أيها المسلمون، إن من رحمة الله بهذه الأمة أنه أخبرها بما سوف تلقاه من الفتن ودلها على سبل الوقاية والحماية منها ، جاءنا الخبر في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من الفتن التي أخبر عنها ووقعت فيها هذه الأمة هي فتنة المال، وما أدراك ما المال، المال أذلّ أعناق الرجال، والمال غيّر المبادئ، والمال أنطق الرويبضة في أمر العامة، والمال أفسد أمور الدين والدنيا إذا أخذ بغير حق، والله سبحانه قد أخبر بأن المال مما فطر الناس على محبته وأنه شهوة من شهوات الدنيا، { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [الكهف:46]، وقال جل وعلا عن حال الإنسان مع المال: { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً } [الفجر:20].
وربنا قد أخبر عن هذه الحقيقة بأن المال فتنة: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال:28]، والله سبحانه قرر حقيقة باقية وسنة ماضية إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وهي كذلك ميزان الله في الآخرة، أن المال ليس بمقياس على علو منزلة الإنسان عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا من عدل الله ورحمته بالأمة مصداق ذلك ما جاء في التنزيل: { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [سبأ:37].
بل إن الله سبحانه بيّن أن المال الذي قد يعطى لمن لا أخلاق لهم من الكفار لن يكون نافعاً لهم ولا حائلاً عن العذاب الذي يصيبهم، وهي رسالة لكل من بهرته الدينا التي يعيش فيها من حاد عن دين الله وعن شرعه ولم ينعم بهذه الشريعة، إذ يقول جل شأنه: { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة55]، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } [آل عمران:10].
واعلموا رحمكم الله أن الفتنة بالمال أخذت صوراً شتى في كل العصور، وبرزت في عصرنا هذا، فوجب التنبيه ولفت الأنظار لها، فرُبَّ مفتون لاهٍ ساهٍ غافلٍ يظن أنه على طريق صحيح وهو في طريق هلكة -والعياذ بالله-
شكرا لكم جميعا