فكلما زادت واردات الخير عليه زادت مطالبه وحاجاته ذلك الإنسان الذي لايرى إلا نفسه ولا يهمه سوى اشباعها وامتاعها، وعلى العكس نرى إنساناً آخر غابت نفسه عن عينه فلم يشهدها ونذر حياته وعطائه لغيره، تراه مشغولاً بهموم الناس ونسي همه، إن رأى حزيناً واساه، وإن رأى فقيراً ساعده، وإن رأى محتاجاً سعى معه في قضاء حاجته، فتحت له أبواب الخير والبركات من الله فجعلها في خدمة عيال الله وخلقه، ما أجمل هذا الإنسان وما أحلى حياته، وما أطيب عرفه وذكره إن كان حياً، وإن مات فسيكتب له عمر آخر في القلوب ....
أحياناً قد يتردد علينا سائل يطلب منا شيئاً فنعطيه ولو شيئاً يسيراً، لكن إذا جاء نفس السائل في اليوم الثاني لا شك أن علامات الاستياء ستظهر على وجوهنا وربما نعطيه لتذكر قول الله (وأما السائل فلا تنهر)، وماذا لو عاد نفس السائل في اليوم الثالث أو الرابع هنا الغالب منا سيفقد أعصابه أويلغزه بكلمة
( خلاص مش كل يوم !!) مع أن ما نعطيه ربما لا يكفي لشراء بعض الطعام، هذه طبيعة الإنسان وصدق القائل :
لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا توصد
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يُسأل يغضب
فإذا أصابك المن على من أعطيته متاعاً حقيراً من متاع الدنيا عليك أن تتذكر أن الله أغدق عليك النعم وأكرمك وأعطاك وامتن عليك، تذكر أنه رعاك وحفظك ورباك ولاحظك وأطعمك وسقاك وكفاك وأواك وأنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى عجائبها، ثم بعد ذلك لم يقل خذ هذا واكتفي بل فتح لك باب المسأله ولم يفتحها فحسب بل أمرك بأن تسأله أمراً وأخبرك بأنه سيحبك ويقربك كلما وقفت على بابه والححت عليه ولن يظجر منك كما يضجر بني آدم ممن يسألهم (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فأنت مع ربك الكريم مجبر بأن تسأل ومجبر بأن تطلب وموعود بالاستجابة والتلبية وليس الأمر متروك لاختيارك فحسب لأنك لو لم تكن من السائلين له ستتعرض لغضبه لأنك ستكون في عداد المستكبرين، فأي كريم هذا الذي يأمرك بالطلب ويعدك بالاجابة ويتوعدك إن ابتعدعت عنه أو استغنيت عنه بعذاب أليم .
فما بالنا نشك في الرزق والرزاق موجود وما بالنا نخاف ونحرص على ما بين أيدينا وإن طُلِب منا صدقة أو تبرعاً لوجه الله أخرجنا شيئاً بسيطاً وتألمنا عليه وكأن أرواحنا ستخرج بعده، قال أحد العارفين بالله (الشك في الرزق شك في الرزاق) فثقوا بالله أيها الناس فالرزاق لا زال يرزق، والمعطي لا زال يعطي، والوهاب لا زال يهب، والجواد لا زال يجود، والكريم لا زال يكرم، والغني لا زال يغني.......
أين نحن من مذهب سيدنا إبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي وهب كلما يملك من ثورته لله ولرسوله، وعندما سُئِل ماذا تركت لأهلك؟
قال: تركت لهم الله ورسورله! فهل من ثقة بالله كثقة أبي بكر,,
وذاك الصحابي الذي هو على فراش الموت وسيفارق الحياة ويخلف بعده بعض البنات ولم يورث لهن شيئاً فقيل له: ماذا تركت لبناتك؟
قال تركت لهن سورة الواقعة!
لأن سورة الواقعة تجلب الغنى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأين غابت هذه المفاهيم عند من لا يرى إلا نفسه وملحقاتها، كم يصرف من المصروفات الهائلة ، ويوفر لبيته العشرات من أصناف الأطعمة والمذاقات المختلفة، وكم يصرف على قطع الأقمشة والأحذية التي يجب أن تكون تحت المسميات العالمية والماركات الدعائية التي تتطلب مبالغ باهظة، وهناك أسر لاتجد ضروريات الحياة، وإذا قدمت النصيحة لهم بأن يقدموا تبرعاً أو يخرجوا صدقة للمحتاجين تجد الأعذار دائماً جاهزة: مصاريف البيت_والأوضاع المادية_ والمرتب يادوب وووو الخ الأعذار المعروفة عند من لا يرى إلا نفسه وهذه الأعذار هي التي شغلت الناس بأنفسهم حتى نسي بعضهم بعضاً وحتى محقت البركة من الأموال فالكل أصبح يشتكي من أن المال لم تعد فيه بركة وبأنه يأتي ويذهب بسرعة وكأنه لم يكن.
ذلك لتعلموا أن البركة لا تتأتى مع الأنانية وحب الذات.
لا تشّكوا في الرزق وأنفقوا فالله تعالى يقول في الحديث القدسي
(عبدي أنفق أُنفق عليك) مع أنه سبحانه لم يبخل علينا وهو ينفق علينا بدون أي مقابل، لكن إذا فطن الانسان وصار من المنفقين المتصدقين لوجه الله فستكون له نقفة خاصة مباركة مضاعفة من الملك الكريم الجواد.
فليعلم كل إنسان علم يقين أن ما أخرج من ماله خالصاً لوجه الله تعالى فهو ما سيبقى له وما سيعود له أضعافاً مضاعفة مباركة، وأن ما أبقى لنفسه هو الزائل المنقضي والذي لن يعود، الله
( فما نقص مال من صدقة) و(الصدقة تطفئ غضب الرب)
و(الصدقة تدفع البلاء)