عجائب الكلام أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا محمد بن سلم بن هارون قال: حدثنا القاسم بن يسار قال: حدثنا عكرمة الضبي قال: كان أصل قولهم: تسمع بالمعيدي لا أن تراه أن رجلاً من بني تميم، يقال له: ضمرة كان يغير على مسالح النعمان بن المنذر، حتى إذا عيل صبر النعمان كتب إليه: أن ادخل في طاعتي، ولك مائة من الإبل، فقبلها وأتاه، فلما نظر إليه ازدراه، وكان ضمرة دميماً، فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة: مهلاً أيها الملك، إن الرجال لا يكالون بالصيعان، وإنما بأصغريه، قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان، وإن نطق نطق ببيان. قال: صدقت لله درك، عل لك علم بالأمور وولوج فيها؟ قال: والله إني لأبرم منها المسحول، وأنقض منها المفتول، وأجيلها حتى تجول، ثم أنظر إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب. قال: صدقت لله درك، فأخبرني ما العجز الظاهر، والفقر الحاضر، والداء العياء، والسوأة السوآء؟ قال ضمرة: أما العجز الظاهر فهو الشاب القليل الحيلة، اللزوم للحليلة، الذي يحوم حولها، ويسمع قولها؛ إن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها، وأما الفقر الحاضر فالمرء لا تشبع نفسه، وإن كان من ذهب خلسه، وأما الداء العياء فجار السوء، إن كان فوقك قهرك، وإن كان دونك همزك، وإن أعطيته كفرك، وإن منعته شتمك، فإن كان ذاك جارك فأخل له دارك، وعجل منه فرارك، وإلا فأقم بذل وصغار، وكن ككلب هرار. وأما السوءة السوآء فالحليلة الصخابة، الخفيفة الوثابة، السليطة السبابة، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير غضب، الظاهر عينها، المخوف غيبها، فزوجها لا تصلح له حال، ولا ينعم له بال، إن كان غنياً لم ينفعه غناه، وإن كان فقيراً أبدت له قلاه، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها، فأعجب النعمان حسن كلامه، وحضور جوابه، فأحسن جائزته، واحتبسه قبله.هكذا رواه الأصمعي. ورواه غيره: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.