قال العلامة ابن القيم_رحمه الله تعالى_:"وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نعيم يشبه نعيم أهل الْجنَّة إِلَّا هَذَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:"حبب إِلَيّ من دنياكم النِّسَاء وَالطّيب وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة". فَأخْبر أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا شَيْئَانِ النِّسَاء وَالطّيب ثمَّ قَالَ وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة.
وقرة الْعين فَوق الْمحبَّة فَإِنَّهُ لَيْسَ كل مَحْبُوب تقر بِهِ الْعين وَإِنَّمَا تقر الْعين بِأَعْلَى المحبوبات الَّذِي يحب لذاته وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وكل مَا سواهُ فَإِنَّمَا يحب تبعا لمحبته فيحب لأَجله وَلَا يحب مَعَه فَإِن الْحبّ مَعَه شرك وَالْحب لأَجله تَوْحِيد"( 1).
وَالْمَقْصُود أَن مَا تقر بِهِ الْعين أَعلَى من مُجَرّد مَا يُحِبهُ فَالصَّلَاة قُرَّة عُيُون المحبين فِي هَذِه الدُّنْيَا لما فِيهَا من مُنَاجَاة من لَا تقر الْعُيُون وَلَا تطمئِن الْقُلُوب وَلَا تسكن النُّفُوس إِلَّا إِلَيْهِ والتنعم بِذكرِهِ والتذلل والخضوع لَهُ والقرب مِنْهُ وَلَا سِيمَا فِي حَال السُّجُود وَتلك الْحَال أقرب مَا يكون العَبْد من ربه فِيهَا وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:" يَا بِلَال أَرحْنَا بِالصَّلَاةِ". فَأعْلم بذلك أَن رَاحَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة كَمَا أخبر أَن قُرَّة عينه فِيهَا فَأَيْنَ هَذَا من قَول الْقَائِل نصلي ونستريح من الصَّلَاة.
فالمحب رَاحَته وقرة عينه فِي الصَّلَاة والغافل المعرض لَيْسَ لَهُ نصيب من ذَلِك بل الصَّلَاة كَبِيرَة شاقة عَلَيْهِ إِذا قَامَ فِيهَا كَأَنَّهُ على الْجَمْر حَتَّى يتَخَلَّص مِنْهَا وَأحب الصَّلَاة إِلَيْهِ أعجلها وأسرعها فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُرَّة عين فِيهَا وَلَا لِقَلْبِهِ رَاحَة بهَا وَالْعَبْد إِذا قرت عينه بِشَيْء واستراح قلبه بِهِ فأشق مَا عَلَيْهِ مُفَارقَته والمتكلف الفارغ الْقلب من الله وَالدَّار الْآخِرَة الْمُبْتَلى بمحبة الدُّنْيَا أشق مَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وأكره مَا إِلَيْهِ طولهَا مَعَ تفرغه وَصِحَّته وَعدم اشْتِغَاله.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن الصَّلَاة الَّتِي تقر بهَا الْعين ويستريح بهَا الْقلب هِيَ الَّتِي تجمع سِتَّة مشَاهد:
المشهد الأول: ( الْإِخْلَاص ). وَهُوَ أَن يكون الْحَامِل عَلَيْهَا والداعي إِلَيْهَا رَغْبَة العَبْد فِي الله ومحبته لَهُ وَطلب مرضاته والقرب مِنْهُ والتودد إِلَيْهِ وامتثال أمره بِحَيْثُ لَا يكون الْبَاعِث لَهُ عَلَيْهَا حظا من حظوظ الدُّنْيَا أَلْبَتَّة بل يَأْتِي بهَا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى محبَّة لَهُ وخوفا من عَذَابه ورجاء لمغفرته وثوابه.