من المهم أن ندعو ونلح ونرضى بما يأتينا من الله تبارك وتعالى، والدعاء له تأثير عظيم جدًّا خاصة إذا تحريت الآداب المذكورة والشرائط التي أشرنا إليها.
ولا شك أن الدعاء سلاح عظيم يملكه المؤمن، والمؤمن إذا دعا الله ينبغي أن يدعو الله بقلب خاشع، بقلب حاضر، يدعو الله بيقين، يدعو الله وهو موقن بالإجابة، يدعو الله وهو مقبل على الله، يدعو الله ويعزم في المسألة، يدعو الله ويكرر ويلح في دعائه، يبدأ بالثناء على الله ثم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرفع حاجته، ثم يختم بالصلاة على النّبي عليه صلوات الله وسلامه.
فإذن أنت لست خاسر، فلا تتوقف عن التوجه إلى الله تبارك وتعالى، ولكن اعلم أن الإجابة من الله تتنوع، فقد يستجيب الله الدعاء، أو يدخل لك الأجر، أو يرفع عنك من البلاء النازل والمصائب النازلة مثلها، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، فلا يرد قدر الله إلا بقدر الله، والدعاء من القدر، والفقيه من يرد أقدار الله بأقدار الله تبارك وتعالى، والذي يتخذ الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.
وإذا دعا الإنسان وراع هذه الآداب وغيرها وتحرى أوقات الإجابة - عند السجود، دبر الصلوات المكتوبات، جوف الليل الأخير، عند نزول الغيث، عند السفر، بين الأذان والإقامة، ساعة من يوم الجمعة، تحرى أوقات الإجابة وفعل ما عليه - كذلك أن يوقن أن الإجابة من الله تتنوع، فإنه ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته، وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثلها، وإما أن يرفع عنه من البلاء والشرور مثلها.
فالقضاء من الله، والدعاء توجه إلى الله تبارك وتعالى، والدعاء والقضاء يتعالجان بين السماء والأرض، فإذا كان الداعي قوي موقن يدعو الله بصدق وإلحاح وإخلاص ردّ الدعاء القضاء بأمر الله وفضله وإذنه، وإذا كان فيه شيء من الضعف ظل الدعاء والقضاء يتعالجان بين السماء والأرض، وإذا كان في الدعاء ضعف نزل البلاء ولكن بلطف وبتخفيف بسبب ذلك الدعاء.
فعليك أن تُكثر من الدعاء واللجوء إلى الله، ولكن من المهم أن تكون راضي بما يُقدره الله، قال ابن القيم الجوزي: (كانوا يسألون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلُك لا يُجاب، أو: لعل المصلحة في ألا أُجاب) مثلك لا يُجاب: فيراجع نفسه ويلح في الدعاء، ويتجنب الذنوب والمعاصي، ويُكثر من الاستغفار، ثم يعيد الكرة. ولعل المصلحة في ألا أُجاب: وهذا معنى مهم، لأن الإنسان قد يمنعه الله إجابة الدعاء لأن هذا فيه مصلحته، فالإنسان قد يسأل سيارة يمنعه الله لأن موته سيكون عليها، يسأل الله أموال لا يعطيه الله لأن فساد دينه سيكون عليه.