الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

ما هو السوء وما هو الجهر به

مملكة القران الكريم

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة


    ما هو السوء وما هو الجهر به؟

    قد يعمّ السوء كل موارد أذية الإنسان ـ خصوصاً المؤمن ـ في نفسه وكرامته
    وأهله وولده وعمله وغير ذلك..

    ولذلك قد يشمل السوء:
    ـ مورد اللغو والمزاحم المؤذي للآخرين، فـ (ربّ كلمة عابرة لا يحسب قائلها
    حساباً لما وراءها.. وربّ شائعة عابرة لم يرد قائلها إلاّ فرداً من الناس..
    ولكن هذه وتلك تترك في نفسية المجتمع، وفي أخلاقه وفي تقاليده وفي جوّه
    آثاراً مدمرة، وتتجاوز الفرد المقصود إلى الجماعة الكبيرة)
    وإنّ من المزاحم ما يسقط هيبة صاحبه أو يتعرّض لهيبة الآخرين وينعتهم بسوء أو
    بما ينتقص من كرامتهم ومن موقعهم ومقامهم، فيدخل تحت عنوان السوء والجهر به.
    وهذا مما يترك أثراً سلبياً عند الآخرين يدفعهم أو يوجب عليهم الرد على ما
    تعرّضوا له من انتقاص وإهانة وأذية فـ (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، ويسقط
    هيبته، ويشوّه سمعته، وينتقص من كرامته..)

    وقول السوء لا ينفصل عن الإساءة والأذية للفرد أو للمجتمع سواء كان من مزاحم
    أم لا، بقصد وعمد، أم بشكل عفوي وبريء، ولذلك فإن المجتمع الإسلامي المتدين
    مرهف الحسّ، كريم الطبع، رقيق الشعور، حادّ الطبع تجاه هذا النوع من الإساءة
    بالقول (قولاً وسماعاً) لما يتضمنه هذا القول من إهانة أو افتراء أو غيبة أو
    بهتان أو غير ذلك..
    ـ ويشمل السوء مورد إشاعة الفاحشة، وإظهار سوء السمعة عن الأفراد والمجتمع
    المتديّن. قال تعالى: (إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
    عذاب أليم..)[النور/ 19].
    ـ كما يشمل مورد الغيبة، حيث يقصد المتكلّم بالسوء التجريح بشخصية المذكورين،
    والتجاسر عليهم، والتفكّه بذكر عيوبهم وأعراضهم وحالاتهم، (وذوو العيوب
    يحبّون إشاعة معائب الناس، ليتسم لهم العذر في معائبهم)
    ـ والاستهزاء والسخرية ـ ولو مزاحماً ـ تكون مورداً للجهر والتلفّظ بالسوء،
    فكل إناء بالذي فيه ينضح، والذي يرى في نفسه العجب والكبر والأهمية فإنه
    يلاحق الأفراد والجماعات ليهزأ من أعمالهم وعيوبهم وطريقتهم في المشي
    والتكلّم والحركة وكل أمور الحياة الأخرى. وإنما ينشأ ذلك من فقدان التقوى،
    وغياب الورع عن محارم الله، وقلّة محاسبة النفس والانشغال بعيوبها.
    وكيف يكون كذلك وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((المسلم أخو
    المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه))

    ـ إن التشفّي من خصم أو محسود أو أي شخص آخر، يعدُّ من أبرز مصاديق الجهر
    بالسوء، حيث يسعى هذا الإنسان ـ الذي يعتقد أن له الحق عند الآخر، أو أن
    الآخر قد ظلمه ـ يسعى ـ بعد أن يتزيّن قول السوء في نفسه، ويستسيغه في عمله
    إشفاءً لغليله، وإطفاءً لشرره، وانتقاماً لعزته، وتنفيساً عما ينتابه من سوء
    وشرّ وحقد وكراهية ـ إلى الانتقام من أجل إظهار حقه، فيتجاوز تلك الحدود وذلك
    الهدف لتحطيم الآخر والتشهير به، أو لتسبيب الأذى له بكل ما أوتي من قوة لسان
    وإساءة، ليحرّض الآخرين عليه ويسيء إلى سمعته حتى يُرجع إليه حقّه أو يتمادى
    في عملية تحطيمه وأذيته وإسقاطه اجتماعياً وغير ذلك.. وغالباً ما يختلط
    الحابل بالنابل هنا، ولا يتورّع المظلوم ـ أو من يعتبر نفسه مظلوماً أو
    متضرّراً أو متعرضاً للأذى على الأقل ـ عن اقتراف كل ما يقع تحت متناول يده
    ولسانه، ويتجاوز كل الحدود ولو كانت حدود الله، إما غفلة وإما جهلاً وإما
    ظلماً وعدواناً وفسقاً وفجوراً.
    وعلى كل هذه الحالات ينطبق وصف القول والجهر بالسوء.كما أن هناك موارد أخرى
    يمكن وصفها وتصنيفها تحت هذا العنوان أيضاً.


