عاد عتبة بن ربيع المسعود من إحدى المعارك التي نشبت دفاعا عن دين الله ... وقد خاض غمارها وجاهد فيها حق الجهاد .. حتى أسر .. وفك أسره .. وبمجرد عودته طاف بالكعبة الشريفة وهو يدعو الله ويقول :
" يارب .. اغفر للمحروم "
ولما تكرر منه هذا الدعاء .. إذ لا يطوف بالبيت الحرام إلا ويدعو به ..
قال له أحدهم :
يا عتبة .. من هو المحروم الذي تطلب له المغفرة ؟
فرد عتبة : أنا .. هو المحروم !!
فقال له الرجل : ألست المسعود .. فكيف أصبحت المحروم ؟
فقال عتبة : كنا عشرة فوارس .. توجهنا لاستطلاع حال العدو ..
بعد معركة خضناها دفاعا عن دين الله وأبلينا فيها أحسن البلاء .. إلا أن العدو أعد لنا كمينا وحاصرنا بعدة مئات من جنوده .. فوقعنا في الأسر .. وفي الأسر
لم نستطع أن نقدم لمعركتنا شيئا .. سوى العبادة والدعاء بأن ينصر الله
جنوده على اعدائه .. وبعد أيام .. تواتر إلى مسامعنا انتصار المسلمين .. وقتلهم ابن عم ملك الروم الذي أساءه ذلك إساءة بالغة وأحزنه حزنا شديدا ...
فلما كان صباح اليوم التالي .. أصدر ملك الروم قراره بإعدامنا جميعا ..
وخرجنا إلى ساحة الإعدام .. فصلينا أحسن ما تكون الصلاة ..
وذكرنا الله بأقوى ما يكون الذكر .. وبعد أن أتموا عصب أعيننا .. جاء الملك ليرى بنفسه إعدامنا .. فقال له وزيره :
أيها الملك هلا فككنا عن أعينهم حتى يروا العذاب بقتل بعضهم بعضا ..
ففكوا العصابات عن أعيننا .. ووالله الذي لا إله إلا هو ما إن فكوا العصابة
عن عيني .. حتى كنت أرى في كل ضربة سيف على عنق أسير مسلم .. تفتح السماء .. وتهبط الملائكة في نشوة وسرور .. وتحمل روح الأسير في موكب وفرح .. واستمر إعدام الأسرى حتى بلغوا تسعة .. ولم يبق سواي ..
فقال الوزير :
أيها الملك .. من يبلغ المسلمون ما فعلنا .. فيصيبهم الأسى والحزن .. ألا نفك أسر هذا الأسير الأخير ونطلقه ليبلغ قواده وجنود المسلمين ما رأى ..
ووافق الملك وفك أسري .. وعدت .. عدت أنا الوحيد من العشرة ..
وقد حرمت الجنة .. وحرمت الشهادة .. وحرمت موكب الملائكة وهم يصحبون روح الشهيد إلى السماء .. ألست بحق المحروم ؟؟؟
***
قال رســــول الله صلى الله عليه وسلم ..،
( للشهيد عند ربه ست خصال يغفر له من أول دفقة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويلبس تاج من الياقوت الياقوتة خير من الدنيا وما فيها ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه ) رواه الترمذي ..
( أرواح الشهداء في جوف طير خضر.. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ) رواه مسلم ..
( ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا .. وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد .. فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مراتٍ لما يرى من الكرامة ) رواه مسلم ..
( من قاتل في سبييل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ، ومن جرح جرحًا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت: لونها الزعفران، وريحها كالمسك ) ((رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن)
من أجل ذلك كله كانت الشهادة - ومازالت - أمنية عظيمة .. مقامها عظيم لدى كثير من المسلمين .. وأملاً يراود نفوس الطيبين .. فهنيئا لشهداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها جنة الرحمن ..