العزلة والخلوة
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني ...في كتاب سر الأسرار- الفصل20
فالخلوة والعزلة على وجهين: ظاهر، وباطن.
فالخلوة الظاهرة: عزل نفسه وحبس بدنه عن الناس لئلا يؤذي الناس بأخلاقه الذميمة ويترك النفس مألوفاتها , وحبس حواسها الظاهرة لفتح الخواص الباطنة , بنية الإخلاص والموت بالإرادة ودخول القبر , , ويكون نيته في ذلك رضاء الله تعالى , ودفع شر نفسه عن المسلمين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وكف لسانه عما لا يعنيه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " سلامة الإنسان من قبل اللسان " وكف عينيه عن الخيانة والنظر الحرام وكذا كف أذنيه ويديه ورجليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " العينان تزنيان " ويحصل من كل زنى من هذه الأعضاء شخص قبيح في صورة خبيثة يقوم معه يوم القيامة , ويشهد عليه عند الله تعالى , ويأخذ صاحبه فيعذبه في النار , فإذا تاب منه وحبس نفسه – كما قال الله تعالى : " .. ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى " سورة النازعات – تبدل صورته الخبيثة إلى صورة أمرد مليح , ويأخذ صاحبه إلى الجنة , وينجو من شره , فكأن، الخلوة حصنته من المعاصي , فيبقي عمله صالحا , ويكون محسنا كما قال الله تعالى : " إن الله لا يضيع أجر المحسنين " سورة التوبة . وقال الله تعالى : " ... فمن كان يرجو ا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ..." سورة الكهف .
وأما الخلوة الباطنة : أن لا يدخل في قلبه من التفكرات النفسانية والشيطانية مثل محبة المأكولات والمشروبات , ومثل محبة الأهل والعيال , ومثل محبة الحيوانات والرياء والسمعة والشهرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الشهرة آفة وكل يتمناها , والخمول راحة وكل يتوقاها " ولا يدخل في قلبه باختياره مثل الكبر والعجب والبخل وغير ذلك من الذمائم , فإذا دخل في قلب الخلوتي من هذه الذمائم فسدت خلوته وقلبه , وفسد ما في قلبه من الأعمال الصالحة والإحسان , فبقي القلب بلا منفعة كما قال الله تعالى : " ... إن الله لا يصلح عمل المفسدين " سورة يونس . فكل من كان فيه من هذه المفسدات فهو من المفسدين , وإن كان في الظاهر صورة الصالحين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الغيبة أشد من الزنا " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " البخيل لا يدخل الجنة ولو كان عابدا وزاهدا " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " النمام لا يدخل الجنة " وغير ذلك من الأحاديث في الأخلاق الذميمة , فهذا محل الاحتياط
والمقصود أولا من التصوفات : تصفية القلب لها , وقلع هوى النفس من أصلها بالخلوة والرياضة والصمت وملازمة الذكر بالإرادة والمحبة والإخلاص والتوبة والاعتقاد الصحيح السني تبعا على آثار السلف الصلحاء من الصحابة والتابعين من المشايخ والعلماء العاملين , فإذا جلس المؤمن الموحد في الخلوة بالتوبة والتلقين مع هذه الشرائط المذكورة خلص الله عمله , ونور الله قلبه , ولين جلده , وطهر لسانه , وجمع حواسه من الظاهر والباطن , ورفع عمله إلى حضرته , وسمع دعائه كما يقول : سمع الله لمن حمده أي : قبل الله دعوته وثناءه وتضرعه , وأنال عوضه إلى عبده من القربة والدرجة كما قال الله تعالى : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " سورة فاطر .
والمراد من الكلم الطيب : أن يحفظ لسانه من اللغويات بعد كونه آلة لذكر الله تعالى وتوحيده كما قال الله تعالى : " قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون " سورة المؤمنون . فيرفع الله العلم والعمل والعامل إلى قربته ورحمته ودرجاته بالمغفرة والرضوان .
وإذا حصلت للخلوتي هذه المقامات كان قلبه كالبحر لا يتغير بإيذاء الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن بحرا )لا يتغير فتموت البريات النفسانية فيه كما غرق فرعون وآله في البحر , ولم يفسد البحر , ثم تكون سفينة الشريعة سليمة جارية عليه , ويكون الروح القدسي غواصا إلى قعره , فيصل إلى در الحقيقة ويخرج من لؤلؤ المعرفة ومرجان اللطائف المكنونة كما قال الله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان " سورة الرحمن . لأن هذا البحر حصل لمن جمع بحر الظاهر والباطن , فلا يمكث بعده الفساد في القلب , وتكون توبته ناصحا له , وعمله نافعا , ولا يميل إلى المناهي قصدا , ويكون السهو النسيان معفوا عنه بالاستغفار والندم إن شاء الله تعالى .
