لمّا افتتح الله تعالى سورة الحديد قال: سَبَّح لله ما في السماوات والأرض .
وكذلك إذا افتتح سورتَي الحشر والصفّ: سَبّح لله ما في السماوات وما في
الأرض .
فإذا افتتح سورة الجمعة قال: يُسبِّحُ لله ما في السماوات وما في الأرض
المَلِكِ القدّوسِ العزيز الحكيم .
وفي افتتاح سورة التغابن: يسبّح لله ما في السماوات وما في الأرض، له المُلك
وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير .
فإذا افتتح سورة الأعلى أمَر بالانتظام فوراً في المعزوفة العظمى.. معزوفة
التسبيح الكوني: سَبِّحِ آسمَ ربِّكَ الأعلى .
وفي سورة النور يَلفِتكَ إلى تلك العجيبة، فيقول: ألَم تَرَ أنّ الله يسبّح
له من في السماوات والأرض، والطيرُ صافّاتٍ كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَهُ
وتسبيحَهُ، والله عليم بما يفعلون ؟! .
ويوجّهك إلى إدامة التسبيح فيقول: فسبحانَ الله حين تُمسُون وحين تُصبحون .
ويوجّهك ضمنَ الامة المؤمنة: اذكُروا الله ذكراً كثيراً، وسَبِّحوه بُكرةً
وأصيلاً .
ثمّ تسمع مفتاح تلك الحقيقة العظمى: وإنْ من شيءٍ إلاّ يُسبِّح بحمدهِ، ولكن
لا تفقهون تسبيحَهُم .
فما سرّ هذه الأمواج التسبيحية، وماذا وراءها ؟
* * *
إنّ كلّ شيء.. من الذرّة إلى المجرّة، يسبّح بحمده. هذه حقيقة لا سبيل إلى
الشك فيها، لكن القضيّة هي أنكم لا تفقهون تسبيحهم .
وتسبيح الأشياء كلها في مجموعها يؤلّف معزوفةً كونية واحدة، يتحقق فيها
الانسجام التامّ، بحيث تتصاعد إلى الله أُنشودةً واحدة جميلة رائعة!
إنّها كلّها تسبّح اسم ربّها، ولذلك كان الأمر: سَبِّحِ اسم ربِّك الأعلى .
كلّ العوالم.. كل الكائنات تقول: « سبحان الله وبحمده ». ولعلّ هذا السرّ في
قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: « كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في
الميزان، حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ».
ولذلك كانت ترانيم أهل الجنّات: دَعواهم فيها سبحانك اللهمّ.. .
فإذا أردت أن تشترك مع الكائنات جميعاً.. أن تشترك مع كلّ ذرّة، وكلّ خليّة،
وكل جبل، وكل طير، وكل سماء، وكل نجم، وكل قمر، وكل شجر، وكل بحر، وكل
مَلَك.. وكلّ شيء في الوجود، فاعزِفْ دائماً: سبحان الله وبحمده. هناك يَحدُث
الارتباط بين موجاتك وموجات الوجود، وتغدو جزءً من المعزوفة الكونية الرائعة.