الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

ورد الصلاة المشيشية مع شرح أسرار الورد ومعانيه

مملكة الصلاة على الحبيب محمد (ص)

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • روزكنزي
    كاتب الموضوع
    أعضاء نشطين
    • Oct 2010
    • 12874 
    • 508 




    { اللهم صلِّ على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار ، وفيه ارتقت الحقائق ، وتنـزَّلت علومُ آدم فأعجز الخلائق ، وله تضاءلت الفهومُ فلم يدركه منَّا سابقٌ ولا لاحق ، فرياضُ الملكوت بزهرِ جمالِهِ مونقة ، وحياضُ الجبروت بفيضِ أنوارِهِ متدفقة ، ولا شيء إلا وهو به منوط ، إذ لولا الواسطةُ لذهبَ ( كما قيل ) الموسوط ، صلاةً تليقُ بك منك إليه كما هو أهله ، اللهم إنَّه سركَ الجامعُ الدَّالُ عليك ، وحجابُكَ الأعظمُ القائمُ لك بين يديك ، اللهم ألحقني بنسبهِ ، وحققني بحسبه ، وعرفني إياهُ معرفةً أسلمُ بها من موارد الجهل ، وأكرعُ بها من موارد الفضل ، واحملني على سبيله إلى حضرتِكَ حملاً محفوفاً بنصرتك ، واقذِف بي على الباطل فأدمغه ، وزجَّ بي في بحار الأحدية ، وانشلني من أوحال التوحيد ، وأغرقني في عين بحر الوحدة ، حتى لا أرى ولا أسمعَ ولا أجد ولا أحس إلا بها ، واجعلِ الحجابَ الأعظمَ حياةَ روحي ، وروحَهُ سِرُّ حقيقتي ، وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول ، يا أولُ يا آخرُ يا ظاهرُ يا باطن اسمع ندائي بما سمعتَ به نداء عبدك زكريا ، وانصرني بك لك ، وأيدني بك لك ، واجمع بيني وبينك ، وحل بيني وبين غيرك ، الله ، الله الله ، ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّكَ إلى معاد ) ، ( ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشداً ) } .




    ( شرح صلاة ابن مشيش رضي الله عنه ) بسم الله الرحمن الرحيم اللهم : أي يا الله ، واسم الجلالة هذا علم على الذات الأقدس الواجب الوجود ، المستحق لكل كمال وجمال ، الدال علية تعالى دلالةً جامعةً لمعاني أسمائه الحسنى كلها ما علم منها وما لم يعلم . صلِّ: أي ارحم رحمةً مقرونةً بالتعظيم والثناء والمغفرة والبركة والتشريف والتكريم . وتعظيمه في الدنيا يكون : بإعلاء ذكره ، وإظهار دينه ، وإبقاء شريعته . وفي الآخرة يكون : بجزيل مثوبته ، وتشفعه في أمته ، وإبداء فضله بالمقام المحمود وغيره . على من منه انشقت الأسرار : أي على من انفتح واتضح وظهر بنوره صلى الله عليه وسلم ما كان خفياً من العلوم والمعارف المستفادة منه عليه الصلاة والسلام ، ومنها اطلع العارفون على أسرار الذات والصفات والأفعال وانفلقت الأنوار : أي انفتح بأصل خلقه باب الأنوار الحسية والمعنوية من الإيمان واليقين والمعرفة . وفيه ارتقت الحقائق : أي بظهوره عليه الصلاة والسلام ظهرت وارتفعت حقائق الأشياء وعرف الحق من الباطل ." "وتنـزلت علوم آدم فأعجز الخلائق : أي جميع العلوم التي نزلت على آدم عليه السلام ، نزلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وزاد عليه علم حقائق المسميات وغيرها ، فأعجز جميع المخلوقات من الأولين والآخرين ملائكةً وغيرهم . وله تضاءلت الفهوم : أي تصاغرت وكلت وعجزت ووقفت عقول وأفهام الخلائق جميعاً عن التطاول لنيل معارفه وأسراره وما منحه الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم من العلوم ، فلم يدركوا كمالها ، وكذلك تصاغرت أفهام الخلائق عن إدراك حقيقته عليه الصلاة والسلام . فلم يدركه منا سابق ولا لاحق : أي جميع البشر السابقين له في الوجود كآدم عليه السلام والآتين بعده كالصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومن بعدهم إلى قيام الساعة لم ولن ندرك حقيقة مقامه أو مكانته أو علومه ، ولا يُدرَكُ ذلك إلا في الآخرة لكشف الحجاب عن الخلائق آنذاك . فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة : أي أن نور جمال المصطفى صلى الله عليه وسلم زَيّن ونضّر وزركش عالم الملكوت وهو : ( ما غاب عنا من المحسوسات كالجنة والعرش والكرسي ) . وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة : أي أن إمداد بحر علمه الممتلئ صلى الله عليه وسلم من عالم الأسرار والعلوم والمعارف لا ينقطع عن قلوب العارفين والعلماء الربانيين والفقهاء النجباء المخلصين .




