والآن نأتي إلى الآية الكريمة ونتأملها من جديد على ضوء هذه الاكتشافات، فقد أحضر إخوة يوسف قميص سيدنا يوسف وفيه رائحة سيدنا يوسف، هذه الرائحة انتقلت مع الريح لتصل إلى أنف سيدنا يعقوب قبل أن تصل القافلة.
وبما أن البشر كانوا يملكون قدرة كبيرة على تحليل الإشارات الكيميائية أو الروائح، فإن سيدنا يعقوب استطاع تذكر رائحة ابنه الذي مضى على غيابه عشرات السنين، بينما بقية أفراد العائلة لم يصدقوا ذلك، إذ أن الجميع يظن بأن يوسف قد أكله الذئب، ولذلك قالوا له: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف: 95].
إذن ما جاء في القرآن موافق للمنطق العلمي وللمكتشفات الجديدة ولا يناقضها أبداً، وإذا تذكرنا بأنه قبل آلاف السنين لم يكن هنالك أي تلوث، فإن أي رائحة مميزة ستنتشر بشكل أفضل من انتشارها في عصرنا هذا بسبب التلوث الكبير للهواء. وإذا علمنا أيضاً أن العلماء يؤكدون قدرة الإنسان على تذكره الروائح لفترات طويلة من الزمن،
وتذكرنا ما يقوله العلماء حول تأثير هذه الروائح على السلوك الإنساني، فيمكننا عندها أن نقتنع بقصة سيدنا يوسف وأن سيدنا يعقوب عليه السلام قد شمّ رائحة قميص ابنه وقد أعادت هذه الرائحة له البصر.
وإذا تأملنا قصة سيدنا يعقوب عليه السلام عندما ابيضَّت عيناه بسبب حزنه على ولديه يوسف وأخيه، نجد أن العمى حدث نتيجة صدمة نفسية، أي أن السبب نفسي وليس عضوي. وبكلمة أخرى لم يكن هنالك خلل في العين بل إن الخلل حدث في الدماغ في منطقة الرؤيا.
ورائحة قميص يوسف أو كما سمَّاها (ريح يوسف) قد أثَّرت ونشَّطت هذه المنطقة من الدماغ أي منطقة الرؤيا، وتذكَّر على الفور ابنه يوسف وتأكد أنه لا يزال حياًّ، وبالتالي فإن السبب الذي أدى إلى الخلل في الرؤيا قد انتفى، مما أدى إلى تصحيح الخلل في الرؤيا.
رأينا أيضاً كيف أن دماغ الإنسان يقرأ الروائح كما يقرأ الرسائل المكتوبة، أي أن سيدنا يعقوب كان ينتظر هذه الرسالة ليتعرف من خلالها أن ابنه لا زال حياً يُرزق، وبالتالي ستكون سبباً في رد بصره إليه. وهذا ما قاله يوسف لإخوته عندما أمرهم أن يأخذوا قميصه لأن فيه رائحة سيدنا يوسف التي سيتعرف عليها الأب مباشرة حتى قبل أن يصل القميص: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) [يوسف: 93].
ولذلك لم يقل سيدنا يعقوب: (إني لأشم ريح يوسف)، بل قال: (إني لأجد ريح يوسف)، لأن سيدنا يعقوب قد وجد فعلاً هذه الرائحة، وتعرَّف عليها جيداً لأنه كان يبحث عنها طوال سنوات، وهذا يدل على الثقة الكبيرة لسيدنا يعقوب بهذه الرائحة، وأن يوسف لا يزال حياً.
وأخيراً أرجو أن يقتنع معي كل من في قلبه شك من هذا القرآن، أن القرآن لا يقول إلا الحق، وأن كل كلمة جاء بها القرآن هي الصدق المطلق، اللهم انفعنا بما علمتنا.
ــــــــــــ