اكتشاف كواكب خارج النظام الشمسي في التسعينات من القرن الماضي، وتواصل هذه الاكتشافات بوثيرة عالية في العقد الأول من هذا القرن، أحيا النقاش في الأوساط العلمية حول إمكانية قيام ونشوء الحياة في أمكنة أخرى في الكون غير كوكب الأرض.
إلا أن إستطلاع آفاق الحياة في الكون يجد مجالات عدة ليس في الفضاء فقط، بل هنا على الأرض. وعندما نقول "الأرض" فلا نعني بذلك سطح الأرض فقط، بل "الأرض" بما تحويه من غلاف جوي، وأعماق المحيطات، وباطن الأرض، والمناطق عالية الاشعاع، والبيئات الحمضية (Acidic) والقلوية (Alkaline)، وغيرها.
باختصار شديد، إذا أردنا أن نستكشف قدرة الحياة على التنوع والظهور في بيئات غريبة قاسية الظروف، فإن أفضل مكان لذلك هو كوكب الأرض، حيث تظهر الدراسات العلمية المتعددة وجود أنواع من الحياة تُذهل أكثر العلماء والباحثين معرفة بقوانين البيولوجيا والحياة.
حتى الثمانينات من القرن التاسع عشر، ساد اعتقاداً بأن قعر المحيط خالٍ من أنواع الحياة، وكان بعض العلماء يُصرح بأن الحياة لا يمكن أن توجد تحت عمق 600 متر في البحار أو المحيطات.
إلا أن العالم كان على موعدٍ مع مفاجأة كبيرة عام 1884، عندما اكتشف عالم البيولوجيا الفرنسي سيرت نشاطاً ميكروبياً في عينات من ماء البحر تمَّ استخراجها من عمق 5100 متر، ومع ذلك فإن الاعتقاد بصعوبة وجود حياة في قعر المحيطات ظل سائداً في الاوساط العلمية لأن العلم كان يفترض أنه من دون التمثيل الضوئي (Photosynthesis) فلن يكون هناك مصدر للطاقة والغذاء، وبالتالي وجود لحياة.
وقد احتاج الأمر إلى مفاجأة ثانية حتى يبدأ العلماء بقبول فكرة وجود حياة في الأعماق السحيقة للمحيطات. والمفاجأة هذه المرة لم تأت من علماء البيولوجيا وإنّما من علماء الجيولوجيا جون كورليس وجون إدموند اللذين كانا يستكشفان عام 1977، قعر المحيط على عمق 2800 متر بواسطة غواصة الأعماق "ألفين" (Alvin) بحثاً عن دلائل جيولوجية للانجراف القاري (Continental Drift (، حين تعثرّا بفتحات حرارية (Hydrothermal Vents) ينبع منها الماء الحار. وحول هذه الفتحات وجدا تجمعَّات من المحار (Clams)، والسرطانات (Crabs)، وشقائق النعمان البحرية (Sea Anemones) ، وديداناً أنبوبية Tube Worms)) يصل طول الواحدة منها إلى حوالي المترين، وأسماكاً كبيرة.
وبعد عامين تمكنت بعثة علمية أخرى على متن الغواصة "ألفين" من إكتشاف كائنات مختلفة قرب النفاثات السوداء، وهي نفاثات من الماء الحار مشبع بالمعادن وتنبثق من قعر المحيط في المناطق البركانية.
في كل مكان!
هذه الإكتشافات المثيرة دفعت الوسط العلمي لإطلاق حملات لإستكشاف أنواع من الحياة في أمكنة لم تكن في البال من قبل، وهي قيعان المحيطات، وأعماق الأرض، والأجزاء العليا من الغلاف الجوي.
وقد أدت هذه الحملات إلى إكتشاف أنواع جديدة من الحياة في بيئات قاسية جداً، وأطلق عليها إسم ميكروبات البيئات القاسية أو الاكستريموفيلات (Extremophiles).
والمثير في هذه الميكروبات هو قدرتها على تحّمل درجات الحرارة العالية أو المنخفضة، وذلك بسبب قدرتها على إبقاء الماء سائلاً في كلتا الحالتين.
وأغلب هذه الاكستريموفيلات ينتمي إلى نوع من الحياة يطلق عليه إسم الآركيات (Archaea)، وهو واحد من الفروع الرئيسة الثلاثة للحياة على كوكب الأرض التي تشتمل أيضا على "بدائيات النوى" (Prokaryotes) مثل البكتيريا، "وحقيقيات النوى" (Eukaryotes) أيّ كل الكائنات التي تحتوي على نواة في خلاياها.