    ولا شيء إلا وهو به منوط : أي لا يوجد شيء من الأشياء من إنسٍ وجن وملك وجماد ومحسوس ومعقول وعالم سفلي وعالم علوي إلا وهو مرتبط بالنبي صلى الله عليه وسلم ومتعلق به من جملة الوجود والإمداد ." "إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط : أي أنه صلى الله عليه وسلم هو سبب النعمتين اللتين ما خلا كل موجود عنهما ، ولا بد لكل مُكوَّن منهما : 1- نعمة الإيجاد . 2- ونعمة الإمداد . إذ لولا أسبقية وجوده ما وجد موجود ، ولولا سريان نوره في الكون (الشريعة والقرآن) لهدمت دعائمه . فقد روى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ، ونفخت فيَّ من روحك ، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا اله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله تعالى : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليَّ ، وإذ سألتني بحقه قد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك )




    قال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم ، ورواه الحاكم وصححه والطبراني وزاد فيه ( وهو آخر الأنبياء من ذريتك ) . وذكر العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية ( 1/ 69ـ70 ) أنه لما خلق الله تعالى آدم ألهمه أن قال : يا رب لمَ كنيتني أبا محمد ؟ قال الله تعالى : يا آدم ارفع رأسك ، فرفع رأسه فرأى نور محمد صلى الله عليه وسلم في سرادق العرش . فقال يا رب ما هذا النور ؟ قال : هذا نور نبي من ذريتك اسمه في السماء أحمد وفي الأرض محمد لولاه ما خلقتك ولا خلقت سماءً ولا أرضاً . وعند ابن عساكر من حديث سلمان كما ذكر العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية ( 1/83 ) قال : هبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقول : إن كنتُ اتخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيباً ، وما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك ، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنـزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا . صلاةً تليق بك منك إليه كما هو أهله : أي يا الله صل بجنابك وإحسانك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاةً كاملةً مخصوصةً موصولةً منك إليه بدون واسطة تناسب عظيم قدره ومقداره لديك إذ لا يعرف حق قدره ومقداره إلا أنت . فقد أخرج الطبراني وأبو نُعيم وابن النجار والخطيب بالسند عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال جزى الله عنا محمداً ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباح ) وفي رواية ( ألفي صباح ) . اللهم إنه سرك الجامع : أي يا الله إن هذا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام معدن سرك الجامع لما تفرق في غيره ، إذ ما أّعطيه غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلاماته عليهم من الكمالات والمعارف والعلوم والبركات والمعجزات مجموع فيه صلى الله عليه وسلم و زاد عليهم بالمنح الإلهية والعطايا الربانية ما لا يعلمه إلا صاحب المن والعطاء اللطيف الخبير ." "الدال عليك : لكونه صلى الله عليه وسلم هادياً للخلائق جميعاً ، ومرشداً لهم ، ومعرفاً لهم الطريق الموصلة إلى الله تعالى بأقواله وأفعاله ، وكل دال على الله تعالى إنما يدل عليه بدلالته صلى الله عليه وسلم ، فنبوته صلى الله عليه وسلم جمعت سائر النبوات ، ونوره صلى الله عليه وسلم جمع سائر الأنوار ، وكتابه صلى الله عليه وسلم جامع لجميع الكتب المنـزلة . وحجابك الأعظم : أي المانع الأعظم للعقول حيث عقلها بعقال شرعه عن النظر في حقيقة الذات الإلهية ،



    لما رواه أبو الشيخ عن أبي ذر رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام



    ( تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فتهلكوا ) وهو المانع الأعظم للمؤمنين من العذاب بإرشادهم ودعائهم إلى الإيمان ، وهو حجاب رحمة بين العبد وهيبة ربه ، وبواسطته تلقَّى المؤمنون شرع ربهم ، وهو مانع المضار الدنيوية والأخروية عن أمته ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) ، وبما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حجب لأممهم فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمهم ، فلا يمكن لأحد الوصول إلى الله تعالى إلا عن طريق شرعه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم . القائم لك بين يديك : أي القائم أتم قيام بتكاليف الرسالة وتوفية حقوقها لأجلك يا الله تعظيماً وإجلالاً ، قيام الخادم بين يدي المخدوم إذ شرعه الشريف صلى الله عليه وسلم زاجر عن انتهاك حرماتك ، ومانع عظيم عن إساءة الأدب معك سبحانك ، فهو داعي الخلق إليك بك من غير واسطة بينك وبينه ، قائم بحضرة القرب المعنوي منهمك في طاعتك . اللهم ألحقني بنسبه : أي أدم عليَّ يا الله نعمة الثبات على دينه صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً قولاً وحالاً ، واختم لي بالحسنى على ذلك حتى أكون من رفقائه صلى الله عليه وسلم في دار نعيم الوصال . وحققني بحسبه : أي وفقني يا الله للتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ، واجعلني من المهتدين بهديه ، المقتفين للتقوى بكتابه وسنته في أقواله وأفعاله وأحواله ، إذ متابعته صلى الله عليه وسلم موجبة للرحمة في الدنيا وموجبة للفلاح في الآخرة ، وموجبة للرفع إلى أعلى الجنان ، وموجبة للمحبة من الله تعالى ." "وعرفني إياه معرفةً أسلم بها من موارد الجهل ، وأكرع بها من موارد الفضل : أي يا الله عرفني على مصطفيك معرفةً تامةً حتى لا أقع بالجهل المفسد للأديان ، لأنه صلى الله عليه وسلم المرآة الكبرى والواسطة العظمى ، فمعرفته موصلة إلى معرفة الله تعالى ، وعلى حسب معرفته صلى الله عليه وسلم تكون معرفة الله تعالى ، إذ هو باب الله الأعظم ، ومعرفته تثمر مقام المحبوبية عند الله تعالى ، فان محبة الله تعالى لعبده على حسب محبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته ، ومحبة العبد له على قدر معرفته واطلاعه على جماله ونواله وشرعه ، فان العلم فيه كالماء الزلال النافع لحياة القلوب والأرواح والأجساد والأشباح . واحملني على سبيله إلى حضرتك حملاً محفوفاً بنصرتك : أي يا الله اسلك بي طريقته ، واجعلني عاملاً بشريعته وسنته لأنها سبيل الوصول إلى الحضرة العلية ، محفوظاً من كل عائق حتى أصل إليك بعنايتك ( وهذا مقام السائرين إلى الله تعالى المستدلين بالصنعة على الصانع ) . واقذف بي على الباطل فأدمغه : أي اجعل الحق يا الله معي ، ليخمد ويذهب الباطل ،



    واجعلني حجةً بالغةً ظاهرةً ليتم لي الاهتداء ويصح بيَ الاقتداء حتى ينـزاح بيَ الباطل ويظهر بيَ الحق . وزجَّ بي في بحار الأحدية : أي يا الله ارم بي في أنوار لا إله إلا الله ، وأدخلني في طائفة المتحققين بالتوحيد الخالص ، حتى تفنى عندي الرسوم ولا يبقى إلا الحي القيوم ، وهذا مقام أهل الفناء المحض الذين غرقوا في توحيد الأحدية فلم يشهدوا سوى ذات الله تعالى العلية ( ويسمى هذا المقام عين الجمع المعبر عنه بتجريد التوحيد ) . وانشلني من أوحال التوحيد : أي خلصني يا الله سريعاً من مخاوف ومزالق الاعتقادات الرديئة الباطلة ومن متشابهات الأحكام التي زلت فيها أقدام الكثيرين إلا من رحم الله تعالى ومما يعرض للسالكين المستدلين بالأشياء على الله تعالى من الشبهات ، فلا تسلك بي مسلك من شطح في كلامه واصطلم ، أو ممن لُبِّسَ عليه الأمر فقال بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، أو ممن غلبت عليه الحقيقة فادعى الجبر ونفى الحكمة والأحكام ، لأن صاحب الفناء إن لم تدركه العناية الإلهية أنكر ثبوت الآثار ومنها الرسل وما جاءوا به بل والعالم برمته ، وتخليصه من تلك الأوحال نقله من مقام الفناء إلى مقام البقاء . وأغرقني في عين بحر الوحدة : أي ردَّني إلى البقاء بعد الفناء لأصلح للخلافة في الأرض وأكمل غيري ، وهو المعبر عنه بجمع الجمع ، إذ يكون الجمع في باطنه موجوداً والفرق على ظاهره مشهوداً ، ولذلك كان مقصوده الزج في بحار الأحدية الدفع لا على سبيل الإغراق بل على سبيل الركوب والمرور ليعلم ما فيها من الذخائر ، وهو مقام الفناء




