كلما شعر المراهق بنفسه يبدأ بالاحساس بالوحدة، وتتبلور بداخله فكرة أنه مختلف عن غيره، وبقدر ما يبتعد المراهق عن الوسط المحيط به ومن حولة يغوص في قرارة ذاته ونفسه، ويختبئ فيهما، وهكذا يبرز حاجز بين النفس والعالم ( ناغور ).
من أجل هذا فإن البحوث والدراسات النفسية للمراهقين ربما تبدو صعبة للغاية، وذلك لأن البالغ قد نسى طفولته وما رافقها من عوامل نفسية مختلفة، فحول هذه الفترة يسبح ضباب غير ملموس، ويبدو لنا جّواً غريباً وغامضاً.
وبالنسبة للفترة الحساسة التي تتزامن مع سن البلوغ تزودنا ببعض النتائج، ولكن المراهقة كتعريف تعتبر فترة من الحالات النفسية التي لا يمكن تحديدها. فالشخصية المولودة لدى المراهق ترغب الاختفاء في الظلمة، وأنها تختبئ يرافقها خجل شديد.
وشيئاً فشيئاً.. تتبلور ربما حالة من الصعب الخروج منها بالنسبة للمراهق من خلال ما بنفسه، ويلد حينذاك الشعور بالدونية مخبأ وراء شجاعة مفاجئة ؛ فالانطباع المهيمن بالنسبة للمراهق هو أنه لا يتمكن من الانفصال عن نفسه، فيحـّس بثروة داخلية حيث يشعر بأنه ذو قيمة دون أن يقدر القيمة الحقيقية.
لكن بذلك يكتسب ربما غروراً مشروعاً، ويرغب في التعبير عنه في الوقت المناسب أو غير المناسب، وينتقل من الغرور المؤذي إلى تحدي نفسه تحدياً بذيئاً. ويحسّ غالباً بالقهر عندما يشعر بعدم التلاؤم فيلجأ إلى نفسه ويختبئ فيها.
أما إذا فشل التطبيق فالحلم ربما يعوض عن الحقيقة، ويمكن للمراهق الذهاب بعيداً في مجال المجازفة الباطنية، فهو مشبع بالقراءات وأفلام السينما، وبجميع الفضول الذي توقظه الحاجة الجنسية.
الانتقال للذاتية:
انطباع الفتى أو المراهق بالنسبة للحياة الداخلية والعميقة يعتقد أنه مستقل عن
الناس، كلها تحقق ذاتيته أمــام الجميـع، وأول فعاليـة للذاتيـة هـي الخصــومة مع الغير. ولكن بداية البلوغ تحدداجتماعيــاً بالرفض، الذي يكون سيئاً في المرحلة المدرسية، وغير مرغوب فيه من أجل نمو الذكاء والتوجيه المثمر.
وبالنسبة للحالة المزاجية للمراهق في تلك الفترة فتكون هشة ومتغيرة، بسهولة حسب التأثيرات التي تطرأ عليه، ولذا فإنه يتعــارض مع مـا كان عليه بالأمس، ويتعـارض مع المثل العليا التي يقدمها له المعلم والمربي.
وأحياناً يقوم بتقليد بعض الأشياء والأشكال التي تصادفه أو تعرض أمامه قبل أن تتكون شخصيته، فالقراءات والأمكنة التي تحيط به تؤثر فيه، وقد يصبح بطلاً أو قديساً ، أو شقياً أو سارقاً.
وأحياناً يظهر لنا المراهق أنه يرغب في تقليد كل ما يصادفه أو حتى كل شيء تقع عليه عيناه، والتقليد هو العامل الهام في إغراق – الأنا – أي الذات في اللاشعور قبل أن تنمو الشخصية النموذجية والراقية . فطفولة العبقري هي التي تبحث عن الأمثلة والنماذج " (جان لاكروا).
وتعتبر هذه الفوضوية بمثابة شعور للاراداي وهنا تكمن خطورتها، فالمراهق وارد أن يكون حساس لجميع أنواع العدوى والذي يجب عمله هو الاهتمام بجعل الولد محباً لمثل أعلى يتخذه نموذجاً له، مما يساعد المربي في الكفاح ضد هذه الغوغائية العامية والعفوية.
ومن الممكن أن يصادفنا نوعين من هذا التقليد.. أحدهما ضار وعقيم، والآخر مثمر وبناء، ومن أجل تكوين الطباع تعتبر فكرة المقابلة عامل مهم جداً بالنسبة لهجر الغوغائية، فالتقليد هو ظاهرة مشتركة بين الطفـولة والمراهقة ، ولذا فإن المعـارضة ، وقدرة الرفض بأن يقـول: الولد " لا " يحدد مرحلة هامة في تكوين الشخصيــات، فهو ذلك الميل الغريزي الذي يقــود الفـرد إلى تأكيد ذاته، وهو المرتكز الحقيقي، وفي الحقيقة، فإن منشأ كل هذه الظاهرة بالتنافر والتقليد يسبب الميل للخلْق.
والمراهق عندما يقوم بالتقليد يطن أنه مبدع، ويعاند لأنه يعتقد بأنه الأفضل مقارنة بمن حوله، وهو بسبب ضعفه باق في مرحلة التقليد، وبسبب ضعفه أيضاً يبقى فـي مرحلـة التنـافر، ولكن الإبداع بالقـوة، أي بالجهــد والألم تسمح له بتحقيق شخصيته.
الإبداع بالنسبة لتطوير الذات هو اكتشـاف الفكر، وإيصال ملكة الابتكار إلى النور، والسير باتجاه الرغبة العميقة للمراهق بأن يصبح مراهقاً، وهذه الرغبة تسمح له بأن يصبح كذلك.
فالإنسان يبدأ من وحدته مع العالم المادي أحياناً يعود بسبب الوحدة إلى الاحتكاك بالأمر الواقع.. ومن الوارد أن يكون حقيقة.. حينها يولد تناغم بين العمل المبدع والشخصية.