العلاقة بين مدخل صدق،لسان صدق،مقعد صدق،مخرج صدق،قدم صدق
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم - رحمه الله -
(*) قد أمر الله تعالى رسوله: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق
فقال: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
سُلْطَاناً نَصِيراً} [ الإسراء: 80 ]
(*) وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين
فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84 ]
(*) وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق
فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [ يونس: 2 ]
(*) وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [ القمر: 54-55 ]
فهذه خمسة أشياء:
1- مدخل الصدق
2- ومخرج الصدق
3- ولسان الصدق
4- وقدم الصدق
5- ومقعد الصدق
وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله
وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة
1 , 2 - فمدخل الصدق ومخرج الصدق:
أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله وفي مرضاته بالظفر بالبغية وحصول المطلوب
ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها ولا له ساق ثابتة يقوم عليها
كمخرج أعدائه يوم بدر ومخرج الصدق كمخرجه هو وأصحابه في تلك الغزوة
وكذلك مدخله المدينة: كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله فاتصل به التأييد والظفر والنصر وإدراك
ما طلبه في الدنيا والآخرة
بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب فإنه لم يكن بالله ولا لله بل كان محادة
لله ورسوله فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار
وكذلك مدخل من دخل من اليهود المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصن بني قريظة فإنه لما كان
مدخل كذب: أصابه معهم ما أصابهم
فكل مدخل معهم ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله فهو مدخل صدق ومخرج صدق وكان بعض
السلف إذا خرج من داره: رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه
ضامنا عليك
يريد: أن لا يكون المخرج مخرج صدق
ولذلك فسر مدخل الصدق ومخرجه: بخروجهمن مكة ودخوله المدينة ولا ريب أن هذا على سبيل التمثيل
فإن هذا المدخل والمخرج من أجل مداخله ومخارجه وإلا فمداخله كلها مداخل صدق ومخارجه مخارج صدق
إذ هي لله وبالله وبأمره ولابتغاء مرضاته
وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه أو مدخلا آخر إلا بصدق أو بكذب فمخرج كل واحد ومدخله: لا يعدو
الصدق والكذب والله المستعان.
3-وأما لسان الصدق:
فهو الثناء الحسن عليهمن سائر الأمم بالصدق ليس ثناء بالكذب كما قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل
عليهم صلوات الله وسلامه: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} [ مريم: 50 ] والمراد باللسان ههنا: الثناء
الحسن فلما كان الصدق باللسان وهو محله أطلق الله سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاء وفاقا وعبر
به عنه فإن اللسان يراد به ثلاثة معان: هذا واللغة كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ} [ إبراهيم: 4 ] وقوله: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [ الروم: 22 ] وقوله: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ
إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [ النحل: 103 ] ويراد به الجارحة نفسها كقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ
بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [ القيامة: 16 ]
4-وأما قدم الصدق:
ففسر بالجنة وفسر بمحمد وفسر بالأعمال الصالحة وحقيقة القدم ما قدموه وما يقدمون عليه يوم القيامة وهم
قدموا الأعمال والإيمان بمحمد ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك فمن فسره بها أراد: ما يقدمون عليه
ومن فسره بالأعمال وبالنبي: فلأنهم قدموها وقدموا الإيمان به بين أيديهم فالثلاثة قدم صدق.
5- وأما مقعد الصدق:
فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى ووصف ذلك كله بالصدق مستلزم ثبوته واستقراره وأنه حق ودوامه ونفعه
وكمال عائدته فإنه متصل بالحق سبحانه كائن به وله فهو صدق غير كذب وحق غير باطل ودائم غير زائل
ونافع غير ضار وما للباطل ومتعلقاته إليه سبيل ولا مدخل .
مدارج السالكين