ويسود إعتقاداً قوياً في الأوساط العلمية أن الآركيات هي من أقدم أنواع الحياة على الأرض، وهي قادرة على تحمّل درجات الحرارة العالية وصولاً إلى 113 درجة مئوية فوق الصفر، أيّ 13 درجة فوق درجة غليان الماء. والآركية التي تحمل الرقم القياسي حتى اليوم في العيش في حرارة 113 درجة مئوية هي بيرولوبوس فوماري (Pyrolobus Fumarii) التي اكتشفها العلماء في العام 1997.
هل سيبقى هذا الرقم القياسي صامداً في وجه الاكتشافات المستقبلية؟!
يقول العلماء إنّ بعض الإنزيمات (Enzymes) قادرة على تحمّل درجات 140 درجة مئوية فوق الصفر، لذلك ليس من الصعب افتراض وجود كائنات سيتم اكتشافها في المستقبل تستطيع أن تعيش في درجات حرارة تصل إلى 150 درجة مئوية فوق الصفر.
ماذا عن الحياة في الحرارة المتدنية؟
طالما استطاعت الكائنات إبقاء الماء سائلاً داخل خلاياها فلا شيء يمنع من استمرار الحياة في ظروف البرودة القاسية. وقد استطاعت كائنات من فروع الحياة الثلاث الرئيسة أن تتكيف مع الحرارة المتدنية، ومنها براغيث جبل الهملايا (Himalayan Midges) وبعض أنواع البكتيريا التي تستطيع الحياة على درجات 18 تحت الصفر.
وتعود قدرة الكائنات على الصمود أمام الحرارة المتدنية إلى إنتاجها لجزيئات مثل البروتينات أو الغليكوبروتينات التي تمنع تكوّن بللورات الماء داخل الخلايا. وهذا يحدث في أنواع من الأسماك، والضفادع، وغيرها.
ومؤخراً أعلن باحثون من مؤسسة البيولوجيا القطبية في الولايات المتحدة عن إكتشافهم خنفساء تتحمل حرارة 75 درجة مئوية تحت الصفر (راجع أخبار علم وعالم العدد 45)، بسبب وجود جزيء (Molecule) يمنع تكوّن بللورات الجليد داخل الخلايا. والجديد في هذا الاكتشاف أن هذا الجزيء ليس بروتيناً كما هو الحال مع كائنات أخرى.
وتشير دراسات أخرى أن أحد أنواع بكتيرياClowellia Psychrerythraea قد تحتمل درجات حرارة تصل إلى 196 درجة مئوية تحت الصفر وهي حرارة النتروجين السائل.
والحرارة ليست العائق الوحيد الذي هزمته ميكروبات الظروف القاسية أو الاكستريموفيلات، فهي قد تخطت واحداً من أخطر الظروف البيئية قساوة وهو الإشعاع. فقد وجد باحثون من جامعة برنستون مجتمعاً معزولاً من البكتيريا يعيش في صخور منجم للذهب في جنوب إفريقيا.
وقد انعزلت هذه البكتيريا عن سطح الأرض منذ بضعة ملايين سنة، وتعيش على عمق حوالى ثلاثة كيلومترات تحت السطح. وتستمد هذه البكتيريا كل طاقتها من اضمحلال الصخور المشعّة بدلاً من أشعة الشمس.
وعلى المقلب الآخر من كوكب الأرض اكتشف علماء نوعاً جديداً من الميكروبات يعيش في قمة بركان سوكومبا في صحراء أتاكاما في التشيلي. وتعتبر هذه الصحراء من أكثر المناطق جفافاً على كوكب الأرض.
وبعد الحرارة والاشعاع والجفاف يأتي دور الملوحة حتى تهزمه الميكروبات، فقد اكتشف علماء أنواعاً مختلفة منها في بحيرة مونو في كاليفورنيا حيث تبلغ الملوحة 3 أضعاف ملوحة المحيط، وفي البحر الميت في الأردن حيث تبلغ الملوحة ثمانية أضعاف الملوحة في تلك المحيطات.
