من الحكماء الأقدمين من أخذ إحدى الموازين فيسقط ما تكرر ويكسر ما بقي ويجعل ذلك أعوانا وليست تلك الأعوان في مرتبة الأعوان, التي تخرج من اسم المطلوب ولا يخفى عليكم القوي من الضعيف في ذلك وكيفية استخراج الأعوان تأتي في محله مفصلا بعد الأجمال .
وكذلك نظم الأقسام ومنهم أخذ السطر الأول وبسطه حرفا من المطلوب وحرفا من العمل وحرفا من الطالب ثم كسرهم على هذا الحكم وهذا عمل ذكرته على ما هو عليه في الكتاب المعروف بالفن المؤتلف ولا ينبغي ذكره هنا لأن الكلام عليه يخرج عن مقصدنا وعما وضعنا هذه الرسالة بسببه, ولكن اسم الفن المؤتلف يغنى عن إظهار خواصه وتأثير سره وهذه الطريقة التي أن ذاكرها لكم في هذه الرسالة يحتاج اليها ذلك الكتاب بل كل كتاب وضعه حكيم .
وهي لا نحتاج إلى شي وبها تنصرفون على جميع ما في الكائنات من خير وشر وجلب وطرد وهي في أعمال الخير كالبرياق وفي أعمال الشر كالسم الناقع وأرجو من واهب العقل و مفيض الرحمة دوام نفعها وعدم الأفتقار إلى غيرها, وهي كالأنموذج لكل طريقة ولكن وجوب النصح على وتحريم الغش هو الذي جرأني على ما لم أسبق به .
ومع ذلك فصونوا أيها الأخوان ما أظهرته لكم بديع الحكمة إن كنتم لها أهلا فلا تبدو الا لمن هوله أهل فاني أقسم بموجد الكائنات ورافع السموات إن هذه الأصول والضوابط كاشفة لكم عن جميع ما أخفته الحكماء في رسائلهم وما رمزوه في مقالاتهم وقد لامني على ذلك كثير من إخواني فأجبتهم بأن النصح لإخوان الحكمة واجب وترك الواجب مذموم والتنزل من الشي المحمود الى الشيء المذموم حمنى وسفه ولكن الوصية واجبة بعدم إبدائها لغير أهلها فاقبلوا وصيتي وتحملوا على ماتجدوه من الخطأ في مقالي وتجاوزوا عن الحلل الواقع فيما وضعته لكم في هذه الرسالة, فان النوع الإنساني محل التغيير والتلوين ووقع الخطأ وأنتم معشر الإخوان أهل السر وإظهار الجميل من القول والفعل والله ساتر لنا ولكم يوم عود الأرواح إلى أجسادها والسلام .
واعلموا أن هذا الفن هو البسط وتقديم المطلوب والعمل بعده والطالب آخر ثم التكسير حرفا بحرف يسارا ويمينا إلى أن يعود الأول وإثباته نفع بلا ضرر فن منه استخراج مطيع ويكون السطر العائد في التكسير والأول في معنى الدائرة المحيطة وإخراج الأعوان من نفس اسم المطلوب أحق من استخراجه من الموازين وأولى لأن أكمام الثوب إذا كانت من غيره كان ذلك عيبا فيه خللا ممن خاطه وإن كانت منه كان ملتئما لا يعرف من أي المواضع قطعت والقسم من أسطر التوليد رباعيا وهو الأولى في الخير وخماسيا وهو الأولى في الشر .