أكثر عذاب أهل النار من( سوف ) أي التسويف ، يتعذبون في النار لأن حياتهم كانت في سوف،يقول سوف أتوب سوف أرجع ، سوف أقيم الصلاة ، سوف أصل الرحم ، سوف أعطي الحق لاهل الحق ، سوف ...سوف.... ، ويمر العمر وهو في سوف ، فيكون أكثر عذاب أهل النار ، سيروا إلى الله عرجاً ومكاسير ولا تنتظروا الصحة فإن انتظار الصحة بطالة .
كان أحد الشيوخ العارفين يعرف قيمة الوقت بحق ، وكان وقته كله مشغول ، ذات يوم جاء له أحد تلاميذه بهدية ساعة أول ما ظهرت الساعات ، فلما أحضرها له وجده مشغول قال له ياشيخ أنا أعرف مدى اهتمامك بالوقت فأحضرت لك ساعة تضبط وقتك عليها ، قاله الشيخ مشكور ياولدي حط الساعة هناك إذا لقيت وقت باضبطها ، وانصرف التلميذ، بعد مده من الزمن رجع التلميذ إلى الشيخ فوجده لا زال على حاله من الانشغال فقال : ها ياشيخ قلي كيف عجبتك الساعة ، قال الشيخ مشكور يا ولدي والعفو منك شفنا ما عندي وقت أشوفها ولا أضبطها شل ساعتك ياولدي لعلك تنتفع بها ، فوجدها التلميذ في نفس المكان الذي وضعها بيده !!
أيامنا قد تقضت على الأماني والأوهام
ياذا الكسل كم تؤخر توبتك من عام إلى عام
وليس تدري في عام يأتيك هو ناقص أو تام
وهل تحققت دنيا دامت لأحد أو لها دام
والعمر فان وإن طال لابد من كرة السام
بالسوف السوف تسويف تمضي الليالي والايام
الشاهد أن حال الصادق مع الله هو الذي أخذ من وقته لحاله ما يصلح حاله لقلبه،
ويقوي قلبه ويخلصه لربه، وأخذ من ساعاته لوقته ما يزن به حاله عند ربه،
وأخذ من يومه ساعات صلاحه فيها وحاجته إليها، وأخذ من شهره ليومه فكان شهره يوماً، وكان يومه ساعة، فشغله وقته عن ساعته، وشغله حاله عن وقته ،
فكان على هذا مراعياً لوقته، محافظاً على حاله ، قائماً على نفسه ، جامعاً لهمه ، محصياً لأنفاسه ، مراقباً لرقيبه، مجالساً لحبيبه، لا يخرج عنه نفس في أدنى وقت إلا في ذكر لمذكور، أو شكر على نعمة لمنعم ، أو صبر في محنة عتيدة ، أو رضاً عند شدة شديدة ، فيكون في ذلك كله ناظراً إلى الرقيب مصغياً إلى القريب، سائحاً إلى الحبيب ، لا ينظر إلا إليه ، ولا يعكف إلا عليه ، وقد جعل العمر يوماً واليوم ساعة ، والساعة وقتاً ، والوقت حالاً ، والحال نَفَساً ، والنَفَس مراقبة ، والمراقبة مواجهة ، فتوجه في وجهته فلم ينثني ، وساح في قربه فلم يني ، فكان من الإيمان على مزيد ، ومن اليقين في تجديد ، وأعطى من الحياة الطيبة بغير حساب ، وكشف له عن قلبه الحجاب ، فكانت المعرفة مقامه ، وقصرت عليه أيامه فكان وقته وقتاً لواحد ، وكان قلبه واحداً لواحد ، وهمه منفرداً لمنفرد ، وهذا حال الأبدال الذين هم من الرسل أمثال .
قال سيدنا موسى عليه السلام : يارب أخبرني بعلامتك فيمن تحب حتى أحبه ؟
فأوحى الله إليه ياموسى إذا رأيت العبد يكثر من ذكري فاعلم أني أذنت له وأني أحبه