ولاكتشاف قدرة الاكستريموفيلات ذهب العلماء إلى القطب الجنوبي، واستخرجوا عيّنات من بحيرة انترسي (Untersee) ذات المياه عالية القلوية ( Very Alkaline) كتلك الموجودة في أدوية التنظيف المنزلية (مبيضات الغسيل (Bleach))، وهناك أيضا كانت المفاجأة. فقد اكتشفوا أن الاكستريموفيلات قادرة على العيش في مياه البحيرة حيث تعجز كل الكائنات الأخرى.
على الأرض وفي الفضاء أيضاً!
وإذا كانت الاكستريموفيلات قادرة على التكيّف مع الظروف القاسية الطبيعية، فقدرتها على التأقلم مع الظروف التي استحدثها الإنسان لا تقل كفاءة وأهمية. فالاكستريموفيل الذي يُدعىDeinococcus radiodurans يستطيع العيش في مواقع النفايات النوويةNuclear Waste) ).
ويقول العالم ريتشارد هوفر الخبير بهذه الميكروبات في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنّ هذا الاكستريموفيل يستطيع أن يتغذى على قضبان الفولاذ المستهلكة في المفاعلات النووية.
وإذا كانت ميكروبات الظروف القاسية قد هزمت الإشعاعات النووية هنا على الأرض فهي قد أثبتت قدرتها على البقاء حيَّة لأكثر من 30 شهراً على سطح القمر، الذي يتعرض لقصف دائم من الجزيئات عالية الطاقة.
وبسبب غياب حقل مغناطيسي لحماية سطح القمر من هذه الجزيئات (الرياح الشمسية) فإن إمكانية صمود الحياة لفترات طويلة تبدو شبه مستحيلة.
ومع ذلك فإن روّاد الفضاء الاوائل الذين هبطوا على سطح القمر استرجعوا كاميرا كانت تحملها مركبة سيرفيور 3، التي كانت قد سبقتهم إلى هناك بسنتين ونصف السنة، واكتشف العلماء أن ميكروباً أرضياً موجوداً في الكاميرا استطاع الصمود كل تلك الفترة.
المفاجأت لا تقف عند هذا الحد، فالميكروبات أثبتت قدرتها على هزم الزمن أيضاً. فقد وجد العلماء إكستريموفيلات في نفق في آلاسكا، عادت إلى الحياة بعد أن بقيت متجمدة لأكثر من 32,000 سنة.
تنوع الحياة على الأرض
والفضاء ربما؟!
صنف العلماء حوالى 2 مليون نوع حياة على كوكب الأرض، ويعتقد الوسط العلمي أن كوكبنا يحتوي على 100 مليون نوع لم يتم تصنيفه حتى اليوم، وتنتمي الأكثرية الساحقة من هذه الأنواع إلى عالم الميكروبات التي ستعطي الإنسان فكرة أعمق عن قدرة الحياة على التنوع والانتشار في الظروف الطبيعية المختلفة هنا على الأرض وفي الأجرام الفضائية التي يرشحها العلماء كأمكنة محتملة لوجود الحياة الميكروبية مثل المريخ، وقمر المشتري يوروبا، والمذنبات وغيرها.
لذلك فإن دراسة ميكروبات الاكستريموفيل تشكل مدخلاً مهماً لعلم البيولوجيا الفلكية (Astrobiology)، خصوصاً وأن بعض الظروف التي هزمتها هذه الميكروبات على الأرض تقارب جداً بعض الظروف الأخرى الموجودة في النظام الشمسي.
ولا ينفي العلماء إمكانية وجود ظروف على كواكب مجرتنا أو مليارات المجرات الأخرى، تشبه ظروف حياة ميكروبات الظروف القاسية على الأرض.
1. يعتقد بعض العلماء أن اللون البني في شقوق السطح الجليدي للقمر يوروبا قد يكون سببها كائنات ميكروبية.
2. ميكروب D.radiodurans يقاوم الإشعاع النووي.
3. نفاثات الماء الحار.
4. النفاثات السوداء.
5. نوع من الطحالب يعيش على مادة سامة جداً للحياة والإنسان وهي الزرنيخ (Arsenic). وهذا النوع من الطحالب Cyanidioschyron يستخدم الزرنيخ لإتمام عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis).
6. يقترح معهد المفاهيم المتقدمة التابع لوكالة الفضاء الأميركية استخدام جينات مختلفة من ميكروبات الاكستريموفيلات، ودمجها مع جينات من أنواع معينة من النباتات حتى تصبح هذه قادرة على الصمود والبقاء على سطح المريخ.
