إن من المعروف بأن الإنسان عندما يمارس الحرام أو المنكر مدة من الزمن،
ثم يتوب إلى الله عز وجل توبة حقيقية،
فإنه سيختصر بعض المراحل..
أي أن هنالك قوة تحريك في باطن هذا الإنسان النادم، تدفعه إلى الله عز وجل،
فقد يتقدم على الطائعين من عباد الله عز وجل، لما يعيشه من الندامة الباطنية.
وكمثال على ذلك، قال السجاد عليه السلام:
"إنّ رجلا ركب البحر بأهله، فكُسر بهم فلم ينجُ ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة، حتى أُلجئت إلى جزيرة من جزائر البحر،
وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها، فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية؟!..
فقالت: إنسية، فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما أن همّ بها اضطربت فقال لها: مالك تضطربين؟..
فقالت: أفرَقُ من هذا - وأومأت بيدها إلى السماء -
قال: فصنعت من هذا شيئا؟..
قالت: لا، وعزته،
قال: فأنتِ تفرقين منه هذا الفَرَق ولم تصنعي من هذا شيئا، وإنما استكرهتك استكراها، فأنا والله أولى بهذا الفَرَق والخوف، وأحق منك..
فقام ولم يُحدِث شيئا، ورجع إلى أهله، وليس له همة إلا التوبة والمراجعة.
فبينما هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس،
فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس،
فقال الشاب: ما أعلم أنّ لي عند ربي حسنة، فأتجاسر على أن أسأله شيئا..
قال: فأدعو أنا وتؤمّن أنت،
قال: نعم..
فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمّن، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار، ثم انفرقت الجادّة جادّتين،
فأخذ الشاب في واحدة، وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحاب مع الشاب،
فقال الراهب: أنت خير مني، لك استجيب ولم يُستجب لي، فخبّرني ما قصتك؟!..
فأخبره بخبر المرأة، فقال: غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل!..
أي ابدأ الآن صفحة جديدة من حياتك!..
فالدرس العملي من رواية الإمام زين العابدين عليه السلام:
هو استثمار الندامة الماضية،
وتحويل الندامة والأسف إلى حركة دائبة لقضاء ما فات،
وأداء ما سيأتي،
فالله تعالى هو خير الغافرين.
نقلا عن
الشيخ حبيب الكاظمي
الــــــــوردة