    ثم الاستغراق في عين بحر الوحدة ( وهي مدد البحر ) حتى يكون ممداً لمن خاض لججه ، ولا يكون ذلك إلا في مقام البقاء ، إذ التوحيد الخالص الكامل هو شهود الذات متّصفةً بالصفات ، فيستدل على الصنعة بالصانع لكونه لا يشهد إلا الله تعالى وصفاته ، والصنعة آثار صفاته ( وهذا مقام العارفين ) . " "حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها : هذا غاية الاستغراق المذكور وهو الغيبة عن الأكوان بشهود المكوِّن ، أي لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس أي أثر من آثار خلق الله تعالى إلا بعد شهوده ، فلا يوجد شيء إلا وهو قائم به سبحانه ، وبقاؤه مستمد بتقدير بقاء الله تعالى له . ولما كان كمال العبودية وكمال التوحيد والمعرفة لا يتم لصاحبه إلا بالاستقاء من يد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي : أي يا الله مد روحي من النبي صلى الله عليه وسلم كما تمد العود الأخضر بالماء ، لأنه صلى الله عليه وسلم حياتها ، فالأرواح التي لا تشاهده ولا تستقي منه كأنها أموات ، وهذه إشارة إلى أن العارف بالله تعالى لا غنى له عن واسطة النبي عليه الصلاة والسلام وإن وصل إلى حضرة القدس ، وفني عن وجوده وفنائه وعن كل شيء في هيبة شهوده ، واجعله يا الله حاجباً لروحي عما فيه هلاكها فتكون حيةً متمتعةً في معرفتك يا الله بسببه ، فانَّ من لم يحتجب بالنبي صلى الله عليه وسلم وقع في المهالك وابتدع وضل وماتت روحه . وروحه سر حقيقتي : أي يا الله اجعل شهود روحه عليه الصلاة والسلام تنقل سر حقيقتي بأن تصير حقيقتي سراً بواسطة ذلك الشهود ، لأن حقيقة الإنسان هي اللطيفة الربانية التي كان بها الإنسان إنساناً ، فتسمى نفساً في مقام الإسلام ، وقلباً في مقام الإيمان ، وروحاً في أول مرتَبَتَي الإحسان وهي المراقبة في أولاها ، والسر في ثانيها وهي المشاهدة . وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول : أي أسألك يا الله بوجودك الحق السابق على كل شيء أن تجعل حقيقتي متوجهةً إلى شهود حقيقته صلى الله عليه وسلم مع عدم الغفلة عن شهود الربوبية والاستغراق فيها ، حتى لا أقع كمن غلط في شهود الواسطة فجعلها مقصداً ، إذ لولا تعريف الله تعالى عباده به ما عرفوه ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) وأسألك يا الله أن تكون عوالمي كلها ( النفس والقلب والروح والسر ) منصرفةً ومتوجهةً إلى شهود النبي عليه الصلاة والسلام الصادقة بعوالمه الشريفة ، واجعل كل أجزائي مشغولةً به ظاهراً وباطناً ، تابعةً له في كل ما أمر به ونهى عنه ، وأعني يا الله على شهوده الآن في عالم الأجساد بعد أن شهد قلبي التوحيد في عالم الأرواح يوم ( ألست بربكم ) إذ هو أول من أجاب بـقوله ( بلى ) ودعا إليه فاستجب لي ما دعوتك به يا الله .