الفصل الحادي والعشرون
في بيان أوراد الخلوة
ينبغي للخلوتي أ، يفيء بالصوم إن استطاع , ويصلي الصلوات الخمس بالجماعة في المسجد بأوقاتها مع سننها وشرائطها وأركانها , لا على التعطيل . ويصلي اثني عشرة ركعة بعد نصف الليل وثلثه بنية التهجد كما قال الله تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " سورة الإسراء وكما قال الله تعالى : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " سورة السجدة .
ويصلي ركعتين بنية الإشراق بعد طلوع الشمس , وركعتين بعدها بنية الاستعاذة بالمعوذتين , وركعتين بعدها بنية الاستخارة , يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وسورة الإخلاص سبعا , وست ركع بعدها بنية الضحى , وركعتين بعدها بنية كفارة البول يقرأ في كل ركعة : " إنا أعطيناك الكوثر " سورة الكوثر سبع مرات بعد الفاتحة . فإذا صلى ذلك كفر ذنوب البول ونجا من عذاب القبر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " ويصلي أربع ركعات بنية التسبيح , يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة معها , ويقول بعد القراءة في القيام : سبحان الله , الحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر خمس عشرة مرة , ثم يكبر ويركع ويقول في ركوعه : سبحان الله عشر مرات . ثم يكبر ويرفع رأسه ويقول عشر مرات ويسجد , ثم يقول عشر مرات في السجدة الثانية
وينبغي للطال أن يقرأ الدعاء السيفي في كل يوم مرة أ, مرتين , ويقرأ من القرآن في كل يوم مقدار مئتي آية , ثم يذكر الله كثيرا إما جهرا إ، كان من أهل الجهر أو خفية إن كان من أهل الخفية , ومقام الخفية يكون بعد حياة القلب ونطقها بلسان السر كما قال الله تعالى : " واذكروه كما هداكم " سورة البقرة .
ثم في كل يوم اسم والرب يعرف أهله ثم يقرأ الإخلاص في كل يوم مئة مرة , ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ايضا في كل يوم مائة مرة , ويقول : استغفر الله وأتوب إليه ايضا في كل يوم , وإن استطاع زاد ما شاء من النوافل والتلاوة , ولا يضيع أجره عند الله كما قال الله تعالى : " ... إن الله لا يضيع أجر المحسنين " سورة التوبة .
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني ...في كتاب سر الأسرار- الفصل20
فالخلوة والعزلة على وجهين: ظاهر، وباطن.
فالخلوة الظاهرة: عزل نفسه وحبس بدنه عن الناس لئلا يؤذي الناس بأخلاقه الذميمة ويترك النفس مألوفاتها , وحبس حواسها الظاهرة لفتح الخواص الباطنة , بنية الإخلاص والموت بالإرادة ودخول القبر , , ويكون نيته في ذلك رضاء الله تعالى , ودفع شر نفسه عن المسلمين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وكف لسانه عما لا يعنيه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " سلامة الإنسان من قبل اللسان " وكف عينيه عن الخيانة والنظر الحرام وكذا كف أذنيه ويديه ورجليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " العينان تزنيان " ويحصل من كل زنى من هذه الأعضاء شخص قبيح في صورة خبيثة يقوم معه يوم القيامة , ويشهد عليه عند الله تعالى , ويأخذ صاحبه فيعذبه في النار , فإذا تاب منه وحبس نفسه – كما قال الله تعالى : " .. ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى " سورة النازعات – تبدل صورته الخبيثة إلى صورة أمرد مليح , ويأخذ صاحبه إلى الجنة , وينجو من شره , فكأن، الخلوة حصنته من المعاصي , فيبقي عمله صالحا , ويكون محسنا كما قال الله تعالى : " إن الله لا يضيع أجر المحسنين " سورة التوبة . وقال الله تعالى : " ... فمن كان يرجو ا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ..." سورة الكهف .
