سبحانه عزّ من قائل "عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "
فالحمدلله الذي علّمنا.. ولازال يتفضل علينا بتعليمنا ما لم نعلم
الآية التي أنا بصدد الكلام عنها حقا لم أر أروع من هذا التفسير لها(من التفاسير القريبة المعاصرة).. سبحان الله كلماتها موجزة لكن جمعت معانٍ أخلاقية أفضل مما لو بسطت في 100 كتاب للتنمية البشرية !
يقول الله تعالى :
" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " [الأعراف :199]
من تفسير العلامة السعدي رحمه الله :
"هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم.
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه. "أ.هـ
أكثر ما استوقفني في التفسير هذه العبارة: (فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم )
أسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق ويُزكِّي نفوسنا !
سبحان الله فأغلب مشكلاتنا مع من حولنا هي أننا نطلب منهم أن يعاملونا كما نحب..
وكلا الطرفين (نحن و هم ) نظل في حالة إنتظار أيُّنا يبدأ ويغيِّر طبعه ليوائم ما تطبع عليه هو... لكن هنا... أين التواصل ؟...بل كيف سيكون التواصل إذن ؟
وأتذكر أني عندما سمعت التفسير قالت المعلمة ما معناه:
"في ناس طباعها فعلا جافة...هي لا تتعمد أن تكون جافة لكن هي طبعها كده فعامليها على قدر طبعها ده ...ولا تردي الجفاف بجفاف أو تتضايقي أنها بتتعامل بجفاف.
خذي العفو واشكري لها إحسانها في الجوانب الآخرى. "
وهناك تعبير قرأته و أعجبني.. عن خاطرة حول نفس الموضوع:
"كما تأخذ اليسير من الناس ولا تكلفهم فوق طبائعهم خذ أيضا الفريد منهم وحمّله فوق طبعك!! "
( وهذا المعنى لا علاقة له بالتفسير لكن نخرج منه بمعنى جميل حقا) :
أن نأخذ من أخلاق الناس الأخلاق الحميدة ونتأسى بها..
مثلا احتككت بشخص ما ورأيت من جميل خلقه وطباعه.. لكن أكثر ما جذبك فيه خلق معين كخلق"التغافل" مثلا
قال الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل" وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور .
والحسن البصري يقول: "ما زال التغافل من فعل الكرام"..
و آخر لمست فيه أنه متسامح سليم القلب والسريرة يقبل العذر بسهولة و بلا غضاضة
قال تعالى :"وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
فلما لا تكون أنت أيضا متغافلا متسامحا ؟
لماذا لا تجمع من كل بستان زهرة؟
تأخذ من هذا حلمه ومن هذا ورعه ومن هذا تغافله ..وهكذا.