مسألة : ما هو فضل العلم ؟
للعلم فضلٌ عظيم ،وأجرٌ جسيم ، العلم أثمن درة في تاج الشرع المطهر ولا يخفى على كل مسلم أن العلم مهم، حتى إن كل إنسان يدعيه لنفسه حتى الجاهل لا يرضى أن يقال عنه جاهل، ويفرح أن يقال عنه عالم!
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه ، العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب ، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل : " احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة " .
فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .
فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله ص .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : فإني سمعت رسول الله ص يقول : " من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر
والعلماء هم أمناء الله على خلقه ، وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل .
قال تعالى : " فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل/ 43]
وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل داء ، ودواؤه العلم (لحديث جابر في صحيح أبي داوود ) أن النبي ص قال : " فإنما شفاء العي السؤال .
ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم ، كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره ، والدنيا دار مرض ؛ فكما أنَّه ليس في بطن الأرض إلا ميت ، فكذلك ليس على ظهرها إلا سقيم ، والأسقام تتفاوت وتتنوع ، والعلم هو ترياقهم فتدبر في (حديث أسامة بن شريك في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ص : " تداووا فإِنَّ اللّه تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم .
والكتاب والسنة طافحان بما يدل على فضل العلم
ومن ذلك ما يلي :
1) قال الله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " [ آل عمران / 18]
فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود ، وهو توحيده جل وعلا ، وهذا هو العلم الحقيقي ، العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته ، وموجب ذلك ومقتضاه من الإيمان برسله وكتبه والإيمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس .
فهذه المزية الكبرى للعلم وأهله ، أنَّه يدل على صراط الله المستقيم ، أنَّه الوسيلة العظمى للقرب من الله تعالى ، وموجب لإحاطة محبته بالقلب ، فمتى عرفت الله اجتمع قلبك على محبته وحده جل وعلا ؛ لأنَّ له وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا .
فهذا هو العلم وهذه هي ثمرته . رزقنا الله وإياك الشجرة والثمرة إنه جواد كريم
2) وقد بوَّبالإمامالبخاريبابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل" ؛ لقوله تعالى: "فاعلم أنه لاإله إلاالله واستغفرلذنبك" [ محمد/19 ]
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .
فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه " التوحيد " و "علم التربية " أو ما يُسمَّى بعلم " السلوك " فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ، وأنت تلحظ هذا الارتباط بين العلم بالتوحيد " فاعلم أنَّه لا إله إلا الله " وبين التربية والتزكية التي من ثمارها المراقبة ودوام التوبة " واستغفر لذنبك "
3) والعلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، " فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج/46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله
3) والعلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، " فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج/46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله
تعالى : " أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " [ الرعد/19] .
ولذلك عبَّر الله تعالى بفعل " رأى " دلالة على العلم في قوله تعالى : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق " [سبأ /6] فلم يقل : " ويعلم " وهذا ـ والله أعلم ـ إشارة إلى العلم وأثره في القلوب ، التي صارت به تبصر وترى الحق ، ولا يلتبس عليها بالباطل .
وهذا واضح في (حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ص قال : تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا ، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا ، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ .
4) والعلم يورث الخشية
قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر/28]
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [ الإسراء /107-109 ]
5) وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم ، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم ، به تنشرح وتفرح وتسعد .
قال الله تعالى : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " [ العنكبوت/49]
6) وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم .
قال الله تعالى : " وقل رب زدني علمًا " [ طه/ 114]
[*] قال القرطبي :فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه ص
أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
7) والعلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أهل الذكر ، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ النحل/43]
8) وأخبر الله عن رفعة درجة أهل العلم والإيمان خاصة .
وقال تعالى( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة/11)
[*] قال ابن عباس رضي الله عنهما :
للعلماء درجاتٍ فوق المؤمنين بسبعمائة درجة بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام
9) والعلم أفضل الجهاد ، إذ من الجهاد جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .
قال تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [ الفرقان / 51-52 ]