لقمان الحكيم
ـ
لقمان الحكيم
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
لقمان الحكيم
لقد خلد الله لقمان في كتابه بالرغم من انه لم يكن نبيا ، فمن هو و كيف أضحى حكيما ؟
في الحديث الذي يرويه العلامة الطبرسي في تفسيره مجمع البيان عن نافع ، عن ابن عمر ، عن الرسول صلى الله عليه وآله نجد الجواب :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول :
" حقا اقول لم يكن لقمان نبيا ، و لكن كان عبدا كثير التفكر ، حسن اليقين ، أحب الله فأحبه ، و من عليه بالحكمة ، كان نائما نصف النهار اذ جاءه نداء : يا لقمان ! هل لك ان يجعلك الله خليفة في الارض تحكم بين الناس بالحق ؟
فأجاب الصوت : إن خيرني ربي قبلت العافية ، و لم اقبل البلاء ، و ان هو عزم علي فسمعا و طاعة ، فاني اعلم انه ان فعل بي ذلك اعانني و عصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لان الحكم أشد المنازل و اكدها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، ان وفىفبالحرى ان ينجو ، و ان أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريقا خير من أن يكون في الدنيا شريفا في الآخرة ذليلا ، و من تخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا و لا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ،فانتبه يتكلم بها ، ثم كان يوازر داود بحكمته ، فقال له داود : طوبى لك يا لقمان اعطيت الحكمة ، و صرفت عنك البلوى " (1)و يبين لنا الامام الصادق عليه السلام تفاصيل أخرى عن حياة لقمان ، و السبب الذي جعل به حكيما نثبت منه بعض النقاط العامة .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
" اما و الله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ، ولا مال ، و لا أهل ، ولا بسط في جسم ، و لا جمال ، و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورعا في الله ، ساكتا ، مستكينا ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، و لم يرهاحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره ، و عموق نظره ، و تحفظه في أمره ، و لم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ، و لم يغضب قط ، و لم يمازح انسانا قط ، ولم يفرح بشيء آتاه من أمر الدنيا ، و لا حزن منها على شيء قط ، و قد نكح من النساء و ولد لهمن الاولاد الكثير ، و قدم أكثرهم إفراطا (2) فما بكى على موت أحد منهم ، ولم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان الا اصلح(1) نور الثقلين / ج4 - ص 196
(2) من افرط فلان ولدا ، اي مات له ولد صغير قبل ان يبلغ .
بينهما ، و لم يمض عنهما حتى تحابا ، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه الا سال عن تفسيره و عمن أخذه ، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء ، و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين فيرثى للقضاة مما ابتلوا به ، و يرحم الملوك و السلاطين لغرتهم بالله و طمأنينتهم في ذلك ، و يعتبر و يتعلم ما يغلب به نفسه ، و يجاهد هواه و يحترز به من الشيطان ، و كان يداوي قلبه بالفكر ، و يــداوي نفسه بالعبر ، و كان لا يظعن الا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة و منح العصمة " (1)الاحسان الى الناس ظاهرة تنبع من الشكر لله سبحانه ، ذلك انه يعني الرضا النفسي و العملي ، الذي ينعكس على السلوك في صورة عطاء و تضحية و جهاد ، مقابلة لجميل نعم الله ، و احساسا بالمسؤولية تجاهها . و لكل نعمة شكر يختص بها ، تبعا لمعطياتها ، فشكر نعمة العلم نشره و هداية الناس به .
" زكاة العلم نشره " (2)
و شكر الجاه بذله للمحتاجين :
" زكاة المال بذله "
بينما شكر نعمة القوة السعي لتحقيق الأهداف السامية كاقامة حكم الله في الارض من خلال الجهاد الشامل .
[ و لقد ءاتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ]
و بذل الانسان للنعمة في مجالها الذي حدده الله هو الشكر ، و سنن الله في الحياة(1) المصدر / ص 196 - 197
(2) بحار الانوار / ج 78 - ص 247
- التشريعية منها و التكوينية - تقتضي بذلك نماء النعمة ، فمن حكمة الله ان تسقي السماء الارض ذات الزرع أكثر من الجرداء ، و ان من يستخدم عضلاته أكثر هو الذي تنمو العضلات لديه بينما تضمر عند الخامل ، و ان من يقرأ اكثر ينمو عقله و فكره ، و الذي لا يستفيدمن النعم أو يستخدمها في غير مجالاتها المحددة لا تنمو لديه و تكون مضرة له ، كما لو بذل العلم للتباهي أو المال في اللهو و اللعب .
[ و من يشكر فإنما يشكر لنفسه ]
لان المحتاج للشكر هو الانسان لا الله المتعالي عن الحاجة ، و الشكر هنا يشمل ايضا الناس ، لكن ضمن هدف محدد هو ان يكون ذلك من اجل الله وحده و طلبا لمرضاته و ذلك كله يعود على الانسان نفسه ، بما يسببه الشكر من انماء النعمة " و لئن شكرتم لأزيدنكم " . (1)
[و من كفر فإن الله غني حميد ]
و ليس غنى الله كغنى الناس ، لان الآخر غالبا ما يتأسس على النهب و الاستغلال ، أو يصرف في سحق الآخرين و ابتزازهم حقوقهم - و هو غيري - بينما غنى الله ذاتي يتفضل به على الآخرين خيرا و نعمة ، و هذا هو الغنى المحمود .
