يعاقب الله أهل الظلم على قدر ظلمهم ، ويزيد من حسنات المظلوم
(الظلم ظلمات يوم القيامة) متفق عليه
هذا الحديث فيه التحذير من الظلم ، والحث على ضده ، وهو العدل . والشريعة كلها عدل ، آمرة بالعدل ، ناهية عن الظلم . قال تعالى : (قل أمر ربي بالقسط) (إن الله يأمر بالعدل) (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
فإن الإيمان أصوله وفروعه ، باطنه وظاهره - كله عدل ، وضده ظلم . فأعدل العدل وأصله : الاعتراف وإخلاص التوحيد لله ، والإيمان بصفاته وأسمائه الحسنى ، وإخلاص الدين والعبادة له ، وأعظم الظلم ، وأشده الشرك بالله ، كما قال تعالى إن الشرك لظلم عظيم )
وذلك أن العدل وضع الشيء في موضعه ، والقيام بالحقوق الواجبة ، والظلم عكسه.
فأعظم الحقوق وأوجبها : حق الله على عباده : أن يعرفوه ويعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، ثم القيام بأصول الإيمان ، وشرائع الإسلام من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان ، وحج البيت الحرام ، والجهاد في سبيل الله قولا وفعلا ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر . ومنالظلم : الإخلال بشيء من ذلك.
كما أن من العدل : القيام بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان به ومحبته ، وتقديمها على محبة الخلق كلهم ، وطاعته وتوقيره وتبجيله ، وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله . ومن الظلم العظيم : أن يخل العبد بشيء من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأرحم بهم وأرأف بهم من كل أحد من الخلق ، وهو الذي لم يصل إلى أحد خير إلا على يديه .
ومن العدل : بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وأداء حقوق الأصحاب والمعاملين . ومن الظلم : الإخلال بذلك .
ومن العدل : قيام كل من الزوجين بحق الآخر ، ومن أخل بذلك منهما فهو ظالم .
وظلم الناس أنواع كثيرة ، يجمعها قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) .
فالظلم كله بأنواعه ظلمات يوم القيامة ، يعاقب أهلها على قدر ظلمهم ، ويجازى المظلومون من حسنات الظالمين ، فإن لم يكن لهم حسنات أو فنيت أخذ من سيئاتهم فطرحت على الظالمين .
والعدل كله نور يوم القيامة : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار )
والله تعالى حرم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده محرما . فالله تعالى على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله وجزائه ، وهو العدل . وقد نصب لعباده الصراط المستقيم الذي يرجع إلى العدل ، ومن عدل عنه عدل إلى الظلم والجور الموصل إلى الجحيم .
والظلم ثلاثة أنواع :
-نوع لا يغفره الله ، وهو الشرك بالله إن الله لا يغفر أن يشرك به)
-ونوع لا يترك الله منه شيئا ، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض ، فمن كمال عدله : أن يقص الخلق بعضهم من بعض بقدر مظالمهم .
-ونوع تحت مشيئة الله : إن شاء عاقب عليه ، وإن شاء عفا عن أهله ، وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربهم فيما دون الشرك .