    الآثار السلبية للجهر بالسوء

    إن الجهر بالسوء من القول ـ في أي صورة من الصور ـ يترك ضرراً على القائل دون
    المقول فيه في الدرجة الأولى، والضرر النفسي والشخصي يلحق بالقائل أولاً قبل
    المقول فيه. كما أن للجهر بالسوء سلبيات وآثاراً اجتماعية حادة وقاسية تترك
    بصماتها على السمعة الفردية والاجتماعية، وعلى التماسك والتعاضد المطلوب في
    المجتمع الإسلامي. ومن أبرز سلبياته:

    1ـ انكشاف خبث السريرة عند قائل السوء (شتماً أو أذية أو غير ذلك..) خصوصاً
    في غير مورد الجواز وفي حالة تجاوزه الحد الشرعي المسموح به.
    2ـ إتيانه بعمل يبغضه الله سبحانه الذي أمرنا بأن نستر على الناس ما ستره هو
    عليهم، فمن يفضح سرائر الناس وأسرارهم يتعرّض لسخط الله ونقمته، فضلاً عن
    إشاعة السوء والفحشاء، وإن إشاعة قول السوء في الأمّة يؤدي إلى سقوط الحياء
    النفسي، والخلق الشخصي، والترابط الأخوي، والأدب الاجتماعي، ويحل محله
    التحلّل الخُلُقي، والانقطاع في العلاقات الاجتماعية، وانتشار الاتهامات
    الفردية (سباً وقذفاً) والفوضى وضياع الكرامات.. فعن الإمام الصادق (عليه
    السلام): ((لا تدع اليقين بالشك، والمكشوف بالخفيّ، ولا تحكم على ما لم تره
    بما يروى لك عنه، وقد عظّم الله أمر الغيبة وسوء الظن بإخوانك
    المؤمنين..))(
    3ـ إنّ الذي يألف ذكر السوء والعيوب في الآخرين أقرب ما يكون إلى ظلمهم
    وبهتانهم، وإلى الكبر والخيلاء.
    4ـ إنّ الجهر بالسوء من القول له آثار جارحة لضمير الأمّة، مخدشة لأحاسيسها،
    حيث يفقد الثقة بين أفرادها، ويضعف صلة الترابط فيما بينهم، ويقتل روح التآخي
    والتعاون ويستبدلها بروح الاحباط والتنافر حيث يخيل إليهم أنّ الشرّ قد
    استطال، فيبرز مرضُ من في نفسه مرض إلى العلن، فلا يتحرّج عن فعل السوء
    تأسّياً وتعلّلاً بانتشار السوء في المجتمع، فيألف السيئون ـ وغيرهم ـ عندها
    السوء وفعله حتى يفقد بعد ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثره، إذ يكثر
    فُعّال السوء، ويتشجّع من يمتلك قابلية العدوى بالسوء على قول وفعل السوء
    أيضاً، حتى تتسع دائرته من حدود فردية لتشمل جماعات داخل الأمّة.
    5ـ إثارة ردود الفعل من قبل الأشخاص أو الشخص المفترى عليه بالسوء يغير حق
    (أو حتى بحق)، مما يؤدّي إلى أفعال وردّات فعل قد لا تكون عواقبها سليمة على
    مستوى الأفراد والمجتمع، مما يغذي الأحقاد والفتن والخلافات الفردية
    والعائلية وربما القبلية وغيرها.. قال الإمام علي (عليه السلام): ((إنه ليس
    شيء بشر من الشرّ إلاّ عقابه..)

    6ـ ضياع الحقوق وإلتباسها على الناس، واختلاط الحق بالباطل، واضطراب
    الموازين، إذ يصعب على الناس حينئذٍ ـ الذين يتضجرون بسرعة من هذه الغوغائية
    ـ تقييم الشخصيات فيحتقر العزيز، ويكرم الوضيع، ويتساوى البر والفاجر،
    والظالم والمظلوم..
    إلى غير ذلك من الآثار والأخطار السلبية الناجمة والمحدقة بالمجتمع من جراء
    الجهر بالسوء قولاً وفعلاً.


