قد ذكر ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان ما ملخصه: أن القلوب تنقسم إلى صحيح وسقيم وميت، فالقلب الصحيح السليم ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق تام الانقياد والقبول له. والقلب الميت القاسي لا يقبله ولا ينقاد له. والقلب المريض إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي، وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم.
والقلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه رضي ربه أم سخط... فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه، فالهوى إمامه والشهوة قائده، والجهل سائقه والغفلة مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، ينادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد ولا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطان مريد، الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه.. قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلب على قلبين؛ قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض.
ثم قال: فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذي الضار وذلك باجتناب الآثام والمعاصي وأنواع المخالفات، وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له وذلك بالتوبة النصوح واستغفار غافر الخطيئات.
وقال أيضاً: جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه... وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره فيصير القلب محباً للرشد مبغضاً للغي. ونسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا،