شهر شعبان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذه نقاط تتعلق بشهر شعبان، فأقول مستعيناً بالله تعالى، مستلهماً الصواب منه:
أولاً: سبب تسميته.
قال ابن حجر رحمه الله: "وسمي شعبان؛ لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذي قبله. وقيل فيه غير ذلك"([1]).
صوم شعبان.
ثبت في الصحيحين عن عائشة رضِيَ الله عَنْهَا أنها قالت: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه». وفي رواية لهما عنها رضي الله عنها: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».
قال ابن المبارك رحمه الله: "جَائِزٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ إذا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يُقَالَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ"([2]).
سبب صوم شعبان.
هذه مسألة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا نحتاج معه إلى قول غيره. فقد حدث أسامةُ بنُ زيد رضي الله عنهما أنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي، وحسنه الألباني.
فاشتمل الحديث على سببين:
الأول:
أنه شهر يُغفل عن الصوم فيه.
والعبادة في وقت الغفلة ومكانها لبمكانٍ.
ويدل لهذا خمسة أدلة:
الأول:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون». ثم عرفهم بقوله: «الذاكرون الله كثيراً والذاكرات» رواه مسلم. قال المناوي رحمه الله: "المفردون: أي المنفردون المعتزلون عن الناس، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى"([3]). فهؤلاء لما ذكروا الله وقد غفل غيرهم كان السبق لهم.
الثاني:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» رواه الترمذي.
وجوف الليل: نصفه.
وجوف الليل الآخِر: نصف نصفِه الثاني، أي: سدسه الخامس. وهو وقت النزول الإلهي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» رواه الشيخان. ومثل هذه النصوص يتعين حيالها أمران: الإقرار والإمرار. الإقرار: الإيمان بما فيها. والإمرار: الإيمان الذي لا يعتريه ما يقدح فيه، من التأويل، والتفويض، والتشبيه.
الثالث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرج كهجرةٍ إليَّ» رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولايتفرغ لها إلا أفراد"([4]).
الرابع:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ الله لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ» روه الترمذي.
وإنما خُصَّ السوق بذلك لكونه مكان غفلة.
الخامس:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ الله: الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ، فَيَنْزِلُونَ، فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ، فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ» رواه أحمد. فالذي قام إنما قام في حال تكون فيها الغفلة فأصاب فضلاً عظيماً بذلك.
السبب الثاني لإكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان:
أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى.
والأعمال ترفع كل يوم وكل عام.
ففي شعبان ترفع الأعمال كما أخير نبينا صلى الله عليه وسلم.
وفي كل يوم ترفع. فقد ثبت في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ([5]) فَقَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». قال النووي رحمه الله: "قيل: المراد بالقسط: الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه، والله أعلم"([6]).
فحري بالمسلم أن يكثر من الصيام في هذا الشهر، ولله در القائل:
مضى رجب وما أحسنت فيه --- وهذا شهر شعبــان المبارك
فيامن ضيع الأوقات جـهلاً --- بحرمتها أفق واحـذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قـسراً --- ويخلي الموت كرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا --- بتوبة مخلص واجعـل مدارك
على طلب السلامة من جحيم --- فخير ذوي الجرائم من تدارك
فضل ليلة النصف من شعبان.
صحَّت ثلاثة أحاديث في ليلة النصف من شعبان:
الحديث الأول:
خرَّجه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة، قال فيه نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يَطَّلِعُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
والحديث الثاني:
فقد خرجه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه».
وأما الحديث الثالث:
فخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني في ظلال الجنة: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم:«ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لأهل الأرض، إلا مشرك أو مشاحن».
ما يستفاد من أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان.
خمسة أمور:
1/ ينزل ربنا تبارك وتعالى في هذه الليلة.
ومما لا ريب فيه أنّ هذا يكون في كل ليلة في الثلث الأخير كما مرَّ معنا قبل قليل، أما في ليلة النصف من شعبان فإن النزول يكون في الليلة كلها كما أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم، والليلة تبدأ بغروب الشمس.
2/ وعليه فإنَّ المسلمَ ينبغي أن يكثر من الدعاء في هذه الليلة، قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى رحمه الله متحدثاً عن هذه الليلة: "وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا، وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا"([7]).
فكيف ينكر على من حث الناس على أن يكثروا من الدعاء فيها، والحديث صحيح، ولمن قال بذلك سلف، وهو الإمام الشافعي يرحمه الله؟
3/ أنّ الله واسع المغفرة.
فما أرحم الله بنا! فإنه يحب العفو كما نعته بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وتأمل هذين الحديثين:
الأول:
ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يحكي عن ربه عز وجل: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» رواه مسلم.
أي: ما دمت تذنب وتستغفر فإني أغفر لك.
والثاني:
قال نبينا صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» رواه أحمد.
