه الحرام ، والكبر خيمته ورواقه ، ومنزله في القلب ، فإذا سكن الكبر في القلب أصبح صاحب هذا القلب مريضا سفيها ، وسقيما أحمق ، ومعتوها لعابا.
يقول سبحانه كما في صحيح الحديث القدسي " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، من نازعني فيهما عذبته" (2) وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من تكبر على الله وضعه ، ومن تواضع لله رفعه".
وقلب المؤمن يصوم عن العجب ، والعجب تصور الإنسان كمال نفسه ، وأنه افضل من غيره ، وأن عنده من المحاسن ما ليس عند الآخرين ، وهذا هو الهلاك بعينه . صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( ثلاث مهلكات : إعجاب المرء بنفسه ، وشح مطاع وهوى متبع "(1)
ودواء هذا العجب النظر إلى عيب النفس ، وكثرة التقصير ، وآلاف السيئات والخطايا التي فعلها العبد ، واقترفها ثم نسيها ، وعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
وقلب المؤمن يصوم عن الحسد ، لان الحسد يحبط الأعمال الصالحة ، ويطفئ نور القلب ، ويعطل سيره إلى الله تعالى .
يقول سبحانه ()أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(النساء: من الآية54)
ويقول صلى الله عليه وسلم " لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض". حديث صحيح .
أخبر عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات عن رجل من أصحابه أنه من أهل الجنة(3) فلما سئل ذاك الرجل بم تدخل الجنة ؟ قال : لا أنام وفي قلبي حسدا أو حقد أو غش على مسلم . فهل من قلب يصوم صيام العارفين.
صيام العارفين له حنين إلى الرحمن رب العالمينا
تصوم قلوبهم في كل وقت وبالأسحار هم يستغفرونا
اللهم أهد قلوبنا إلى صراطك المستقيم ، وثبتها على الإيمان يا رب العالمين.