تستطيع أن تتحمل رئيسك في العمل إذا تحدث معك بخشونة أو شيء من التعنيف، حيث ستقبل منه ذلك بنوع من الصبر وسعة الصدر؛ خوفاً من عواقب الرد عليه بالمثل!! لكنك لن تقبله أبداً من فقير لست بحاجة إليه مطلقاً، وتنظر إليه نظرة دونية، حتى لو كان هذا الانفعال منه؛ بسبب ما يعتقده من دفاع عن حقٍ له!! إذ سوف ترد عليه الصاع صاعين، وسوف تصب عليه جام غضبك؛ لأنك لا تخشى في قرارة نفسك من عواقب قيامل بذلك؛ نظراً لضعفه!! وهذه هي مساحة الطغيان في نفسك!!
تستطيع أن تتحمل زوجتك إذا ما كنت مقصراً في أداء واجباتك المنزلية؛ بسبب عجزك المالي!!
لكنك لن تقبل منها أبداً أدنى ذرة اعتراض أو امتعاض إذا جرى المال في يديك، وسوف تفكر على الفور في استبدالها بغيرها!!
وذلك بالطبع بعدما تجعل منها في قرارة نفسك نموذجاً لأسوأ زوجة على وجه الأرض؛ كتبرير لهذا الاستبدال ونكران العشرة!!
وهذه هي مساحة الطغيان في نفسك!!
تستطيع أن تبتسم في وجه من ترجو منه منفعةً مادية أو مالية؛ حتى لو لم تكن تطيقه!!
لكنك لن تستطيع أن تفعل ذلك أبداً، لو جاءك نفس الشخص في حاجة وأنت الذي تملكها!!
وهذه هي مساحة الطغيان في نفسك!!
تستطيع أن تؤجل دين استندته من ضعيف، حتى لو كنت تملك القدرة على السداد؛ نظراً لأنك لا تتوقع منه القيام بأي ردة فعل؛ بسبب عجزه!!
لكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك أبداً، مع صاحب دين ذو سطوة، ولديه القدرة على استرداد دينه بيده؛ وذلك لأنك سوف تؤثر السلامة؛ وتسدد له الدين على الفور!!
وهذه هي مساحة الطغيان في نفسك!!
تستطيع أن تتهاون في الصغائر، وتوسع على نفسك بالعديد من الترخص حال السعة والرخاء، وقد يصل بك الأمر إلى الوقوع في محرمات الخلوات؛ بسبب هذا الاسترخاء وتلك السعة!!
لكنك لا تستطيع أبداً أن تفعل ذلك، لو أحاطت بك الشدائد من كل جانب، والتصق قلبك بالله؛ طلباً لتفريج تلك الكرب عنك!!
وهذه هي مساحة الطغيان في نفسك!!
فابحث عن مساحات الطغيان في نفسك وعالجها قبل فوات الأوان، قال تعالى : (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)!!
فهل رأيتم ميزاناً أدق في وصف حيِّز الطغيان في النفس البشرية من هذا الميزان؟!
إنه ميزان يربط دوماً بين مقدار استغناء العبد وظهور الطغيان على نفسه!!
فسبحانك ربي ما أحكمك وما أعلمك!!