قال تعالى: } وَمَن يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا{ [النساء/110].
4/ لا حظّ للمشرك من هذه المغفرة.
فإن رحمة الله التي وسعت كل شيء لم تسع الشرك وأهله، قال تعالى:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{ [النساء:48]. وقال:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا{ [النساء:116].
5/ ولا حظّ للمشاحن كذلك.
و المشاحن: الذي بينه وبين أخيه شحناء، فكم حرم نفسه من الخير!!
وقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» رواه أبو داود والترمذي. فالخصومات ثلمة في الدين، ونقص في الإيمان.
أحاديث لا تثبت في ليلة النصف.
منها:
«إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها».
«يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة».
«من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد بعث الله إليه مئة ألف ملك يبشرونه».
«من أحيا ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه في يوم تموت القلوب».
هل ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة في الدخان؟
من الخطأ أن يعتقد الإنسان أن الليلة المذكورة في الآية: }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ{ [الدخان/3]. هي ليلة النصف من شعبان، فلقد دل القرآن الكريم على أنّ نزول القرآن كان في ليلة القدر، قال تعالى: } إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{ [القدر:1] ، وليلة القدر ليست في شعبان، وإنما في رمضان، لقول الرحيم الرحمن: } شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{ [البقرة:185].
تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة.
من السلف –كما ذكر ابن تيمية والهيتمي – من كان يعظم ليلة النصف من شعبان، ويجتهد فيها، ومنهم من نهى عن ذلك، قال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى:" وأما الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا – ليلة النصف - وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا فَاعِلُهَا، وَإِنْ جَاءَ أَنَّ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَمَكْحُولٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَلُقْمَانَ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ مَا ابْتَدَعُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا بِآثَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ عُلَمَاء الْحِجَازِ كَعَطَاءٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: وَذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ؛ إذْ لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ"([8]).
ومن آداب القرآن ما جاء في قول الرحمن: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{ [النساء:59].
فرددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله، فوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأمر المحدث، والمحدث ما لا دليل فيه، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري ومسلم.
فلا يشرع أن يخص المرء ليلة النصف من شعبان بصلاة وقيام، ولا يومها بصيام، ففرق بين فعل العبادة، وبين تخصيصها بزمان أو مكان، قال رسولنا عليه الصلاة والسلام مؤصلا ذلك: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» رواه مسلم.
أما الدعاء فقد ثبت ما يدل على مشروعية الإكثار منه فيها.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذه نقاط تتعلق بشهر شعبان، فأقول مستعيناً بالله تعالى، مستلهماً الصواب منه:
أولاً: سبب تسميته.
قال ابن حجر رحمه الله: "وسمي شعبان؛ لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذي قبله. وقيل فيه غير ذلك"([1]).
صوم شعبان.
ثبت في الصحيحين عن عائشة رضِيَ الله عَنْهَا أنها قالت: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه». وفي رواية لهما عنها رضي الله عنها: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».
قال ابن المبارك رحمه الله: "جَائِزٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ إذا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يُقَالَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ"([2]).
سبب صوم شعبان.
هذه مسألة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا نحتاج معه إلى قول غيره. فقد حدث أسامةُ بنُ زيد رضي الله عنهما أنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي، وحسنه الألباني.
فاشتمل الحديث على سببين:
الأول:
أنه شهر يُغفل عن الصوم فيه.
والعبادة في وقت الغفلة ومكانها لبمكانٍ.
ويدل لهذا خمسة أدلة:
الأول:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون». ثم عرفهم بقوله: «الذاكرون الله كثيراً والذاكرات» رواه مسلم. قال المناوي رحمه الله: "المفردون: أي المنفردون المعتزلون عن الناس، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى"([3]). فهؤلاء لما ذكروا الله وقد غفل غيرهم كان السبق لهم.
الثاني:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» رواه الترمذي.
وجوف الليل: نصفه.
وجوف الليل الآخِر: نصف نصفِه الثاني، أي: سدسه الخامس. وهو وقت النزول الإلهي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» رواه الشيخان. ومثل هذه النصوص يتعين حيالها أمران: الإقرار والإمرار. الإقرار: الإيمان بما فيها. والإمرار: الإيمان الذي لا يعتريه ما يقدح فيه، من التأويل، والتفويض، والتشبيه.
الثالث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرج كهجرةٍ إليَّ» رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولايتفرغ لها إلا أفراد"([4]).
الرابع:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ الله لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ» روه الترمذي.
وإنما خُصَّ السوق بذلك لكونه مكان غفلة.
الخامس:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ الله: الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ، فَيَنْزِلُونَ، فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ، فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ» رواه أحمد. فالذي قام إنما قام في حال تكون فيها الغفلة فأصاب فضلاً عظيماً بذلك.
السبب الثاني لإكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان:
أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى.
والأعمال ترفع كل يوم وكل عام.