__________________
تتعرض الآيات لبعض وصايا لقمان (ع) لابنه ، و التي تشكل أبعاد الحكمة ، و مفردات الشكر لله .
و أول ما يفتتح وصاياه يبين له العلاقة الفاضلة التي يجب ان ينتهجها مع الآخرين و التي تقوم على مبدا التوحيد ، فيحذره من الشرك ، فالخضوع المطلق لا(1) ابراهيم / 7
ينبغي إلا لله سبحانه ، أما البشر فيتقبل توجيهاتهم الصائبة ، و لكن بشرط المحافظة على استقلاليته تجاههم بالتوحيد .
اذن فالتوحيد هو الجوهر الذي يجب على الانسان اعتماده في كل سلوك فردي أو اجتماعــــي و هذا ما دعى اليه كل الانبياء ، و لعل هذا التأكيد على موضوع الشرك في القــــرآن يرجع الــى عامل مهم و هو ان مشكلة الانسان في غالب الاحيان ليس الكفر المحض ، فهو يؤمنباله لهذا الكون ، انما مشكلته هي الشرك بالله .
[ وإذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ]ما هو ذا الظلم العظيم الذي يفرزه الشرك بالله ؟
ان هناك جوانب خفية ، و أخرى ظاهرة لهذا الظلم .
حقا ان ضياع الانسان عن ربه الكريم الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة و باطنة ، و هبوطه الى حضيض عبادة الأشياء الضعيفة العاجزة التي لا تنفع ولا تضر إنه لظلم عظيم .
ما الذي نجده لو فقدنا رب العزة و هو الرحيم الودود الذي أحاطنا باحسانه ، و دعانا الى نفسه ، و وعدنا المزيد من عطائه ؟!
من هو أشد فقرا وفاقة و مسكنة منا حين نضل عن السبيل الوحيد للهدى و الفلاح و الغنى و العز و الكرامة ؟!
من أكثر عجزا و ذلا و هوانا منا لو خرجنا من حصن الرب الى مسبعة ذئاب القدرة ، و حقل الغام الثروة ، حيث المستكبرين في الارض بغير الحق ..
الله اكبر .
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
لقمان الحكيم
لقد خلد الله لقمان في كتابه بالرغم من انه لم يكن نبيا ، فمن هو و كيف أضحى حكيما ؟
في الحديث الذي يرويه العلامة الطبرسي في تفسيره مجمع البيان عن نافع ، عن ابن عمر ، عن الرسول صلى الله عليه وآله نجد الجواب :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول :
" حقا اقول لم يكن لقمان نبيا ، و لكن كان عبدا كثير التفكر ، حسن اليقين ، أحب الله فأحبه ، و من عليه بالحكمة ، كان نائما نصف النهار اذ جاءه نداء : يا لقمان ! هل لك ان يجعلك الله خليفة في الارض تحكم بين الناس بالحق ؟
فأجاب الصوت : إن خيرني ربي قبلت العافية ، و لم اقبل البلاء ، و ان هو عزم علي فسمعا و طاعة ، فاني اعلم انه ان فعل بي ذلك اعانني و عصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لان الحكم أشد المنازل و اكدها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، ان وفىفبالحرى ان ينجو ، و ان أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريقا خير من أن يكون في الدنيا شريفا في الآخرة ذليلا ، و من تخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا و لا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ،فانتبه يتكلم بها ، ثم كان يوازر داود بحكمته ، فقال له داود : طوبى لك يا لقمان اعطيت الحكمة ، و صرفت عنك البلوى " (1)و يبين لنا الامام الصادق عليه السلام تفاصيل أخرى عن حياة لقمان ، و السبب الذي جعل به حكيما نثبت منه بعض النقاط العامة .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
" اما و الله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ، ولا مال ، و لا أهل ، ولا بسط في جسم ، و لا جمال ، و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورعا في الله ، ساكتا ، مستكينا ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، و لم يرهاحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره ، و عموق نظره ، و تحفظه في أمره ، و لم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ، و لم يغضب قط ، و لم يمازح انسانا قط ، ولم يفرح بشيء آتاه من أمر الدنيا ، و لا حزن منها على شيء قط ، و قد نكح من النساء و ولد لهمن الاولاد الكثير ، و قدم أكثرهم إفراطا (2) فما بكى على موت أحد منهم ، ولم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان الا اصلح(1) نور الثقلين / ج4 - ص 196
(2) من افرط فلان ولدا ، اي مات له ولد صغير قبل ان يبلغ .
