لقد تساءل الإنسان في مختلف مراحل عصوره عن هذه الكلمه (الروح) ونحن هنا لسنا في صدد الحيدث عن الروح وماهيتها وقدراتها وأبعادها، إنما نحن بصدد الحديث عن أطوار تلك الروح، والمراحل التي تمر بها، ولكن لن يتسنى لنا الحديث عن أطوار الروح إذا لم نضع بين يدي القارئ حقيقة مبسطة عن الروح، فلقد إنطلق كثير من الناس في الحديث عن الروح، ومهم مفكرين وعالمين في علوم الأديان، ومن أخذتهم أبواب الحكمة والفلسفة وقادتهم للبحث في علوم اللامنظور.
وقد توصلوا الى حقائق كثيرة فمنهم من أتاح لنفسه ولأسباب عقله بالإنطلاق وراء تلك العلوم، وأخذ من بين يديه جميع الأسباب التي تقوده للوصول إلى ذلك العالم ، وقد تحدث الله سبحانه وتعالى عن الروح في هذه الآية الكريمة حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
" ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" الآية (85) سورة الإسراء
يتبين لنا من خلال هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد خص علم الروح بشقين من العلم:
أ- علم خاص بالله سبحانه وتعالى وهو من الأمور التي إختص الله سبحانه وتعالى العلم فيها لنفسه.
ب- علم أقرالله به بين عباده وأطلعنا عليه، حيث أخبرنا عن أحوال الروح في الحياة الدنيا وبعض أحوالها في عالم البرزخ وكذلك بعض أحوالها في دار القرار، وعمليات انطلاقاتها في المنام، وغير ذلك من الأمور الكثيرة، وعندما ننظر بدقة وتمعن في الآية الكريمة " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بقلة هذا العلم بيننا وليس بقلة العالمين فيه.
فالروح هيئة شفافة (غير مرئية) تسكن في هذا الجسد وتعمل على إمداده بالطاقة فهي نقطة الطاقة المركزية فيه وبدونها لايستطيع الجسد أن يأتي بأية حركة، ويعتقد البعض أن هذه الروح تبقى داخل الجسد طوال ال 24 ساعة من يومه، بينما حقيقة الأمر أن الروح تفارق الجسد خلال فترات معينه مثل النوم، حيث تكون مفارقتها له ليست مفارقة كلية إنما متصلة بحبل أثيري يربطها به، ولقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بذلك حيث قال:
" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الآية (42) سورة الزمر
وللروح قدرات للإنطلاق تفوق الخيال، وقدرة على الإبصار تفوق الحدود المادية، ولايكتشفها إلا من قام بالعمل على إدراكها والمثابرة بالإلمام بعلومها.
فالأساس في الإنسان هي الروح وليس الجسد، وحياة الإنسان وعمره ليسا مقرونان بالحياة الدنيا، فالإنسان في حقيقة الأمر خالد بخلود الروح، وليس بخلود الحياة الدنيا، فإما إلى جنة وإما إلى نار.
وبعد أن تكلمنا بإيجاز بسيط عن الروح، فيجب أن نعلم أن الروح خلال مسيرتها تطرق أطوارا سبعة، ولكل طور من هذه الأطوار عالمه وكينونته الخاصة به، فتعال معنا أخي القارئ لنمضي معا في تسلسل تلك الأطوار وحقيقة الإعجاز فيها وماهية خلود الروح.
(1) طور عالم الذر
(2) طور الجنين
(3) طور عالم الدنيا
(4) طور عالم البرزخ
(5) طور البعث
(6) طور الحشر والحساب
(7) طور الخلود
الطور الأول من أطوار الروح ( طور عالم الذر )
يعتقد البعض أن بداية خلق الروح تكون في الجنين في رحم أمه، فنقول هنا أن في هذا الأمر ليس خلقا للروح في الجنين، إنما بث الروح في الجنين، وشتان ما بين خلق الروح وبثها، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى متى تم خلق الروح، حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين" الاية (172) سورة الأعراف
فيتبين لنا من قوله سبحانه وتعالى، وحسب ما أجمع المفسرين والعلماء على تفسير هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق آدم عليه السلام مسح على ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد، وهذا الإستنطاق والإشهاد إنما كان لأرواحنا، إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة، وجعل فيهم حقيقة الفطرة بالولاء إليه هو الخالق وهم المخلوقين، وكانوا أولئك "عالم الذر".
