كلنا نعرف أن الدعاء للمسلم وطلب المغفرة والرحمة له جائزة
ولكن هل الدعاء وطلب المغفرة لغير المسلم جائز؟؟؟
1- يحرم الدّعاء بالمغفرة و طلب الجنة لغير المسلم الذي مات ، لقول اللّه تعالى: «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحَابُ الجَحِيمِ»، وقد جاء الحديث بمعناه، وأجمع المسلمون عليه , لا يُقال إن الآية خاصّة بالموتى المُشركين، دون اليهود والنّصارى , لأن الله قاله في كلّ من كان على غير الإسلام في قوله تعالي : (ومَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإسْلامِ دِينًا فلنْ يُقبَلَ مِنْهُ وهو فِي الآخِرةِ مِن الخَاسِرينَ ـ 85 آل عمران) , وقال تعالي : (إنَّ الذينَ كَفَروا من أهلِ الكِتاب والمشركينَ في نار جَهَنَّمَ خالدينَ فيها أولئكَ هم شَرُّ البَرِيّة ـ 6البينة) , وقال تعالى:{إنّ الذينَ كَفروا وماتُوا وهم كُفّار أولئكَ عليهم لعنَةُ اللهِ والملائِكةِ والنّاسِ أجْمعينَ (161) خالِدينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمْ العَذابُ ولا هُمْ يُنْظَرونَ (162) البقرة} , وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استأذنت ربي أن أستعفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي) .
قال النووي في المجموع : (( وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع)) , وقال في تحفة المحتاج : (( ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه )) .
2- لكن إن كان حَيًّا جاز الاستغفار وطلب الرّحمة والهِداية بالتوفيق إلى الإيمان وصحّة البدن، وعليه يُحمل قوله تعالي : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ـ الأعراف 156) رحمة الله تعالى وسعت وشملت كل شيء، العالم العلوي والعالم السفلي، فما من أحد إلا وهو يتقلب في رحمة الله تعالى، المسلم والكافر، البرّ والفاجر، الظالم والمظلوم، الجميع يتقلبون في رحمة الله آناء الله وأطراف النهار , و ما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال عن قومِه المُشركين (اللهمّ اغفِرْ لقومِي فإنّهم لا يَعلمون) رواه البخاري ومسلم , ولحديث أنس رضي الله عنه قال :«استسقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسقاه يهوديّ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: جمّلك اللّه» فما رأى الشّيب حتّى مات , ويُحمل أيضا ما رواه مسلم أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ( لمَّا زار عمّه أبا طالب في مرضِه الذي مات فيه وعرَض عليه الإسلام فأبى، قال :أما والله لأستغفِرَنّ لكَ ما لم أُنْهَ عن ذلك فأنزل الله تعالى : {(مَا كَانَ للنَّبِيِّ والذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغفِروا للمُشركينَ ولو كانوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعدِ ما تبيّن لهم أنّهم أصحابُ الجَحيم (113) وما كانَ استِغفارُ إبراهيم لأبِيهِ إلا عن مَوعِدة وعدَها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدُوٌّ لله تبرَّأَ منه (114) التوبة}.
فالاستغفار للأحياء جائز؛ لأن إيمانهم مرجُوٌّ، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعَى له , قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسَكوا عن الاستغفار ، ولم ينْهُهم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا.
3- ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز عيادة المريض و التعزية لغير المسلم , لقوله تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ـ الممتحنة 8) , وقد كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يهودي يخدمه ، فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ـ رواه البخاري (1356) ـ
قال ابن حجر : (وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض ، وفيه حسن العهد ) .
فطلب الرحمة للكافر جائزة طالما كان حيا على ما ذهب إليه كثير من العلماء ، وأما طلب الرحمة للكافر بعد موته فلا يجوز ؛ لأنه ليس أهلا للرحمة , ثم إن رحمته تعني نقله إلى الجنة ، وهذا مستحيل ، فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الكافر لا يدخل الجنة مطلقا.