ألقى فضيلة الشيخ الداعية الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي درس التراويح بجامع عمر بن الخطاب، والذي تحدث فيه عن نماذج مشرقة من بر الوالدين،وذلك ضمن برامج الدروس والمحاضرات التي تنظمها وتشرف عليها إدارة الدعوة بوزارةالأوقاف والشؤون الإسلامية خلال شهر رمضان المبارك، وتستضيف خلالها الوزارة عددا من المشايخ والدعاة من الأئمة والخطباء المحليين ونخبة من العلماء والمشايخ من عدد من البلدان من الخارج.
وذكر الشيخ الدكتور العريفي أن بر الوالدين من أعظم القربات عندالله بل من آكدالواجبات على الإنسان قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا وقال تعالى :واعبدواالله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.
وكذلك أوصانا نبينا الكريم ببر الوالدين ففي الحديث عندما سئل من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال أمك، قال ثم من قال أمك، قال ثم من قال أمك، قال ثم من قال أبوك.
وذكر الشيخ الدكتور العريفي قصة مؤثرةمعبرة عن حسن البر بالوالدين وهي قصة أميه بن اسكر الكنانى فقد كان عنده ولد اسمه كلاب وكان شاباصالحا حريصا.
في يوم من الأيام كان كلاب يمشى في طرقات المدينة فلقي طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام فسألهما عن أى الأعمال أفضل في الإسلام قالا: الجهاد في سبيل الله فذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرسلنى إلى الثغور،والثغور هي مراكز تجعل حول بلاد الإسلام يرابط بها المجاهدون لأجل أن يردوا الأعداء لو هجموا على بلاد المسلمين، قال عمر بن الخطاب: أعندك والدان؟؟ قال: نعم قال: اذهب واستأذنهما فذهب إلى أمه وأبيه فجعل يبكي ويقبل رأس أبيه فأذن له على مضض ثم اقبل إلى عمر بن الخطاب فقال له: إن أبواه قد أذنا له.. فأرسله عمر إلى الثغور. فمرت الأيام واشتد شوق الوالد إلى ولده فقد كان يساعده في وضوئه يقرب إليه طعامه يمشى معه في حاجاته يؤانسه في مجلسه فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره، فجلس أميه بن اسكر تحت شجرة فرأى حمامة تأتى إلى أفراخها وتطعمهم فجعل ينظر إليهم ثم قال:
لمن شيخان قد نشداكلابا
كتاب الله لوعقلا الكتابا
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لاتسيغ لها شرابا
طويلا شوقه يبكيك فردا
على حزن ولا يرجو الإياب
إذا هتفت حمامه بطن وجد
على بيضاتها ذكرا كلابا
فانك ولتمس الأجر بعدى
كباغ الماء يتبع السرابا
ثم اشتد حزنه على ولده حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام، ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم،فعمى فلما عمى اشتد عليه البلاء وصار يتذكر ولده ويراه بين يديه في كل حين فأخذ منشدة ما في قلبه يريد أن يدعوعلى ولده لكن نفسه لم تطاوعه فأخذ يدعو على عمر بن الخطاب ويقول في شعره:
أعادل قد عدلت بغير علم
وما تدرى عادل ما ألاقى
فلا والله ما بليتي وجدي
ولا شفقي عليه ولا اشتياقي
فلو فلق الفؤاد شديدوجد
لهم سواد قلبي بانطلاق
ثم قال: سأستعدي على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوالله مجتهدا عليه
ببطن الأخشبين إلى زقاق
إن الفاروق لم يردد كلابا
علىشيخين هامهما بواق
فاقبل يوما من الأيام أحد من أصحابه
فقال يا أباكلاب تذهب معي في حاجه؟؟
قال:إلى أين قال: اذهب معي فأخذه بيده وهو الأعمى يسوقه حتى ذهب إلى المسجدواقبل إلى حلقة عمر بن الخطاب وأجلسه فيها والشيخ لا يدري انه في مجلس عمر بن الخطاب ثم قال له صاحبه يا أبا كلاب...