إذن عندما تتساءل عقولنا عن تلك الحقائق ما علينا إلا أن نترك لعقولنا وقلوبنا العنان لتمضي مفكره ومتدبره في قوله سبحانه وتعالى من خلال الاية الكريمة لتجد في النهاية ضالتها.
ويتبين لنا أيضا في نهاية كلامنا عن الطور الأول، أن الروح قد خلقت وجهزت للإنطلاق في أطوارها على فترات ومراحل، وكانت الروح في هذا الطور على ماهيتها وحقيقتها المجرده من غير شيء يحد من طاقاتها أو قدراتها، ولكنها كانت تنتظر عند ربها ليبثها ويقرها في الطور الثاني
[لطور الثاني ( طور الجنين )
تعال معنا أخي القارئ للمضي قدما في رحلة الروح في طورها الثاني، فلقد خلق الله سبحانه وتعالى الزوجين الذكر والأنثى وأوجد بينهما رابطا مقدسا وهو الزواج، وللزواج أهداف عدة وحكما بالغة، نختصر في كلامنا على واحدة من هذه الحكم ألا وهي التهيئة لدخول الروح في طورها الثاني، حيث يلتقي الزوجان مع بعضهما البعض بمودة ورحمة ليجعلهما الله سببا من الأسباب الدالة على إعجازه وذلك من خلال عملية تكوين الجنين، حيث قال الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
" فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغضة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم، ونقر في الأرحام مانشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا" الآية (5) سورة الحج .
لفقد توصل العلماء والباحثين الى الحقيقة المفصلة والإعجاز الكبير في عملية تكوين الجنين، حيث أنه يتم إلتقاء الحيوان المنوي من الذكر بالبويضة من الأنثى ليتم إخصابها، ويكونان الزايجوت، وتنتقل البويضة في انقساماتها الاختزالية منطلقة في بداية لتكوين ذلك الجنين، حيث يأمر الله سبحانه وتعالي في مرحلة معينة من مراحل تكوين الجنين ببث تلك الروح فيه، وهنا تبدأ الروح بالتعايش مع طورها وعالمها الجديد، والذي بدوره له سننه وقوانينه من تغذية وتنفس وكيفيات وأوضاع إذا مضت بشكلها الإيجابي في هذا الطور فإنها تساعد على تهيئة الروح للإنتقال إلى طورها الجديد بكل سهولة والتي ينتج عنها طفل معافى لايحمل أية إعاقات، وبإختلاف تلك القوانين والسنن والإخلال فيها فإنه ينتج عنها طفل حامل معه بعض الإعاقات والتي بدورها تعيق انتقال تلك الروح الى طورها الجديد، كأي خلل في التغذيه أو التنفس أو إدراج أي عوامل سلبية على تلك القوانين الخاصة بذلك الطور. وتمضي تلك الروح قدما نحو البوابة التي تنقلها الى طورها الثالث
الطور الثالث ( طور الحياة الدنيا )
تخرج الروح من تلك البوابة بعناء مكتسية ذلك اللباس عليها لتقوم به بزيارة لطور الحياة الدنيا، وذلك اللباس هو الجسد.
وكما سبق وأخبرنا أن لكل طور أحكامه وقوانينه التي تتناسب مع ذلك الطور، وفي هذا الطور تجد الروح صعوبة في تطبيق قدراتها وذلك لإكتسائها ذلك الجسد، حيث أصبحت تحيط بها الحواس المادية من سمع وإبصار ولمس، حيث الغلاف المادي الكامل !
وهنا يأتي دور هذا الإنسان في عملية تحرير تلك الروح من ذلك الجسد ليتمكن من الإحاطة بجميع قدراتها، كما هو حال كل من هو قائم على دراسة علوم الروح والجسد والفكر.
ويأتي هنا باب الإختبار في هذه الحياة الدنيا من صلاح وفسـاد، وبنــاءا على هذه النتيجــة وما تم تحصيله في هذا الطور يكون هو الزاد الذي سوف يسهل أو يعيق الإنطلاقه في الطور الذي يلي هذا الطور.
وقد يسأل سائل كيف يكون ذلك؟ فنقول: أن الروح في أصل خلقها خلقت على طـــريق الحياد في إقتراف الأفعال، ولكنها متوجهة بالفطرة إلى خالقها، حيث قال الله سبحانه وتعالى ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" ونفس وما سواها (7) ، فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10) " سورة الشمس.