وأما الخلوة الباطنة : أن لا يدخل في قلبه من التفكرات النفسانية والشيطانية مثل محبة المأكولات والمشروبات , ومثل محبة الأهل والعيال , ومثل محبة الحيوانات والرياء والسمعة والشهرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الشهرة آفة وكل يتمناها , والخمول راحة وكل يتوقاها " ولا يدخل في قلبه باختياره مثل الكبر والعجب والبخل وغير ذلك من الذمائم , فإذا دخل في قلب الخلوتي من هذه الذمائم فسدت خلوته وقلبه , وفسد ما في قلبه من الأعمال الصالحة والإحسان , فبقي القلب بلا منفعة كما قال الله تعالى : " ... إن الله لا يصلح عمل المفسدين " سورة يونس . فكل من كان فيه من هذه المفسدات فهو من المفسدين , وإن كان في الظاهر صورة الصالحين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الغيبة أشد من الزنا " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " البخيل لا يدخل الجنة ولو كان عابدا وزاهدا " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " النمام لا يدخل الجنة " وغير ذلك من الأحاديث في الأخلاق الذميمة , فهذا محل الاحتياط
والمقصود أولا من التصوفات : تصفية القلب لها , وقلع هوى النفس من أصلها بالخلوة والرياضة والصمت وملازمة الذكر بالإرادة والمحبة والإخلاص والتوبة والاعتقاد الصحيح السني تبعا على آثار السلف الصلحاء من الصحابة والتابعين من المشايخ والعلماء العاملين , فإذا جلس المؤمن الموحد في الخلوة بالتوبة والتلقين مع هذه الشرائط المذكورة خلص الله عمله , ونور الله قلبه , ولين جلده , وطهر لسانه , وجمع حواسه من الظاهر والباطن , ورفع عمله إلى حضرته , وسمع دعائه كما يقول : سمع الله لمن حمده أي : قبل الله دعوته وثناءه وتضرعه , وأنال عوضه إلى عبده من القربة والدرجة كما قال الله تعالى : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " سورة فاطر .
والمراد من الكلم الطيب : أن يحفظ لسانه من اللغويات بعد كونه آلة لذكر الله تعالى وتوحيده كما قال الله تعالى : " قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون " سورة المؤمنون . فيرفع الله العلم والعمل والعامل إلى قربته ورحمته ودرجاته بالمغفرة والرضوان .
وإذا حصلت للخلوتي هذه المقامات كان قلبه كالبحر لا يتغير بإيذاء الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن بحرا )لا يتغير فتموت البريات النفسانية فيه كما غرق فرعون وآله في البحر , ولم يفسد البحر , ثم تكون سفينة الشريعة سليمة جارية عليه , ويكون الروح القدسي غواصا إلى قعره , فيصل إلى در الحقيقة ويخرج من لؤلؤ المعرفة ومرجان اللطائف المكنونة كما قال الله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان " سورة الرحمن . لأن هذا البحر حصل لمن جمع بحر الظاهر والباطن , فلا يمكث بعده الفساد في القلب , وتكون توبته ناصحا له , وعمله نافعا , ولا يميل إلى المناهي قصدا , ويكون السهو النسيان معفوا عنه بالاستغفار والندم إن شاء الله تعالى .
الفصل الحادي والعشرون
في بيان أوراد الخلوة
ينبغي للخلوتي أ، يفيء بالصوم إن استطاع , ويصلي الصلوات الخمس بالجماعة في المسجد بأوقاتها مع سننها وشرائطها وأركانها , لا على التعطيل . ويصلي اثني عشرة ركعة بعد نصف الليل وثلثه بنية التهجد كما قال الله تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " سورة الإسراء وكما قال الله تعالى : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " سورة السجدة .
ويصلي ركعتين بنية الإشراق بعد طلوع الشمس , وركعتين بعدها بنية الاستعاذة بالمعوذتين , وركعتين بعدها بنية الاستخارة , يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وسورة الإخلاص سبعا , وست ركع بعدها بنية الضحى , وركعتين بعدها بنية كفارة البول يقرأ في كل ركعة : " إنا أعطيناك الكوثر " سورة الكوثر سبع مرات بعد الفاتحة . فإذا صلى ذلك كفر ذنوب البول ونجا من عذاب القبر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " ويصلي أربع ركعات بنية التسبيح , يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة معها , ويقول بعد القراءة في القيام : سبحان الله , الحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر خمس عشرة مرة , ثم يكبر ويركع ويقول في ركوعه : سبحان الله عشر مرات . ثم يكبر ويرفع رأسه ويقول عشر مرات ويسجد , ثم يقول عشر مرات في السجدة الثانية
وينبغي للطال أن يقرأ الدعاء السيفي في كل يوم مرة أ, مرتين , ويقرأ من القرآن في كل يوم مقدار مئتي آية , ثم يذكر الله كثيرا إما جهرا إ، كان من أهل الجهر أو خفية إن كان من أهل الخفية , ومقام الخفية يكون بعد حياة القلب ونطقها بلسان السر كما قال الله تعالى : " واذكروه كما هداكم " سورة البقرة .
ثم في كل يوم اسم والرب يعرف أهله ثم يقرأ الإخلاص في كل يوم مئة مرة , ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ايضا في كل يوم مائة مرة , ويقول : استغفر الله وأتوب إليه ايضا في كل يوم , وإن استطاع زاد ما شاء من النوافل والتلاوة , ولا يضيع أجره عند الله كما قال الله تعالى : " ... إن الله لا يضيع أجر المحسنين " سورة التوبة .