    ثم استغاث في سؤال شهوده صلى الله عليه وسلم بهذه الأسماء الحسنى لما فيها من الدلالة على الإحاطة والقيومية والتنـزيه ، وأدخلَ حرف النداء في أولها تأدباً بإظهار نفسه : يا أول : وهو السابق على كل شيء لقدمه ، كان الله تعالى ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان سبحانه . يا آخر : وهو الباقي الذي يستحيل عدمه ( كل شيء هالك إلا وجهه ) . يا ظاهر : وهو الواضح الربوبية بالدلائل ، والذي ليس فوقه شيء وظهر بصنعه وأفعاله سبحانه . يا باطن : وهو الذي ليس دونه شيء ، والذي تحجب عنا بجلاله ، المحتجب عن الأفهام الذي لا يحيط به تكييف ، فلا يحيط به عقل فيدركه ، جل المهيمن عن الإدراك إذ تاهت عقول ذوي الألباب فيه ، وكلَّت وضلَّت بحار العقل والفكر في ذاته سبحانه ، وإذا كان الإنسان لا يحيط بصفات ذاته فكيف بباريه تعالى ؟ فلا يعرف ذات الله تعالى إلا هو سبحانه وتعالى . ولهذه الأسماء الأربعة خواص عظيمة إذ قالوا : من قال بعد صلاة ركعتين خمساً وأربعين مرةً ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) حصل له مطلوبه أيَّاً كان .



    اسمع ندائي : أي يا الله اسمع دعائي ومناجاتي سماع قبول وإجابة بطلبي الوارث لسري حتى ينتفع به المؤمنون ويكونوا في ميزانه ، والمرء في ميزانه من اتبعه . بما سمعت به نداء عبدك زكريا : أي أقسم عليك يا الله بالاسم الذي سمعت به نداء عبدك زكريا عليه السلام وهو ( المجيب الرحيم ) بطلبه أمراً عظيماً وهو يحيى عليه السلام ليرثه في النبوة والعلوم والمعارف ( رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ) ( فهب لي من لدنك ولياً يرثني ) ( يا زكريا إنَّا نبشرك بغلام اسمه يحيى ) ، فأعطاه الله تعالى القطب الكبير سيدي أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه فورثه في الطريق والعلوم والمعارف وكان على يديه الفتح والانتشار ." "وانصرني بك لك : أي باسمك المعين النصير قوني بحولك وقوتك لا بالأسباب والوسائط من أجل أن أقوم بأداء ما كلفتني به من الأمور الدينية والوظائف الشرعية مخلصاً لوجهك الكريم لا لأغراض نفسي حتى أكون عبداً على الحقيقة لك فهو منك وإليك . وأيدني بك لك : أي باسمك القوي المتين قوني من أجل أن أقوم بقهر أعدائك وردهم إلى القيام بحقك ، وأعطني سراً من عندك لأزداد قوة إيمان ويقين وصبر على البلاء بحيث تصير البلايا عطايا ، فأصبر شاكراً على السراء حامداً على الضراء وكل ذلك لمرضاتك . واجمع بيني وبينك : أي يا الله أزل حجاب الغفلة عن قلبي وكل شاغل يشغلني عنك ، ولا تحجبني عن نور مشاهدتك طرفة عين ( وهذه تحلية ) . وحل بيني وبين غيرك : أي أدم يا الله الحيلولة بيني وبين كل قاطع يقطعني أو يحجبني أو يبعدني عنك ، وصن قلبي من الأغيار واحرسه بدوام الأنوار ( وهذه تخلية ) . الله ، الله ، الله : أتى بالاسم الجامع الأعظم مجرداً عن حرف النداء لئلا يُشعر بالبعد استغراقا في الله تعالى وفناءً فيه ، وجعل ذكره ثلاثاً تبركاً واستلذاذاً ، وإشارةً إلى الخروج عن العوالم الثلاثة : عالم الأفعال ، وعالم الصفات ، وعالم الذوات ،


    فان مراتب الفناء ثلاثة : 1- فناء في الأفعال : بدوام رؤية أن لا معز ولا مذل ولا مانع ولا معطي إلا الله تعالى .


    2- وفناء في الصفات : بدوام رؤية أن لا عالِم ولا قادر ولا مريد ولا حي إلا الله تعالى .