فيتبين لنا من هذه الآية الكريمة ، أن الإنسان في أصل خلقه خلق في الوسط من الخير والشر، وألهمه الله سبحانه وتعالى (أي علمه) طريق الخير والشر، وقد بشر من زكى تلك النفس بالصلاح في هذه الاية والخيبة لمن دنس تلك النفس.
ولنمضي سوية لنرى كيف تكون الأفعال الإيجابية والسلبية هي العوامل المؤثرة على دخول بوابة الطور التالي، ولنطرح هذه القضية بشكل علمي، إن الإنسان تحيط به عوامل جذب وطرد من قوى الكترومغناطيسية ، وإزدياد الشحنات الموجبة عليها تزيد من حصيلة الطاقة لدى الروح، ويتم إكتساب هذه الشحنا ت الموجبة من خلال الأعمال الصالحه، التي يقوم الإنسان بها من إطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى من عبادات وتسابيح وصدقات وغير ذلك، والأعمال الصالحه هنا عبارة عن تأثيرات روحية إيجابية تزيد من قوة الروح، أما إزدياد الشحنات السالبه تعمل على إضعاف هذه الروح والتي يتم إكتسابها من خلال الأعمال السيئة من عدم إطاعة لأوامر الله سبحانه وتعالى وإقتراف الكثير من الذنوب والمعاصي ، وهذه الأعمال عبارة عن تأثيرات روحيه سلبية تعود على الروح في نقص القوة والطاقة لديها.
الموت هو البوابة الفاصلة بين طور الحياة الدنيا والطور الذي يليه
الموت عبارة عن بوابة مبنيه على نظام من الطاقة، والتي يجب على الروح إختراقها لتتابع مسيرتها في الطور التالي، وإذا إعتبرنا أن الناتج الطبيعي الذي يؤهلنا للدخول في هذه البوابة في الوضع الطبيعي هو الوسط، فنجد أن الذين كانت نسبة طاقة أرواحهم تزيد عن النسبة الوسطية فسوف يتمكنون من العبور خلال البوابة بكل راحة وسهولة، لأنهم يحملون قوة دفع أكبر من تلك القوة المعارضة في تلك البوابة، واللذين دخلوا بأرواح نسبة طاقتها وسطية من هذه البوابة يكونوا قد دخلوا بشكل طبيعي من خلالها للطور التالي، وقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك، حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" اللذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلو الجنة بما كنتم تعملون" آية (32) سورة النحل
والذين دخلوا بأرواح نسبة طاقتها أقل من الوضع الوسطيُ سوف يجدون صعوبة في دخول تلك البوابة، وكلما قلت نسبة طاقتهم، تزداد صعوبة دخول تلك الأرواح من خلالها، فلا يستطيعون دخولها، فيجبروا على دخولها من الحراس القائمين عليها، مع أنها سوف تؤذيهم أثناء دخولهم الى الطور التالي وهو عالم البرزخ، وقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك، حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجو أنفسكم " آية (93) سورة الأنعام.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلي الله عليه وسلم توضح كيفية إخراج الملائكة لروح المؤمن وما في ذلك من تيسير حتى تسيل مثل الماء من فم السقاء، وإخراج روح الكافر والمنافق وما في ذلك من تنكيل حتى تخرج كما يخرج السفود المبلل من كومة من الصوف .
إذن (( الموت هو ساعة الإنتقال من طور الحياة الدنيا إلى طور عالم البرزخ، وهي لحظة إجبارية على كل إنسان دخول تلك البوابة ورؤية الحرس القائمين عليها من الملائكة)). وكما أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ذلك، حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
" فلولا إذا بلغت الحلقوم (83) وأنتم حينئذ تنظرون (84) ونحن اقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون (85) فلولا إن كنتم غير مدينين (86) ترجعونها إن كنتم صادقين" سورة الواقعة.
فنجد من خلال هذه الآية عندما تحين تلك اللحظة، ويحين الوقت لنزع ذلك اللباس ألا وهو الجسد عن تلك الروح، فتنجلي قدراتها وترى تلك البوابة والحرس القائمين عليها، حيث قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" (22) سورة ق
فبذلك ترجع للروح كثير من صفاتها التي هي في الأصل موجوده فيها ولكن حدت من خلال تبعيتها للجسد وتأثير ذلك الجسد عليها في طور الحياة الدنيا.