قال:نعم قال: أنشدنا من أشعارك، ولشدة تعلقه بولده أول ما تبادر إلى ذهنه الأشعار التي في ولده فقال:
سأستعدى علىالفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعو الله مجتهدا عليه
ببطن الأخشبين إلى زقاق
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين هامهما بواق
فقال: عمرمن هذا؟؟
قال: هذا أميه
قال: ما خبره؟؟
قال: أرسلت ولده إلىالثغور.
قال: ألم يأذن؟؟
قال: أذن على مضض فقام عمر بن الخطاب إلى ديوانه فأرسل مباشرة إلى الثغور (أن ابعثوا إلىكلاب ابن أميه ابن اسكر الكنانى على دواب البريد )
دواب البريد أن الخيل التي تقطع مسافة أسبوع تقطعها هذه الدواب في يوم أو نصف يوم...
دخل كلاب على عمر بن الخطاب
فقال: نعم يا أميرالمؤمنين
قال: اجلس ياكلاب فجلس
قال عمر :مابلغك برك بابيك؟؟
قال: والله ما أعلم شيئا يحبه أبى إلا فعلته قبل أن يطلبه مني ولا أعلم شيئا يبغضه أبى إلا تركته قبل أن ينهاني عنه
قال: زدني
قال : ياأميرالمؤمنين والله إني لا ادخر جهدا أي(لا أقصر معه في بر أو إحسان)
قال : زدني
قال: إني إذا أردتأن احلب له من الناقة آتى بالليل إلى أغزر ناقة في الإبل ثم أنيخها وأعقلها حتى لاتتحرك طوال الليل ثم استيقظ قبيل الفجر واتى إليها فابعثها ثم امضي إلى البئرفاستخرج منه الماء البارد واتى الناقة واغسل ضرعها في الماء حتى يبرد اللبن ثم احلبه وأعطيه أبى ليشرب
قال عمر : عجبا كل هذا لأجل شربة لبن....
قال: وماسواه أعظم يا أمير المؤمنين....
قال : افعل كما كنت تفعل....
قال كلاب : أذهب إلى أهلي يا أميرالمؤمنين....
قال: أول شيء اعملي لبن فمضى إلى الناقة فحلب اللبن ففعل معه كما يفعل مع أبيه فأعطاه إلى عمر بن الخطاب وقال عمر : خذوا كلاب فادخلوه في غرفة وأغلقواعليه الباب
فأرسل عمر إلى الشيخ فأقبل الشيخ يجر خطاه- قد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه_ حتى وقف أمام أميرالمؤمنين
فقال عمر : مابقي من لذاتك في الدنيا؟؟؟
قال: ما بقي لي لذة....
قال فما تشتهى؟؟؟
قالاشتهى الموت
قال أقسمت عليك أن تخبرني بأعظم لذة تتمناها في الدنيا؟؟؟
قال لا تقسم. ...
قال أقسمت عليك اخبرني؟؟؟
قال أتمنى لو أن ولدي كلاب بين يدي أضمه ضمة واشمه شمة قبل أن أموت
قال سيسرك الله بولدك خذ هذا اللبن تتقوى به
قال لا حاجة لي به
قال أقسمت عليك أن تشرب فأخذ اللبن فلما قربه أميه إلى فيه بكى وبكى
فقال والله إني لأشم في ها اللبن رائحة يدي ولدي كلاب فبكى عمر وجعل ينتفض من مكانه وبكى وبكى ثم قال افتحوا الباب لكلاب_ الأب لا يدرى هو سمع اسم كلاب أو لم يسمعه وبدا يتلفت يمينا ويسارا
اقبل الولد إلى أبيه فضمه أبوه إليه حتى كأنهما قد خلطا في جسدواحد/لو أحضرت قوة الدنيا ما استطعت إلا أن يتقطعا جعل الأب يضم ولده تارة ويشمه تارة ويقبله تارة بكى عمر وقال : يا كلاب إن كنت تريد الجنة فتحت قدمي هذا وتحت قدمي العجوز.
(اللهم أعنا على بر والدينا)