ترى هل سنشاهد في المستقبل غابات على المريخ تقوم بتحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى أوكسجين، لتأهيل كوكب المريخ حتى يصبح قادراً على حضن أنواع الحياة المختلفة؟!!
الـــــــوردة
إلا أن إستطلاع آفاق الحياة في الكون يجد مجالات عدة ليس في الفضاء فقط، بل هنا على الأرض. وعندما نقول "الأرض" فلا نعني بذلك سطح الأرض فقط، بل "الأرض" بما تحويه من غلاف جوي، وأعماق المحيطات، وباطن الأرض، والمناطق عالية الاشعاع، والبيئات الحمضية (Acidic) والقلوية (Alkaline)، وغيرها.
باختصار شديد، إذا أردنا أن نستكشف قدرة الحياة على التنوع والظهور في بيئات غريبة قاسية الظروف، فإن أفضل مكان لذلك هو كوكب الأرض، حيث تظهر الدراسات العلمية المتعددة وجود أنواع من الحياة تُذهل أكثر العلماء والباحثين معرفة بقوانين البيولوجيا والحياة.
حتى الثمانينات من القرن التاسع عشر، ساد اعتقاداً بأن قعر المحيط خالٍ من أنواع الحياة، وكان بعض العلماء يُصرح بأن الحياة لا يمكن أن توجد تحت عمق 600 متر في البحار أو المحيطات.
إلا أن العالم كان على موعدٍ مع مفاجأة كبيرة عام 1884، عندما اكتشف عالم البيولوجيا الفرنسي سيرت نشاطاً ميكروبياً في عينات من ماء البحر تمَّ استخراجها من عمق 5100 متر، ومع ذلك فإن الاعتقاد بصعوبة وجود حياة في قعر المحيطات ظل سائداً في الاوساط العلمية لأن العلم كان يفترض أنه من دون التمثيل الضوئي (Photosynthesis) فلن يكون هناك مصدر للطاقة والغذاء، وبالتالي وجود لحياة.
وقد احتاج الأمر إلى مفاجأة ثانية حتى يبدأ العلماء بقبول فكرة وجود حياة في الأعماق السحيقة للمحيطات. والمفاجأة هذه المرة لم تأت من علماء البيولوجيا وإنّما من علماء الجيولوجيا جون كورليس وجون إدموند اللذين كانا يستكشفان عام 1977، قعر المحيط على عمق 2800 متر بواسطة غواصة الأعماق "ألفين" (Alvin) بحثاً عن دلائل جيولوجية للانجراف القاري (Continental Drift (، حين تعثرّا بفتحات حرارية (Hydrothermal Vents) ينبع منها الماء الحار. وحول هذه الفتحات وجدا تجمعَّات من المحار (Clams)، والسرطانات (Crabs)، وشقائق النعمان البحرية (Sea Anemones) ، وديداناً أنبوبية Tube Worms)) يصل طول الواحدة منها إلى حوالي المترين، وأسماكاً كبيرة.
وبعد عامين تمكنت بعثة علمية أخرى على متن الغواصة "ألفين" من إكتشاف كائنات مختلفة قرب النفاثات السوداء، وهي نفاثات من الماء الحار مشبع بالمعادن وتنبثق من قعر المحيط في المناطق البركانية.
في كل مكان!
هذه الإكتشافات المثيرة دفعت الوسط العلمي لإطلاق حملات لإستكشاف أنواع من الحياة في أمكنة لم تكن في البال من قبل، وهي قيعان المحيطات، وأعماق الأرض، والأجزاء العليا من الغلاف الجوي.
وقد أدت هذه الحملات إلى إكتشاف أنواع جديدة من الحياة في بيئات قاسية جداً، وأطلق عليها إسم ميكروبات البيئات القاسية أو الاكستريموفيلات (Extremophiles).
والمثير في هذه الميكروبات هو قدرتها على تحّمل درجات الحرارة العالية أو المنخفضة، وذلك بسبب قدرتها على إبقاء الماء سائلاً في كلتا الحالتين.
وأغلب هذه الاكستريموفيلات ينتمي إلى نوع من الحياة يطلق عليه إسم الآركيات (Archaea)، وهو واحد من الفروع الرئيسة الثلاثة للحياة على كوكب الأرض التي تشتمل أيضا على "بدائيات النوى" (Prokaryotes) مثل البكتيريا، "وحقيقيات النوى" (Eukaryotes) أيّ كل الكائنات التي تحتوي على نواة في خلاياها.