بينهما ، و لم يمض عنهما حتى تحابا ، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه الا سال عن تفسيره و عمن أخذه ، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء ، و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين فيرثى للقضاة مما ابتلوا به ، و يرحم الملوك و السلاطين لغرتهم بالله و طمأنينتهم في ذلك ، و يعتبر و يتعلم ما يغلب به نفسه ، و يجاهد هواه و يحترز به من الشيطان ، و كان يداوي قلبه بالفكر ، و يــداوي نفسه بالعبر ، و كان لا يظعن الا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة و منح العصمة " (1)الاحسان الى الناس ظاهرة تنبع من الشكر لله سبحانه ، ذلك انه يعني الرضا النفسي و العملي ، الذي ينعكس على السلوك في صورة عطاء و تضحية و جهاد ، مقابلة لجميل نعم الله ، و احساسا بالمسؤولية تجاهها . و لكل نعمة شكر يختص بها ، تبعا لمعطياتها ، فشكر نعمة العلم نشره و هداية الناس به .
" زكاة العلم نشره " (2)
و شكر الجاه بذله للمحتاجين :
" زكاة المال بذله "
بينما شكر نعمة القوة السعي لتحقيق الأهداف السامية كاقامة حكم الله في الارض من خلال الجهاد الشامل .
[ و لقد ءاتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ]
و بذل الانسان للنعمة في مجالها الذي حدده الله هو الشكر ، و سنن الله في الحياة(1) المصدر / ص 196 - 197
(2) بحار الانوار / ج 78 - ص 247
- التشريعية منها و التكوينية - تقتضي بذلك نماء النعمة ، فمن حكمة الله ان تسقي السماء الارض ذات الزرع أكثر من الجرداء ، و ان من يستخدم عضلاته أكثر هو الذي تنمو العضلات لديه بينما تضمر عند الخامل ، و ان من يقرأ اكثر ينمو عقله و فكره ، و الذي لا يستفيدمن النعم أو يستخدمها في غير مجالاتها المحددة لا تنمو لديه و تكون مضرة له ، كما لو بذل العلم للتباهي أو المال في اللهو و اللعب .
[ و من يشكر فإنما يشكر لنفسه ]
لان المحتاج للشكر هو الانسان لا الله المتعالي عن الحاجة ، و الشكر هنا يشمل ايضا الناس ، لكن ضمن هدف محدد هو ان يكون ذلك من اجل الله وحده و طلبا لمرضاته و ذلك كله يعود على الانسان نفسه ، بما يسببه الشكر من انماء النعمة " و لئن شكرتم لأزيدنكم " . (1)
[و من كفر فإن الله غني حميد ]
و ليس غنى الله كغنى الناس ، لان الآخر غالبا ما يتأسس على النهب و الاستغلال ، أو يصرف في سحق الآخرين و ابتزازهم حقوقهم - و هو غيري - بينما غنى الله ذاتي يتفضل به على الآخرين خيرا و نعمة ، و هذا هو الغنى المحمود .
__________________
تتعرض الآيات لبعض وصايا لقمان (ع) لابنه ، و التي تشكل أبعاد الحكمة ، و مفردات الشكر لله .
و أول ما يفتتح وصاياه يبين له العلاقة الفاضلة التي يجب ان ينتهجها مع الآخرين و التي تقوم على مبدا التوحيد ، فيحذره من الشرك ، فالخضوع المطلق لا(1) ابراهيم / 7
ينبغي إلا لله سبحانه ، أما البشر فيتقبل توجيهاتهم الصائبة ، و لكن بشرط المحافظة على استقلاليته تجاههم بالتوحيد .
اذن فالتوحيد هو الجوهر الذي يجب على الانسان اعتماده في كل سلوك فردي أو اجتماعــــي و هذا ما دعى اليه كل الانبياء ، و لعل هذا التأكيد على موضوع الشرك في القــــرآن يرجع الــى عامل مهم و هو ان مشكلة الانسان في غالب الاحيان ليس الكفر المحض ، فهو يؤمنباله لهذا الكون ، انما مشكلته هي الشرك بالله .
[ وإذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ]ما هو ذا الظلم العظيم الذي يفرزه الشرك بالله ؟
ان هناك جوانب خفية ، و أخرى ظاهرة لهذا الظلم .
حقا ان ضياع الانسان عن ربه الكريم الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة و باطنة ، و هبوطه الى حضيض عبادة الأشياء الضعيفة العاجزة التي لا تنفع ولا تضر إنه لظلم عظيم .
ما الذي نجده لو فقدنا رب العزة و هو الرحيم الودود الذي أحاطنا باحسانه ، و دعانا الى نفسه ، و وعدنا المزيد من عطائه ؟!
من هو أشد فقرا وفاقة و مسكنة منا حين نضل عن السبيل الوحيد للهدى و الفلاح و الغنى و العز و الكرامة ؟!
من أكثر عجزا و ذلا و هوانا منا لو خرجنا من حصن الرب الى مسبعة ذئاب القدرة ، و حقل الغام الثروة ، حيث المستكبرين في الارض بغير الحق ..
الله اكبر .
ـ