أما كنت في عالم العدم؟
((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)).
مسكين هذا الإنسان... حقير هذا الإنسان... صغير هذا الإنسان، أتى من ماء وأتى من عالم العدم وأتى من نطفة، فلما مشى على الأرض تكبَّر وتجبر ونسي الله الواحد الأحد.
في المسند للإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن جحش قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاقاً ثم وضعه في راحته ثم أخذ يديره بأصبعه ويقول: يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم خلقتك من مثل هذا ثم ربيتك، فلما تربيت جمعت ومنعت ومشيت على الأرض وللأرض منك وئيد، ثم قلت: لن يعيدني كما أنشأني أول مرة) (1) .
ثم قال سبحانه وتعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ))،
من هذا المجرم الذي اعترض على قدرة الله؟
هذا المجرم هو: العاص بن وائل الذي أكثر الله ماله وولده ولكنه كفر بلا إله إلا الله.
أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ وفتَّته ونفخة أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟
فقال صلى الله عليه وسلم: (يميتك الله، ثم يبعثك الله، ثم يدخلك الله النار) (1) .
فيقول الله: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا)) أتى يضرب لنا الأمثال ونسي مكرماتنا، ونسي معروفنا، ونسي جميلنا ونعمنا، وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم : ((وَنَسِيَ خَلْقَهُ))
من الذي أنشأه من العدم؟
من الذي أغناه من الفقر؟
من الذي أمشاه على رجليه؟ ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ))
فما له نسينا اليوم؟
هذا العاصي قُتل في بدر كافراً بالله العظيم، فهذه خاتمة كل مستكبر عنيد.
هذا العاصي أتاه واحد من الفقراء المسلمين وقد عمل له عملاً فقال: يا أبا عمرو أعطني أجرتي.
قال: أتؤمن بمحمد؟
قال: نعم.
قال: أتؤمن بأن الله يبعثنا يوم القيامة؟
قال: نعم.قال: فإذا بعثنا الله أعطيتك!! ((قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ))، والله لنبعثن كما نستيقظ... حفاة عراة غُرلاً بُهماً كما خُلقنا أول مرة ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)).
نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله.
ولا يأمن من مكر الله ولا من عذاب الله ولا من لعنة الله إلاَّ من أمّنه الله
: ((
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)).
صح (1) عنه صلى الله عليه وسلم أن الإِنسان يخرج من قبره للبعث فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ ترقوته، ومنهم من يبلغ سُرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فلا يتكلم: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا))، ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)).
قال أهل العلم: الشجرة بذرة أنبتها الله ورعرعها بالماء ثم يبست وأصبحت حطباً يوقد به النار.
وقال بعضهم: هما شجرتا: المرخ والعفار من شجر الحجاز ، إذا ضربت إحداهما بالأخرى انقدح الشرار.
((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))
يا أيها الإِنسان... انظر إلى السموات بلا عمد.
يا أيها الإنسان! انظر إلى الأرض في أحسن مدد، تفكَر في مَن أتى بالهواء؟
ومَن سير الماء؟
ومن جعل الطيور تتراد بالنغمات؟
ومن جعل الرياح غاديات رائحات؟
ومن فخر النسمات؟
ومن خلقك في أحسن تقويم؟
((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)).
سبحان الله! ما أقدر الله.
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون].
أي: لو لم يكن هناك بعث ونشور لأكل الأقوياءُ الضعفاءَ، وأخذ الظلمة الظالمين، وتجبر المتجبرون في الأرض.
مَثِّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي وما لك نور
حرّمت كاسات المُدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور
متى يستفيق من لم يستفق اليوم؟
متى يتوب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟
متى يحاسب نفسه من لم يحاسبها قبل العرض على الله؟
خرج إبراهيم عليه السلام يوماً من الأيام فرأى جثة حيوان ميت على الشاطئ تأكلها السباع.
فوقف عليها متعجباً وهو يقول في نفسه: كيف يعيدها الله يوم القيامة وقد أكلتها السباع والطيور؟
قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)).
في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) (1) ، أي: لو كان إبراهيم يشك لكنا نحن أضعف وأولى أن نشك، ولكن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لا يشك.
((قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) أي: لأزداد يقيناً إلى يقيني، وإيماناً إلى إيماني، فليس الخبر كالمعاينة.
قال الله: ((قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) أي قطعهن ومزقهن.
فقطع رؤوسها وفصل أرجلها وأكتافها وأيديها وفرق ريشها ثم خلط الأربعة.
فقال الله له: ((اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا)) فأخذ كل مجموعة من اللحم والعظام والريش فجمعه ووزَّعه على أربعة جبال ثم نزل في الوادي. ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا)) فلما نزل قال: أيتها الطير تعالي بإذن الله تعالى، فبعث الله الأرواح فيها وكانت رؤوس الطير في يده فأقبل الريش والعظم وكل طائر يدخل في رأسه، فلما تركبت أجسامها في رؤوسها طارت ((وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
فيا من شك في قدرة الله! ويا من شك في البعث والنشور!
ترقب يوم يبعث الله الأولين والآخرين، يوم يناديهم ليوم لا ريب فيه ((يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ))
فاعمل لذاك اليوم وتزيَّن ليوم العرض على الله، والبس لباس التقوى وأكثر من الحسنات والأعمال الصالحة... فإنك راحل ولا بد.
((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).
أسأل الله أن يزيد إيماننا ويقيننا بهذا اليوم حتى نستعد له حق الاستعداد. والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللهم ارزقنــا حسن الختــام .. وغفـران الآثــام .. وفــوز الجِنــان ..وعتـق النــيران
من كتاب / وجاءت سكــرة المـوت بالحـق
للشيخ . د / عـائـض عبدالله القرني
((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)).