    3- وفناء في الذات : بدوام رؤية أن لا موجود إلا الله تعالى . فأتى بهذا الاسم العظيم إيقاظاً للأرواح ، وتنبيها لها على التعلق به والتخلي عما سواه ، وتكراره تثبيت معناه في الباطن وتأكيده في القلوب ، وقد قيل : الحكمة في ذلك التكرار أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يلقن أصحابه الذكر ثلاثاً ، وأن الله وتر ، وأن منبره صلى الله عليه وسلم ثلاثُ درجات كلما صعد على واحدة قال : الله ، ـ فاقتدى به ـ ، وأن النفوس ثلاثة : أمارة ولوامة ومطمئنة . فإذا قال الاسم الجليل أولاً خرج من الأمارة ، وخرج ثانياً من اللوامة ، ووصل ثالثاً إلى المطمئنة ." "{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادَّك إلى معاد } : الحكمة من ذكره هذه الآية الكريمة والتي قيلت للنبي عليه الصلاة والسلام في تأكيد مراده عليه الصلاة والسلام مما يريد ويتمنى ومما أراده الله تعالى له من المقامات والعطيات ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، فالحكمة هي مناجاته تعالى بقوله : صدقت يا الله وعد حبيبك فاصدق وعدي بكل ما سبق ذكره ، وأنلني ما طلبته . وأراد الشيخ رحمه الله تعالى تنبيه المريد إلى أنه سبحانه هو المعاد الذي ترجع إليه الأمور دنيا وأخرى ، فكن أيها المريد مستغرقاً فيه سبحانه وتعالى ، ولِهاً به ، لتأمن جميع المخاوف وتنهال عليك من جنابه سبحانه جميل اللطائف ، فهو الموجود الخالق المعبود ، والكل يرجع إليه خلقاً وافتقاراً .


    { ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً } : الحكمة من إيثار هذا الدعاء القرآني لأصحاب الكهف على غيره ليناسب ما تقدم ، فان من أوى إلى كهف الفردانية ، ولجأ إلى معاد حرم الصمدانية ، يصير متناسياً كل القواطع والأغيار ، فيسأل من فضل ربه العلي الكبير الذي شاهده ما يريد ، ويستمد منه المساعدة والتيسير ، وفي هذا تنبيه للذاكر والمصلي على الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على أن المقصود الأعظم من ذكره تعالى هو القيام بحق العبودية ، والوقوف تحت أكناف الربوبية ، وأن يكون دائماً متوجهاً بوجه قلبه لحضرة ربه مستمداً منه جميع مطالبه ، سائلاً من نواله سبحانه ما ينفعه في جميع شؤونه وأحواله ليحصل له الأنس به سبحانه ، وبحصول الأنس به تعالى يُقبل على خطابه والتوجه إليه ، ويطلب زيادة الهداية والثبات عليها ، ونبذ جميع الأغيار ، ويطرح كل ما سوى الواحد القهار ، طالباً أن تهبَّ عليه نفحات الرحمة من ربه ، وأن يكون أمره كله رشداً وخيراً وأن يكون له حظ من حال أهل الكهف في الخفاء عن الأضداد والأغيار لكون ذلك اعتناءً من الحق بهم وإعزازاً لهم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وقلل نسياننا وزدنا علماً وفقهنا في الدين وأصلحنا والمسلمين لما تحبه وترضاه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين" اهـ. انتهى الشرح للعارف الحموي



    مواضيع ذات صلة
  • عبدالجواد الادريسى
    أعضاء نشطين
    • Sep 2012
    • 653 

    #2
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    تعليق
    • برلمان
      أعضاء مسجلين
      • Apr 2012
      • 9305 
      • 44 

      #3
      جزاك الله خيرا أختي
      تعليق
      • روزكنزي
        كاتب الموضوع
        أعضاء نشطين
        • Oct 2010
        • 12874 
        • 508 

        #4
        هلا فيك أخي عبد الجواد بارك الله بك
        تعليق
        • روزكنزي
          كاتب الموضوع
          أعضاء نشطين
          • Oct 2010
          • 12874 
          • 508 

          #5
          جزاك الله خيرا أخي برلمان وسدد خطاك
          تعليق
          • سعسوقي
            نائب المدير العام
            • Oct 2015
            • 11749 
            • 6,495 
            • 5,249 

            #6
            شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
            يا هو يا من لا هو الا هو
            تعليق
            يتصفح هذا الموضوع الآن
            تقليص

            الأعضاء المتواجدون الآن 2. الأعضاء 0 والزوار 2.

            يعمل...
            X