    موارد جواز الجهر بالسوء وضوابطه
    بالعودة إلى الآية الكريمة التي تذكر كره الله سبحانه وبغضه للجهر بالسوء،
    نرى أنها تطلب من المسلم المؤمن (فرداً ومجتمعاً) أن يبقى يقظاً دائماً تجاه
    المعايير الإسلامية في التعاطي والعلاقة مع الآخرين وكيفية تقييمهم.. وضرورة
    أن تبنى العلاقة على الحق والصدق والحب والبغض في الله، لا أن تبنى على أسس
    ضعيفة وروابط هشّة، وعلاقات دنيوية.
    قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((أدنى ما يخرج الإنسان من الإيمان أن
    يؤاخي الرجل على دينه، فيحصي عليه عثراته وزلاته، ليعنّفه بها يوماً ما))،
    ومع ذلك فقد جاز في موارد حدّدتها الروايات والأحكام الجهر بالسوء، ومن
    أهمها:

    1ـ إساءة الضيافة: فعن أبي عبد الله (عليه السلام): ((من أضاف قوماً فأساء
    ضيافتهم، فهو ممن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه)). وقوله (عليه
    السلام): ((إن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء
    ما فعله))
    2ـ المتجاهر بالفسق: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ثلاثة ليست عليهم
    غيبة: من جهر بفسقه، ومن جار في حكمه، ومن خالف قوله فعله)). وعنه (صلى
    الله عليه وآله): ((من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له)). وعنه أيضاً (صلى
    الله عليه وآله): ((إن الله حرّم الجنّة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء، لا
    يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجد إلاّ لغيّة (أي دنيئاً
    ساقطاً عن الاعتبار) أو شرك شيطان)). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن
    أبيه (عليه السلام): ((ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدِع، والإمام الجائر،
    والفاسق المعلن الفسق))
    3ـ إبراز المظلومية: عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((لا يحبّ الله رفع
    الصوت بما يسوء غيره إلاّ المظلوم، فإن له أن يرفع صوته بالدعاء على من
    ظلمه))، و((لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكتومة على الآخرين لأن ذلك
    يصير سبباً لوقوع الناس في الغيبة، ووقوع ذلك الإنسان في الريبة، لكن من
    ظُلِمَ فيجوز إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سُرِق أو غصِب)، كما أن (للمظلوم
    الحق في الالحاح في تبيان ظلامته، وبصور شتى بحيث لا يختلف مع الأحكام
    والأعراف الإسلامية، وسيرة الأنبياء والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)،
    حتى يتمكن من إظهار الحق وكشف الحقيقة الملتبسة بالباطل، وينتصر من ظالمه،
    ويظهر ظلمه للآخرين، ويبرر موقفه)). ولكن لابدّ في هذه الحالة من (اقتصار
    القصاص على الظالم البادئ بقول السوء فقط من دون تجاوز الحدود، ومعاقبة
    معارفه وأولاده وأهله وأصدقائه.. إلى غير ذلك حتى يتمكن الإسلام من محاصرة
    السوء في أضيق دائرة، والتمكّن من معالجة الموقف بسلام).
    كما أن حرية المظلوم المفترى عليه حرية مطلقة عرفاً، مقيّدة شرعاً، فقد جاء
    في تفسير علي بن إبراهيم في الآية (لا يحبّ الله أن يجهر الرجل بالظلم والسوء
    ويظلم إلاّ من ظُلِم، فقد أطلق له أن يعارضه بالظلم)
    ولا يعني ذلك استخدام المظلوم أنواع السوء والفحشاء والمنكر التي هي الوجه
    العام للظلم، بل عليه استخدام ظاهر الخير الذي يراد به الوصول إلى الحق لا
    إلى الباطل، وذلك شبيه بمدح الإنسان بما ليس فيه، فإنه ظلم للممدوح، بل لا
    يحبّ الله الشتم في الانتصار إلاّ من ظُلِم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه
    بما يجوز الانتصار به في الدين
    (فالإسلام يحمي سمعة الناس ـ ما لم يظلموا ـ فإذا ظلموا لم يستحقوا هذه
    الحماية، وأذِن للمظلوم أن يجهر بكلمة السوء في ظالمه، وكان هذا هو الاستثناء
    الوحيد من كفّ الألسن عن كلمة السوء، وهكذا يوفّق الإسلام بين حرصه على
    الأخلاق الذي لا يطيق معها خدشاً للحياء النفسي والاجتماعي)


    ولابدّ في نهاية المطاف من إثارة قضيتين:
    أ ـ ضرورة تحرّك الطليعة المؤمنة الواعية في الأمّة لتتدارك الموقف المتشنج
    الناتج عن الجهر بالسوء، الناتج بدوره عن الظلم، فتنتصر للمظلوم وتضرب على يد
    ولسان الظالم وتردعه وتحاسبه.
    ب ـ ضرورة تحلّي المظلوم بعد بيان حقه بالخُلُق الإسلامي الرفيع وهو العفو
    عند المقدرة كما أشارت لذلك الآية الكريمة: (.. أو تعفوا عن سوء فإن الله كان
    عفواً قديراً).





    مواضيع ذات صلة
يتصفح هذا الموضوع الآن
تقليص

المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

يعمل...
X