مسكين هذا الإنسان... حقير هذا الإنسان... صغير هذا الإنسان، أتى من ماء وأتى من عالم العدم وأتى من نطفة، فلما مشى على الأرض تكبَّر وتجبر ونسي الله الواحد الأحد.
في المسند للإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن جحش قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاقاً ثم وضعه في راحته ثم أخذ يديره بأصبعه ويقول: يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم خلقتك من مثل هذا ثم ربيتك، فلما تربيت جمعت ومنعت ومشيت على الأرض وللأرض منك وئيد، ثم قلت: لن يعيدني كما أنشأني أول مرة) (1) .
ثم قال سبحانه وتعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ))،
من هذا المجرم الذي اعترض على قدرة الله؟
هذا المجرم هو: العاص بن وائل الذي أكثر الله ماله وولده ولكنه كفر بلا إله إلا الله.
أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ وفتَّته ونفخة أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟
فقال صلى الله عليه وسلم: (يميتك الله، ثم يبعثك الله، ثم يدخلك الله النار) (1) .
فيقول الله: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا)) أتى يضرب لنا الأمثال ونسي مكرماتنا، ونسي معروفنا، ونسي جميلنا ونعمنا، وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم : ((وَنَسِيَ خَلْقَهُ))
من الذي أنشأه من العدم؟
من الذي أغناه من الفقر؟
من الذي أمشاه على رجليه؟ ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ))
فما له نسينا اليوم؟
هذا العاصي قُتل في بدر كافراً بالله العظيم، فهذه خاتمة كل مستكبر عنيد.
هذا العاصي أتاه واحد من الفقراء المسلمين وقد عمل له عملاً فقال: يا أبا عمرو أعطني أجرتي.
قال: أتؤمن بمحمد؟
قال: نعم.
قال: أتؤمن بأن الله يبعثنا يوم القيامة؟
قال: نعم.قال: فإذا بعثنا الله أعطيتك!! ((قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ))، والله لنبعثن كما نستيقظ... حفاة عراة غُرلاً بُهماً كما خُلقنا أول مرة ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)).
نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله.
ولا يأمن من مكر الله ولا من عذاب الله ولا من لعنة الله إلاَّ من أمّنه الله
: ((
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)).
صح (1) عنه صلى الله عليه وسلم أن الإِنسان يخرج من قبره للبعث فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ ترقوته، ومنهم من يبلغ سُرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فلا يتكلم: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا))، ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)).
قال أهل العلم: الشجرة بذرة أنبتها الله ورعرعها بالماء ثم يبست وأصبحت حطباً يوقد به النار.
وقال بعضهم: هما شجرتا: المرخ والعفار من شجر الحجاز ، إذا ضربت إحداهما بالأخرى انقدح الشرار.
((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))
يا أيها الإِنسان... انظر إلى السموات بلا عمد.
يا أيها الإنسان! انظر إلى الأرض في أحسن مدد، تفكَر في مَن أتى بالهواء؟
ومَن سير الماء؟
ومن جعل الطيور تتراد بالنغمات؟
ومن جعل الرياح غاديات رائحات؟
ومن فخر النسمات؟
ومن خلقك في أحسن تقويم؟
((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)).
سبحان الله! ما أقدر الله.
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون].
أي: لو لم يكن هناك بعث ونشور لأكل الأقوياءُ الضعفاءَ، وأخذ الظلمة الظالمين، وتجبر المتجبرون في الأرض.
مَثِّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي وما لك نور
حرّمت كاسات المُدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور
متى يستفيق من لم يستفق اليوم؟
متى يتوب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟
متى يحاسب نفسه من لم يحاسبها قبل العرض على الله؟
خرج إبراهيم عليه السلام يوماً من الأيام فرأى جثة حيوان ميت على الشاطئ تأكلها السباع.
فوقف عليها متعجباً وهو يقول في نفسه: كيف يعيدها الله يوم القيامة وقد أكلتها السباع والطيور؟
قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)).
في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) (1) ، أي: لو كان إبراهيم يشك لكنا نحن أضعف وأولى أن نشك، ولكن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لا يشك.
((قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) أي: لأزداد يقيناً إلى يقيني، وإيماناً إلى إيماني، فليس الخبر كالمعاينة.
قال الله: ((قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) أي قطعهن ومزقهن.
فقطع رؤوسها وفصل أرجلها وأكتافها وأيديها وفرق ريشها ثم خلط الأربعة.
فقال الله له: ((اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا)) فأخذ كل مجموعة من اللحم والعظام والريش فجمعه ووزَّعه على أربعة جبال ثم نزل في الوادي. ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا)) فلما نزل قال: أيتها الطير تعالي بإذن الله تعالى، فبعث الله الأرواح فيها وكانت رؤوس الطير في يده فأقبل الريش والعظم وكل طائر يدخل في رأسه، فلما تركبت أجسامها في رؤوسها طارت ((وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
فيا من شك في قدرة الله! ويا من شك في البعث والنشور!
ترقب يوم يبعث الله الأولين والآخرين، يوم يناديهم ليوم لا ريب فيه ((يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ))
فاعمل لذاك اليوم وتزيَّن ليوم العرض على الله، والبس لباس التقوى وأكثر من الحسنات والأعمال الصالحة... فإنك راحل ولا بد.
((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).
أسأل الله أن يزيد إيماننا ويقيننا بهذا اليوم حتى نستعد له حق الاستعداد. والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللهم ارزقنــا حسن الختــام .. وغفـران الآثــام .. وفــوز الجِنــان ..وعتـق النــيران
من كتاب / وجاءت سكــرة المـوت بالحـق
للشيخ . د / عـائـض عبدالله القرني