ويسود إعتقاداً قوياً في الأوساط العلمية أن الآركيات هي من أقدم أنواع الحياة على الأرض، وهي قادرة على تحمّل درجات الحرارة العالية وصولاً إلى 113 درجة مئوية فوق الصفر، أيّ 13 درجة فوق درجة غليان الماء. والآركية التي تحمل الرقم القياسي حتى اليوم في العيش في حرارة 113 درجة مئوية هي بيرولوبوس فوماري (Pyrolobus Fumarii) التي اكتشفها العلماء في العام 1997.
هل سيبقى هذا الرقم القياسي صامداً في وجه الاكتشافات المستقبلية؟!
يقول العلماء إنّ بعض الإنزيمات (Enzymes) قادرة على تحمّل درجات 140 درجة مئوية فوق الصفر، لذلك ليس من الصعب افتراض وجود كائنات سيتم اكتشافها في المستقبل تستطيع أن تعيش في درجات حرارة تصل إلى 150 درجة مئوية فوق الصفر.
ماذا عن الحياة في الحرارة المتدنية؟
طالما استطاعت الكائنات إبقاء الماء سائلاً داخل خلاياها فلا شيء يمنع من استمرار الحياة في ظروف البرودة القاسية. وقد استطاعت كائنات من فروع الحياة الثلاث الرئيسة أن تتكيف مع الحرارة المتدنية، ومنها براغيث جبل الهملايا (Himalayan Midges) وبعض أنواع البكتيريا التي تستطيع الحياة على درجات 18 تحت الصفر.
وتعود قدرة الكائنات على الصمود أمام الحرارة المتدنية إلى إنتاجها لجزيئات مثل البروتينات أو الغليكوبروتينات التي تمنع تكوّن بللورات الماء داخل الخلايا. وهذا يحدث في أنواع من الأسماك، والضفادع، وغيرها.
ومؤخراً أعلن باحثون من مؤسسة البيولوجيا القطبية في الولايات المتحدة عن إكتشافهم خنفساء تتحمل حرارة 75 درجة مئوية تحت الصفر (راجع أخبار علم وعالم العدد 45)، بسبب وجود جزيء (Molecule) يمنع تكوّن بللورات الجليد داخل الخلايا. والجديد في هذا الاكتشاف أن هذا الجزيء ليس بروتيناً كما هو الحال مع كائنات أخرى.
وتشير دراسات أخرى أن أحد أنواع بكتيرياClowellia Psychrerythraea قد تحتمل درجات حرارة تصل إلى 196 درجة مئوية تحت الصفر وهي حرارة النتروجين السائل.
والحرارة ليست العائق الوحيد الذي هزمته ميكروبات الظروف القاسية أو الاكستريموفيلات، فهي قد تخطت واحداً من أخطر الظروف البيئية قساوة وهو الإشعاع. فقد وجد باحثون من جامعة برنستون مجتمعاً معزولاً من البكتيريا يعيش في صخور منجم للذهب في جنوب إفريقيا.
وقد انعزلت هذه البكتيريا عن سطح الأرض منذ بضعة ملايين سنة، وتعيش على عمق حوالى ثلاثة كيلومترات تحت السطح. وتستمد هذه البكتيريا كل طاقتها من اضمحلال الصخور المشعّة بدلاً من أشعة الشمس.
وعلى المقلب الآخر من كوكب الأرض اكتشف علماء نوعاً جديداً من الميكروبات يعيش في قمة بركان سوكومبا في صحراء أتاكاما في التشيلي. وتعتبر هذه الصحراء من أكثر المناطق جفافاً على كوكب الأرض.
وبعد الحرارة والاشعاع والجفاف يأتي دور الملوحة حتى تهزمه الميكروبات، فقد اكتشف علماء أنواعاً مختلفة منها في بحيرة مونو في كاليفورنيا حيث تبلغ الملوحة 3 أضعاف ملوحة المحيط، وفي البحر الميت في الأردن حيث تبلغ الملوحة ثمانية أضعاف الملوحة في تلك المحيطات.
ولاكتشاف قدرة الاكستريموفيلات ذهب العلماء إلى القطب الجنوبي، واستخرجوا عيّنات من بحيرة انترسي (Untersee) ذات المياه عالية القلوية ( Very Alkaline) كتلك الموجودة في أدوية التنظيف المنزلية (مبيضات الغسيل (Bleach))، وهناك أيضا كانت المفاجأة. فقد اكتشفوا أن الاكستريموفيلات قادرة على العيش في مياه البحيرة حيث تعجز كل الكائنات الأخرى.