ففي شعبان ترفع الأعمال كما أخير نبينا صلى الله عليه وسلم.
وفي كل يوم ترفع. فقد ثبت في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ([5]) فَقَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». قال النووي رحمه الله: "قيل: المراد بالقسط: الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه، والله أعلم"([6]).
فحري بالمسلم أن يكثر من الصيام في هذا الشهر، ولله در القائل:
مضى رجب وما أحسنت فيه --- وهذا شهر شعبــان المبارك
فيامن ضيع الأوقات جـهلاً --- بحرمتها أفق واحـذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قـسراً --- ويخلي الموت كرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا --- بتوبة مخلص واجعـل مدارك
على طلب السلامة من جحيم --- فخير ذوي الجرائم من تدارك
فضل ليلة النصف من شعبان.
صحَّت ثلاثة أحاديث في ليلة النصف من شعبان:
الحديث الأول:
خرَّجه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة، قال فيه نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يَطَّلِعُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
والحديث الثاني:
فقد خرجه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه».
وأما الحديث الثالث:
فخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني في ظلال الجنة: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم:«ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لأهل الأرض، إلا مشرك أو مشاحن».
ما يستفاد من أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان.
خمسة أمور:
1/ ينزل ربنا تبارك وتعالى في هذه الليلة.
ومما لا ريب فيه أنّ هذا يكون في كل ليلة في الثلث الأخير كما مرَّ معنا قبل قليل، أما في ليلة النصف من شعبان فإن النزول يكون في الليلة كلها كما أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم، والليلة تبدأ بغروب الشمس.
2/ وعليه فإنَّ المسلمَ ينبغي أن يكثر من الدعاء في هذه الليلة، قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى رحمه الله متحدثاً عن هذه الليلة: "وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا، وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا"([7]).
فكيف ينكر على من حث الناس على أن يكثروا من الدعاء فيها، والحديث صحيح، ولمن قال بذلك سلف، وهو الإمام الشافعي يرحمه الله؟
3/ أنّ الله واسع المغفرة.
فما أرحم الله بنا! فإنه يحب العفو كما نعته بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وتأمل هذين الحديثين:
الأول:
ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يحكي عن ربه عز وجل: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» رواه مسلم.
أي: ما دمت تذنب وتستغفر فإني أغفر لك.
والثاني:
قال نبينا صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» رواه أحمد.
قال تعالى: } وَمَن يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا{ [النساء/110].
4/ لا حظّ للمشرك من هذه المغفرة.
فإن رحمة الله التي وسعت كل شيء لم تسع الشرك وأهله، قال تعالى:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{ [النساء:48]. وقال:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا{ [النساء:116].
5/ ولا حظّ للمشاحن كذلك.
و المشاحن: الذي بينه وبين أخيه شحناء، فكم حرم نفسه من الخير!!
وقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» رواه أبو داود والترمذي. فالخصومات ثلمة في الدين، ونقص في الإيمان.
أحاديث لا تثبت في ليلة النصف.
منها:
«إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها».
«يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة».
«من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد بعث الله إليه مئة ألف ملك يبشرونه».
«من أحيا ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه في يوم تموت القلوب».
هل ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة في الدخان؟
من الخطأ أن يعتقد الإنسان أن الليلة المذكورة في الآية: }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ{ [الدخان/3]. هي ليلة النصف من شعبان، فلقد دل القرآن الكريم على أنّ نزول القرآن كان في ليلة القدر، قال تعالى: } إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{ [القدر:1] ، وليلة القدر ليست في شعبان، وإنما في رمضان، لقول الرحيم الرحمن: } شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{ [البقرة:185].
تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة.
من السلف –كما ذكر ابن تيمية والهيتمي – من كان يعظم ليلة النصف من شعبان، ويجتهد فيها، ومنهم من نهى عن ذلك، قال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى:" وأما الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا – ليلة النصف - وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا فَاعِلُهَا، وَإِنْ جَاءَ أَنَّ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَمَكْحُولٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَلُقْمَانَ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ مَا ابْتَدَعُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا بِآثَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ عُلَمَاء الْحِجَازِ كَعَطَاءٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: وَذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ؛ إذْ لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ"([8]).
ومن آداب القرآن ما جاء في قول الرحمن: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{ [النساء:59].
فرددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله، فوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأمر المحدث، والمحدث ما لا دليل فيه، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري ومسلم.
فلا يشرع أن يخص المرء ليلة النصف من شعبان بصلاة وقيام، ولا يومها بصيام، ففرق بين فعل العبادة، وبين تخصيصها بزمان أو مكان، قال رسولنا عليه الصلاة والسلام مؤصلا ذلك: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» رواه مسلم.
أما الدعاء فقد ثبت ما يدل على مشروعية الإكثار منه فيها.