يصعد بخار الماء إلى الطبقة الأولى في الغلاف الجوي للأرض والمسماة طبقة التروبوسفير نتيجة تبخير الشمس لمياه البحار والمحيطات بأشعة الشمس؛ وتتكون في النهاية السحب السميكة التي
ترتحل من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض بفعل الرياح، وتقوم هذه السحب بعكس (ترجيع) أشعة الشمس للفضاء الخارجي مرة ثانية بمقدار يصل إلى 80 أو 90% ،
ولولا هذا الانعكاس لارتفعت درجة حرارة سطح الأرض والتروبوسفير بدرجة عالية لا تسمح بقيام أو استمرار الحياة على الأرض.
وفي أوائل القرن العشرين ومع اكتشاف أشعة الراديو والبث الإذاعي والاتصالات اللاسلكية اتضح أن أشعة الراديو تنعكس على طبقات الجو العليا بارتفاع يتراوح ما بين 90 إلى 120
كيلومترًا على طبقة سميت [الأيونوسفير]؛ لأنها طبقة تحوي أيونات موجبة وإلكترونات حرة
سالبة، واتضح بعد ذلك أن سبب هذا التأين هو أشعة إكس الصادرة من الشمس؛ حيث تقوم هذه الأشعة بتأيين الذرات المتعادلة إلى أيونات وإلكترونات حرة نتيجة لطاقتها العالية في عملية
تسمى التأين الفوتوني Photoionization، وهذه من نعم الله الكبرى؛ فلولا وجود هذه الطبقة لهلكت كل المخلوقات بالأرض نتيجة لأشعة إكس الصادرة من الشمس، بجانب الاستفادة منها الآن عكس (ترجيع) أشعة الراديو للبث الإذاعي والاتصال اللاسلكي عبر المسافات الطويلة.
وقد تم اكتشاف أشعة إكس الصادرة من الشمس بعد غزو الفضاء؛ وذلك بقياس هذه الأشعة في بداية السبعينيات بسلسلة الأقمار الصناعية الأمريكية GOES و اتضح أن كل حزمة من
أشعة إكس خاصة بتأين جزء معين من طبقة الأيونوسفير؛ لذلك فهذه الطبقة تقسم إلى ثلاث طبقات تأخذ الحروف F&E&D، وكل طبقة لها خاصية معينة في عكس أشعة الراديو عند
أطوال موجية معينة. وعند حدوث انفجارات شمسية فإنه يحدث اضطراب مفاجئ في طبقة الأيونوسفير، يؤثر على الاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي.
وعلى ارتفاع آلاف الكيلو مترات فوق سطح البحر يوجد طبقة تُسمى الماجنتوسفير تحيط بالأرض، لها خطوط مغناطيسية ممتدة من القطب المغناطيسي الشمالي للقطب الجنوبي للأرض، وقد
اكتشفت هذه الطبقة خلال القرن العشرين وسميت "أحزمة فان ألن" نسبة إلى مكتشفها. ولهذه الطبقة أهمية بالغة، فعند حدوث الانفجارات الشمسية التي قد تصل الطاقة المنطلقة من
انفجار واحد منها إلى مجموع الطاقات المنطلقة من كل القنابل النووية بالأرض لو أطلقت مرة واحدة ويزيد؛ لذلك فإنه بعد حدوث هذه الانفجارات بأيام قليلة تأتي سحابة من الشمس مكونة من
الدقائق المشحونة كالبروتونات والإلكترونات وذرات الهليوم والليثيوم المؤينة بجانب النيترونات. وجميع هذه الدقائق المشحونة تشبه أشعة ألفا وبيتا المنطلقة بعد حدوث انفجار نووي.
وهي أشعة مهلكة وتقوم طبقة الماجنتوسفير كدرع مغناطيسي بعدم السماح لهذه الدقائق المشحونة
خلالها وطردها بعيدًا عن الأرض وترجعها إلى الفضاء ما بين الكواكب، والقليل من هذه الدقائق هو الذي ينجح في السير في خطوط القوى المغناطيسية حتى يصل إلى منطقة أقطاب الأرض
محدثًا تفريغًا كهربيًّا يؤدي إلى إضاءة منطقة الأقطاب بما يعرف بظاهرة الأيروا أو الفجر القطبي وليس منه خطر. وعند حدوث هذا الاصطدام ما بين السحابة القادمة من الشمس وطبقة الماجنتوسفير، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث ما يُسمَّى بالعواصف المغناطيسية الأرضية؛ حيث تؤدي
إلى هبوط حاد في المركبة الأفقية للمجال المغناطيسي للأرض وتؤثر على خطوط الضغط العالي للكهرباء في المناطق القطبية للأرض وعلى توجيه الصواريخ العابرة للقارات أو الذاهبة للفضاء الخارجي.
بقي أن نعرف أن طبقة الأوزون الموجودة في طبقات الجو العليا المعروفة باسم الستراتوسفير هي من أهم نعم الله علينا أيضًا؛ فلولا وجود هذه الطبقة لانقضَّت علينا أشعة الشمس فوق البنفسجية
من النوع القاتل C، ولكن ميزة هذه الطبقة هي امتصاص هذه الأشعة وتمرير الأشعة فوق البنفسجية من النوع A وقليل من النوع B وهما اللازمان لقتل الفطريات على جلد الإنسان وتكوين فيتامين "د" لبناء العظام.
ألا تستحق السماء ذات الرجع بأن تكون جزءا من قسم الله تعالى بعد ما تضمنته من كل هذه الحقائق العلمية، ونعم الله ورحمته بالإنسان والمخلوقات الحية.
وهكذا يقرر القرآن في نص صريح وآية بليغة واضحة (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع) عدة حقائق علمية مذهلة لم يُكشَف عنها إلا خلال القرن العشرين في ظل علوم وتكنولوجيا الفضاء؛ ليؤكد لنا منذ أربعة عشر قرنًا حقيقة علمية كونية هامة.
المصدر منتديات الحكم اللدنية