وقد بين الله سبحانه وتعالى أنواع الجزاء لتلك التصنيفات الثلاث أثناء عبورها للبوابة وهي :
* الوضع ما فوق الوسط ( المريح والهادىء ) حيث قال الله تعالي بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم :" فأما إن كان من المقربين (88) فروح وريحان وجنت نعيم (89) سورة الواقعة
* الوضع الوسطي وهو (مابين المريح والصعب ) حيث قال الله تعالي بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " وأما إن كان من أصحاب اليمين (90) فسلام لك من أصحب اليمين (91) سورة الواقعة.
* الوضع ما دون الوسط (الصعب و المؤذي) حيث قال الله تعالي بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " وأما إن كان من المكذبين الضالين (92) فنزل من حميم (93) وتصلية جحيم (94) إن هذا لهو حق اليقين (95)" سورة الواقعة.
والأدلة كثيرة على وجود النعيم والعقاب في عالم البرزخ قبل الوصول الى الآخرة ، وهذا ما سنتحدث عنه في الطور التالي
الطور الرابع ( طور عالم البرزخ )
وتستمر رحلة الروح متقدمة في مسيرتها من خلال بوابة الموت والتي يتم من خلالها الإنتقال من طور الدنيا إلى طور البرزخ لإكمال أطوارها السبع، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عالم البرزخ في قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)" سورة المؤمنون.
وتستمر الروح في هذا الطور والذي هو أيضا له أحكامه وقوانينه التي تقيَم قدرة الروح وحركتها فيه بناءا على ما إكتسبته من طور الحياة الدنيا، فالأرواح الطيبة تكون أرواح حرة مطلقة في حركتها وتنطلق في ذلك البعد مستخدمة كل إمكانياته وأبعاده، والأرواح الخبيثة تكون مقيدة في الحركة ولا تستطيع الإنطلاق بحرية وتصطدم دائما بأبعاد ذلك العالم، ويجب التركيز هنا أن طور الحياة الدنيا هو من أهم الأطوار، لأنه يعتبر طور الإختبار الذي يحدد طبيعة وكيفية إنطلاقة الروح في أطوارها التي تليه، ويستمر النعيم أو عذاب الروح في هذا الطور وذلك نتيجة حصيلة الروح في طور الحياة الدنيا ويستمر إلى أن تدخل الروح في طورها التالي وهو طور البعث ، حيث يبين الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)" سورة المؤمنون.
ونضع التركيز هنا على كلمة يبعثون، أي أنه بعد طور البرزخ يأتي طور البعث، والجدير بالذكر أن نذكر هنا نهاية هذا الطور، والذي ينتهي بالنفخ بالبوق ( النفخة الولى) وهي علامة نهايته، وأ]ضا نهاية طور الحياة الدنيا لمن ما زالوا في ذلك الطور، ويرى الإنسان نهاية ذلك الطور مذهولا لأحواله ، حيث قال الله سبحانه وتعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (2)" سورة الحج ، حيث تقبض الأرواح كافة ، ليس أرواح الإنس فقط ،بل أرواح كل الخلائق، حتى تقبض روح من كان يقبض، وثم تنبت الأجساد من الأرض، وتسود لحظات من الهدوء على ذلك الطور ويبرز صوت مالك الملك، خالق الأطوار ويقول : " لمن الملك اليوم؟" ويعيدها ثلاث فلا يجيبه أحد ، فيجيب على نفسه " للـه الواحد القهار" حيث قال الله سبحانه وتعالى ، بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ،لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" الآية (16) سورة غافر
وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (( أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا المالك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثم يجيب نفسه لله الواحد القهار )) رواه البخاري
الطور الخامس ( عالم البعث )
يبدأ طور البعث من خلال بعد جديد من الأبعاد يوجده الله سبحانه وتعالى عن طريق أمر واحد من أعظم خلقه (إسرافيل) بالنفخ في البوق ، ليدخل هذا الطور الجديد مجتاحا ما كان قبله من أطوار ويدخل في تناغم جميل لإكمال الأطوار السبع للروح ، حيث قال الله سبحانه وتعالى ، بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار(48)" سورة ابراهيم ، حيث تبدل الأرض في طبيعة تركيبها وكذلك السموات ويحدث اسقاط في نظام الطبيعة استعدادا لتكوين قوانين ذلك الطور الجديد (طور البعث) ويعاد بناء الأجساد وتخرج من الأرض بعد أن كان لاضرورة لوجودها في طور البرزخ، وتعود كل روح إلى جسدها منتظرين دخول الطور الجديد (طور الحشر والحساب)
الطور السادس ( الحشر والعذاب )
حيث تقف الخلائق كافة مجتمعة جمعا متناغما متثاقلة الوجوه على أرض الحشر، لايهمها من على يمينها أو شمالها من هول ذلك الطور وشدة قوانينه منتظرين يوم الحساب، وتبدأ الأمم بالتقدم أمة أمة وفردا فردا متجهة نحو رب الأرباب وخالق الأطوار والأبعاد، الذي يضع الميزان أمامهم وينشر صحفهم من فوقهم ويريهم ما كانت تنكر أبصارهم ما ترى في قلوبهم، والجدير بالذكر هنا أن ذلك الطور رغم عودة الجسد إليه، تكون له قوانين ليست كقوانين الجسد في الحياة الدنيا، كنطق الأعضاء مثلا، حيث تأخذ بالكلام وتختصم مع تلك الروح لتخرج من الضيق التي هي فيه حيث قال الله سبحانه وتعالي بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم : " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (65)" سورة يس.
