الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

رغيف خبز .... || ~

مملكة القصص الواقعية

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

    أخيراً ,
    استطاع هو و عائلته إيجاد بيتٍ ليمكثوا فيه , بعد أن أمضى الأشهر الستة الماضية
    متنقلاً من بيتٍ إلى آخر ,

    مروراً بعدةِ مدارس , فقد كان لرحلة النزوح شروطٌ أهمها أنها تأتي على غفلة ,
    و ليس بالإمكان الاستعداد لها أبداً

    و من شروطها أيضاً أن عليك سلوك أطول الطرق على الإطلاق لتتجنب الحواجز
    قدر الإمكان , فقد صارت تعتقل دون مبررات .

    فور سماعه أن تلك المنطقة هادئة و آمنة نسبياً ,
    توجه إلى هناك باحثاً عن بيت للإيجار يجب أن يكفي لخمس عائلاتٍ

    كاملة ..... تباً .

    و وجدوا ذاك البيت , الذي قد حقق الشروط اللازمة للبيت الآمن :
    طابق أرضي , محاط بالأبنية من ثلاث جهات ,

    ضمن حارة ضيقة و صغيرة , و الأهم من ذلك ... الأهم على الإطلاق أنه قريبٌ
    من المخبز , فقد أصبح رغيف

    الخبز هو الأهم و الأغلى على الإطلاق , أما من بعد مجزرة حلفايا ,
    فقد أصبح للخبز طعم الدم ..

    ,

    أذن الفجر , أو بالأصح .. حان وقت أذان الفجر , فليس بالإمكان رفع الأذان
    و قد قصفت مئذنة الجامع ..

    عليه أن يسرع بالذهاب الآن إلى المخبز , يحركه الشوق لطعم الخبز الطري و الدافئ ..
    بعد أن ذاق سوء طعم خبز

    الذرة و خبز الرز و خبز البرغل , و الأسوأ اللاخبز , فإن حالفه الحظ قد
    يرجع إلى بيته قبل الظهر .

    و ذهب , و هناك لم يفاجئه الازدحام فقد كان شيئاً متوقعاً ,
    و لكن كل من كان هناك نساء و أطفال .

    بدأ يبحث عن نهاية الطابور ليقف هناك , لا بد أن عليه أن ينتظر أياماً ,
    سيكون محظوظاً لو عاد لبيته

    اليوم و ليس غداً

    بدأ ضوء الفجر يشع شيئاً فشيئاً , نظر إليه الطفل الذي كان يقف أمامه في الطابور
    و قال : " لماذا أنت هنا يا عمي ؟؟ عد إلى بيتك و دع ابنك يأتي هنا , "

    فسأله مستغرباً : " لماذا ؟؟ "

    فقال الفتى : " ألا تعرف يا عمي , الأمن قد يأتي في أي وقت
    و يعتقل كل الرجال هنا , فقد فعلوا ذلك

    من قبل , و أيضاً

    أبي عليه أن يعمل الآن , و هم أيضاً قد يقصفون هنا في أي وقت مثلما فعلوا بحلفايا ,
    أنا إذا استشهدت يا عمي أمي

    ستنجب أطفالاً غيري , أما إذا استشهد أبي أو اعتقل , فمن أين نأتي بأبٍ آخر لنا ؟؟
    , لذا يا عمي عد إلى بيتك . "

    نظر هكذا و الحيرة تملأ عينيه , و قال في نفسه :

    " كيف يمكن لطفلٍ مثله عمره ثلاثة عشر فحسب أن يقول هكذا كلام ,
    كما أنه يبدو خائفاً علي , أكثر من خوفه على نفسه

    لماذا على أطفال سورية أن تكون حياتهم رخيصةً هكذا ... لماذا .. "

    و قطع الفتى الصغير حبل أفكاره قائلاً :

    " لا تحزن يا عمي , و لا تخف , أنا لست خائفاً من الموت ,
    أنا أعرف أن الجنة أجمل , و روحي إشتاقت لترى الجنة ,

    و أتمنى يا عمي أن أموت شهيداً , أصلاً أمي قالت لي أننا لا يجب أن نحزن
    على الشهداء , بل على أنفسنا لأننا لم

    نستشهد , أعطني المال يا عمي , سأشتري لك الخبز ... "

    فرد عليه قائلاً : لا يا صغيري , فلا يحق لكل شخص سوى كيلو خبز واحد فقط ,
    سأشتري بنفسي و ليحدث ما يحدث

    أنا أيضاً علمتني أمي أنه لا يمكننا تجنب الموت حتى لو كنا في أكثر الأماكن
    أماناً في العالم , و أنا أيضاً قد وعدت

    أطفالي ألا أعود إلى البيت إلا و أنا أحمل خبزاً ... .

    و هكذا على هذا الحال ... مضى الوقت و صار العصر , فنهار الشتاء قصير ...
    و بارد , و بات دوره قريباً بعد أن

    انتظر طويلاً جداً , و في الأفق بينما كانت أشعة الشمس تتكسر على الغيوم الممزقة ,
    بدأت طائرةٌ تحوم في الآفاق و

    صوت رصاصٍ يسمع من بعيد ....

    " تباً لماذا الآن "

    حاول تجاهل كل ذلك , .. نظر خلفه في الطابور و رأى بضعة رجال عدا عن الشبان
    و الأطفال . أما دور النساء فبدأ

    يتلاشى شيئاً فشيئاً مع اقتراب المغرب ,

    " لا أصدق أنني انتظر منذ الفجر "

    حصل الفتى الصغير على حصته و ذهب متجهاً إلى منزله ,
    و حان دور صاحبنا أخيراً , لا يمكن وصف فرحته مع

    اقتراب الخبز إليه , ..... بينما كان صوت الطائرة يعلو .... ناوله الخباز
    رغائف الخبز الدافئ , فأمسكهما بيديه

    فتسرب إليهما الدفء بعد أن تجمدتا من الصقيع , ثم ... توقف الزمن للحظات ..
    تلاشت معها فرحةُ الخبز , صوت

    الطائرة يتلاشى شيئاً فشيئاً ... و إحساسه بالخبز الدافئ ..
    أيضاً ... تلاشى .


    كان الصوت القادم من ناحية المخبز هائلاً و مدوياً , ارتعدت معه أوصالها ,
    و تذكرت في الحال أن أبنها ينتظر هناك

    منذ الصبح , ارتدت ملابسها بسرعة , و خرجت إلى الشارع تمشي كالمجانين ,
    و تسأل كل من تقابله :

    أين الانفجار ؟؟

    أين الانفجار ؟؟ ...

    إلى أن أجابها أحدهم :

    " نزلت قذيفة عند بناءٍ يقع بالقرب من المخبز , و يقولون أن هناك قذيفةً نزلت
    على المخبز أيضاً لكنها لم تنفجر ......"


    أصاب صوت الانفجار أذنيه بالصمم , , لكن لم يكن شيئاً أمام المنظر الذي رأته عينيه ,
    هناك تماماً , حيث الخبز بين

    يديه , استقرت القذيفة لكنها لم تنفجر .... أم أنها فعلت ؟؟؟

    بدا منظرها هناك مألوفاً و هي محاطة بأرغفة الخبز , لم يعد يشعر بقدميه
    فانحنى إلى الأرض و وقف على ركبتيه

    بينما كان الجميع يصرخ مبتعداً عنه ... و طالباً منه ألا يتحرك على الإطلاق ,
    لكنه لم يكن يدرك ما يحدث ,

    ثم وصل المسعفون و الناشطون و العسكريون , و حمل أحدهم القذيفة
    كما يحمل الطفل الوليد , عدا أنها قد تنفجر في أي

    لحظة , كان من حسن حظه أن السلاح الروسي سيئ النوعية ,

    و مع ابتعاد الخطر عنه , أحس بالأمان شيئاً فشيئاً , كان الخبز قد تفتت
    و سحق في المكان حيث نزلت القذيفة , أو

    الصاروخ أو ... لا تهم الأسماء , قام بنفض الرماد عن الخبز ....
    و بدأ شيئاً فشيئاً يستوعب ما حدث حوله , كانت قذيفةٌ

    قد انفجرت بالفعل و لكن في البناء المجاور , شهداء , جرحى , و دماء .....

    و كانت أم الفتى الصغير تبحث عنه بلهفة ,,,
    هل كان من بين الشهداء يا ترى ؟؟ , لم يعرف ....


    و رآه .... في اليوم التالي ... عند المخبز في وقت الفجر
    و هو مصابٌ بجروحٍ بسيطةٍ جداً و قال أنه كاد أن يستشهد

    بالفعل , لكنه تذكر أنه لم يسأل صاحبنا عن اسمه , فعاد نحو المخبز ....
    في حين أن القذيفة التي انفجرت ,سقطت

    تماماً في المكان الذي كان يقف فيه .
    مواضيع ذات صلة

    #2
    اختى اميره

    قصه رائعه ومحزنه جدا

    تعليق

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      تعليق

        #4

        سلمت أخي عبود على تواجدك الدائم
        بارك الله فيك
        تعليق
        يتصفح هذا الموضوع الآن
        تقليص

        المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

        يعمل...
        X