لابدّ أن نفهم أننا مختلفون في حركة الحياة..ولكن بشرط ألاّ يحدث من هذا الختلاف الذي لا يحدث منه فساد جائز و لكن الاختلاف الذي يحدث فسادًا يأتي الله سبحانه وتعالى فيحكمه بالحلال و الحرام .. انك حين تراقب أحداث حياتك تجد أن حركة الحياة التي لا تؤدي الى فساد أدخلها الله في الحلال.. وحركة الحياة التي تؤدي الى فساد أدخلها في الحرام.. هذا ليس فيه نص .. فاذا كنت تاجرًا مثلاً فلا تبع بضاعتك بأعلى سعر حتى تحتاط لي ارتفاع في الأسعار قد يحدث..لأنك في هذه الحالة تستغل البسطاء و محدودي الدخل استغلالاً فوق طاقاتهم.. لا تقل هذا حلال انني أحتاط لنفسي .. بل أنك تقترب من شبهة الحرام..
لقد أحل الله تبارك و تعالى الأشياء التي لا يستحي منها الطبع البشري السليم ... وحرم الأشياء التي يستحي منها الطبع البشري السليم..لكي يثبت الايمان بالفطرة الموجودة داخل كل نفس بشرية.. ولكن ليست كل نفس بشرية تنسجم مع الخير.. فهناك من النفوس البشرية من اعتاد الحياة مع الشهوة و الفساد ..في أول الأمر تعاني ثم بعد ذلك تقل المعاناة بالتدريج .. وهناك ثلاثة أنواع من النفس : النفس المطمئنة .. والنفس اللوامة .. والنفس الأمارة بالسوء .. النفس المطمئنة هي التي اطمأنت لقضاء الله و قدره و آمنت و أسلمت قيادتها لله .. تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر .. هذه النفس هي التي قال الله سبحانه و تعالى عنه : {يَا أيّتُهَا النَّفِسْ المطمئنَّةِ ارجِعِي الى ربُّّكِ راضيةَ مرضيّةَ فاُدْخُلِي في عِبَادِي و أدْخُلِي جَنَّتِي } ( سورة الفجر ).
و هناك النفس اللوامة .. وهذه النفس نفس مؤمنة و لكنها لا تستطيع أن تلتزم بالصراط المستقيم فتطيع مرّةً و تعصي مرّةً و في كل معصية تلوم نفسها و تتوب الى الله هذه نفس صالحة أيضًا كما جاء في قول الله تبارك و تعالى : { وَالعَصْرِ انَّ الانسانَ لَفِي خُسْر الاّ الّذين آمنوا و عَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بالحقِّ و تَوَاصَوْا بالصَّبْرِ } ( سورة العصر ).
و معنَى قوله تعَالى و تَواصوا بالحق و تواصوا بالصبر .. أن احداها تبتعد عن الحق .. فتوصيها الخرى بالعودة اليه.. وان احداها تضيق بالصبر على مكاره الدنيا .. فتأتي الأخرى فتوصيها بالصبر.. فكأنهما يتواصيان فيما بينهما حتى لا يضلا أو يبتعدَا عن الصراط المستقيم .. و كلما ابتعد واحد منهما أعاده الآخر مرّةً أخرى .. و هؤلاء يقول فيهم الحق جل جلاله عن حالتهم يوم القيامة : { الأخِلاَّءْ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوّالاَّ المُتَّقِينَ } (سورة الزخرف).
لأن الأخِلاَّءْ الذينَ يتَجَمّعونَ على الحرام في الدنيا .. تجمعهم السهرات الحمراء و تجمعهم المعصية .. لا يفارقون بعضهم البعض و كلما اجتمعوا ازدادوا حراما و ازدادوا آثاما ..هؤلاء عندما يلتقون يوم القيامة يكون كل واحد منهم عدوًّا للآخر يحاول أن يفتك به .. و يتهمه بأنه هو الذي قاده للمعصية .. وهو الذي يسر له طريق النار.. الاّ أصحاب النفوس اللوامة .. فهؤلاء لأن كل واحد منهم عندما رأى زميله يقع في المعصية أسرع اليه وأخذ بيده و أنقذه منها .. هؤلاء قادوا بعضهم الى الجنة .. و لذلك فهم أصدقاء يوم القيامة.