ويشتد ذلك الطور عليهم حتى يرى كل منهم ما له وما عليه منتظرين نيل آخر طور لهم وهو طور الخلود الدائم سواء كانوا مقبلين له أو مدبرين ، من نعيم فيه أو جحيم
الطور السابع والأخير من أطوار الروح ( الخلود )
بعد تلك المسيرة الحافلة بالأحداث الكثيرة وتسلسل الأطوار، تقف الأرواح منتظرة المكافأة أو القصاص، فيأتي هذا الطور بشقين : شق النعيم (الجنه) وشق الجحيم (النار).
وعند دخول تلك الروح في شق النعيم في طور الخلود حيث له قوانينه الخاصة به والتي لها أبعاد كثيرة ومريحة جدا لتلك الروح، وتكتسي الروح عند دخولها ذلك الشق من هذا الطور جسدا يختلف عن باقي الأجساد في تصويره وقدراته وهذا ما دلت عليه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة حيث أخبرت أن بني آدم في الجنة تكون صفة أجسادهم كجسد أبيهم آدم عليه السلام ، وعمر سيدنا عيسى عليه السلام، وجمال سيدنا يوسف عليه السلام، وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام أي بالحديث عن براح قدرات الإنسان بالجنة حيث قال:
حدثنا هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي قالا حدثنا ابن وهب حدثني أبو صخر أن أبا حازم حدثه قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقولا شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ( وصف ) فيه (الجنة) حتى انتهى ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم اقترأ هذه الآية )) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)) رواه مسلم
وعند دخول تلك الروح في شق الجحيم وهو الشق الثاني في طور الخلود حيث له أيضا قوانينه الخاصة به ولكن لها أبعاد كثيرة تعود على تلك الروح بالضيق والعذاب، وتكتسي أيضا تلك الروح جسدا يتناسب مع ذلك الشق من ذلك الطور حتى يتناسب مع قوانينه. وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك كما ورد بالحديث :
حدثنا عباس الدوري حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وإن ضرسه مثل أحد وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة رواه الترمذي وقال حديث حسن .
وتزجر تلك الروح في هذا العذاب إلى ما شاء الله لها ان تبقى ويأتيها من العذاب ما أشار الخالق إليه في قوله تعالى :
" وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال (41) في سموم وحميم (42) وظل من يحموم (43) لابارد ولا كريم (44)" سورة الواقعة .
وقال أيضا بعد أعوذ بالله من الشيطن الرجيم :
" ثم إنكم أيها الضالون المكذبون (51) لآكلون من شجر من زقوم (52) فمالئون منها البطون (53) فشاربون عليه من الحميم (54) فشاربون شرب الهيم (55) هذا نزلهم يوم الدين (56) سورة الواقعة
ويتبين لنا من خلال هذه الرحلة أن الروح تمر بسبعة أطوار هي :
(1) طور عالم الذر
(2) طور الجنين
(3) طور عالم الدنيا
(4) طور عالم البرزخ
(5) طور البعث
(6) طور الحشر والحساب
(7) طور الخلود
فأتمنى أخى القارئ بعد قراءتك لهذه الأسطر ألا تستخف بهذه المسيرة الطويلة وأن تنظر بشغف دائم إلى دار القرار في نهاية المطاف.