على الأرض وفي الفضاء أيضاً!
وإذا كانت الاكستريموفيلات قادرة على التكيّف مع الظروف القاسية الطبيعية، فقدرتها على التأقلم مع الظروف التي استحدثها الإنسان لا تقل كفاءة وأهمية. فالاكستريموفيل الذي يُدعىDeinococcus radiodurans يستطيع العيش في مواقع النفايات النوويةNuclear Waste) ).
ويقول العالم ريتشارد هوفر الخبير بهذه الميكروبات في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنّ هذا الاكستريموفيل يستطيع أن يتغذى على قضبان الفولاذ المستهلكة في المفاعلات النووية.
وإذا كانت ميكروبات الظروف القاسية قد هزمت الإشعاعات النووية هنا على الأرض فهي قد أثبتت قدرتها على البقاء حيَّة لأكثر من 30 شهراً على سطح القمر، الذي يتعرض لقصف دائم من الجزيئات عالية الطاقة.
وبسبب غياب حقل مغناطيسي لحماية سطح القمر من هذه الجزيئات (الرياح الشمسية) فإن إمكانية صمود الحياة لفترات طويلة تبدو شبه مستحيلة.
ومع ذلك فإن روّاد الفضاء الاوائل الذين هبطوا على سطح القمر استرجعوا كاميرا كانت تحملها مركبة سيرفيور 3، التي كانت قد سبقتهم إلى هناك بسنتين ونصف السنة، واكتشف العلماء أن ميكروباً أرضياً موجوداً في الكاميرا استطاع الصمود كل تلك الفترة.
المفاجأت لا تقف عند هذا الحد، فالميكروبات أثبتت قدرتها على هزم الزمن أيضاً. فقد وجد العلماء إكستريموفيلات في نفق في آلاسكا، عادت إلى الحياة بعد أن بقيت متجمدة لأكثر من 32,000 سنة.
تنوع الحياة على الأرض
والفضاء ربما؟!
صنف العلماء حوالى 2 مليون نوع حياة على كوكب الأرض، ويعتقد الوسط العلمي أن كوكبنا يحتوي على 100 مليون نوع لم يتم تصنيفه حتى اليوم، وتنتمي الأكثرية الساحقة من هذه الأنواع إلى عالم الميكروبات التي ستعطي الإنسان فكرة أعمق عن قدرة الحياة على التنوع والانتشار في الظروف الطبيعية المختلفة هنا على الأرض وفي الأجرام الفضائية التي يرشحها العلماء كأمكنة محتملة لوجود الحياة الميكروبية مثل المريخ، وقمر المشتري يوروبا، والمذنبات وغيرها.
لذلك فإن دراسة ميكروبات الاكستريموفيل تشكل مدخلاً مهماً لعلم البيولوجيا الفلكية (Astrobiology)، خصوصاً وأن بعض الظروف التي هزمتها هذه الميكروبات على الأرض تقارب جداً بعض الظروف الأخرى الموجودة في النظام الشمسي.
ولا ينفي العلماء إمكانية وجود ظروف على كواكب مجرتنا أو مليارات المجرات الأخرى، تشبه ظروف حياة ميكروبات الظروف القاسية على الأرض.
1. يعتقد بعض العلماء أن اللون البني في شقوق السطح الجليدي للقمر يوروبا قد يكون سببها كائنات ميكروبية.
2. ميكروب D.radiodurans يقاوم الإشعاع النووي.
3. نفاثات الماء الحار.
4. النفاثات السوداء.
5. نوع من الطحالب يعيش على مادة سامة جداً للحياة والإنسان وهي الزرنيخ (Arsenic). وهذا النوع من الطحالب Cyanidioschyron يستخدم الزرنيخ لإتمام عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis).
6. يقترح معهد المفاهيم المتقدمة التابع لوكالة الفضاء الأميركية استخدام جينات مختلفة من ميكروبات الاكستريموفيلات، ودمجها مع جينات من أنواع معينة من النباتات حتى تصبح هذه قادرة على الصمود والبقاء على سطح المريخ.
ترى هل سنشاهد في المستقبل غابات على المريخ تقوم بتحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى أوكسجين، لتأهيل كوكب المريخ حتى يصبح قادراً على حضن أنواع الحياة المختلفة؟!!
الـــــــوردة