الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

ترجمة نادرة للشهاب البوني صاحب شمس المعارف الكبرى

مملكة المواضيع العامة

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

    ترجمة نادرة للشهاب البوني صاحب (شمس المعارف الكبرى)

    لما رأيت جماعة من الناس تكلموا في الكتاب الشهير (شمس المعارف الكبرى) للبوني, فهم ما بين طاعن ولاعن وبين مثن ومن معتقد, وذلك لما حواه كتابه من الأسرار المختصة في علوم الحروف والأوفاق, فبعضهم يظن أن هذه العلوم من السحر, وبعضهم يراها من أسرار الصوفية, وبعضهم يراها علما كأي علم, فمن تعلمه أتقنه, وقد رأيت الإمام السبكي قال في معرض رده على الإمام الذهبي حين قال: أن كتاب (أسرار النجوم) المنسوب للرازي أنه سحر, فرد عليه السبكي وقال: ((وقد عرفناك أن هذا الكتاب مختلق عليه وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر)). ويستفاد منه أن السبكي له معرفة بأصول هذه العلوم حيث فرق بين ما هو سحر وما ليس بسحر.

    وعلى كل فقد أحببت أن أضع ترجمة للشهاب البوني صاحب (شمس المعارف الكبرى) وذلك نظرا لقلة المصادر التي تعرضت لترجمته, فأقول:

    اسمه ونسبه:
    هو الشيخ شرف الدين أو شهاب الدين أحمد بن علي بن يوسف البوني القرشي المالكي.

    مولده
    :ولد في مدينة بونة (عنابة) سنة 520هـ تقريباً.

    طلبه للعلم ورحلاته:
    قرأ القرآن الكريم بالقراءات في مدينة تونس, وتفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه, وتفنن في عدة علوم, وأخذ عن جماعة منهم: ابن حرز الله, وابن رزق الله, وابن عوانة, ورحل إلى الأندلس ولقي هناك أبا القاسم السهيلي, وابن بشكوال, والفقيه أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي.
    وقدم إلى الإسكندرية ولقي الحافظ أبي طاهر السلفي, وأبي الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري المالكي, وأقام بالقاهرة زمن الخليفة العاضد.
    ثم خرج من القاهرة إلى مكة لأداء فريضة الحج, ثم رحل إلى بيت المقدس, ومنها توجه إلى دمشق والتقى بالحافظ أبي القاسم ابن عساكر.
    ثم دخل واسط وبغداد ولقي الحافظ أبا الفرج ابن الجوزي, ورجع إلى بيت القدس, ومنها إلى مكة وأدى فريضة الحج مرة أخرى وعاد إلى مصر.
    وقيل له: كيف كان سفرك هذا؟, فال: خير سفر بدأناه ببيت الله وختمناه به يريد الحج.
    ثم عاد إلى تونس مرة أخرى وأقام بها يعلم الصبيان ويؤم الناس باحد المساجد هناك, ثم ترك التعليم وأقبل على الوعظ.

    مؤلفاته
    :صنف الشهاب البوني ما يقرب من 40 كتابا, منها:
    1- كتاب في الوعظ, يتداوله الناس في أفريقية كما يتداولون كتب ابن الجوزي في المشرق.
    2- شرح أسماء الله الحسنى في مجلدين كبيرين, قال المقريزي: ضمنه فوائد حسنة.
    3- شمس المعارف الكبرى في علم الحرف. قال المقريزي: عزيز الوجود يتنافس الناس فيه ويبلون الأموال الجزيلة.
    4- كتاب اللمعة النورانية.
    5- كتاب الأنماط.

    صفاته ومناقبه
    :كان رحمه الله كثير الإنقطاع والعبادة, وكان كثير التهجد والصيام, ويمسك عن الطعام في أكثر أوقاته, ويؤثر العزلة على مخالطة الناس, ويخرج في أغلب الأحيان إلى جبل (ماكوض) على البحر شرقي تونس على يومين منها فيقيم به, ولم يكن له أولاد ولا أتباع لإعراضه عن ذلك.

    كراماته وأحواله في علوم الحرف
    :لم يكن في زمنه ببلده أحسن منه خلقا ولا أكثر معرفة بعلم الحساب والحروف والفلك منه, حتى كان يقال له: كندي الزمان, ويقال: أن الحروف تخاطبه فيعلم منها منافعها ومضارها.
    وتؤثر عنه أحوال عجيبة من الخطوة في المشي (أي كان من أهل الخطوة), والإختفاء عن الناس والإحتجاب عنهم, فساعة هو معك تراه وساعة يغيب عنك ويتوارى في الطريق فلا يظهر لك إلا بعد أسبوع وأكثر.
    وكان كثيرا ما يأتي بما يقترح عليه من الفواكه والخضروات في غير وقت أوانها, ويأتي إلى النساء الحوامل بهذه الفواكه والخضروات في غير حينه, ويقرع أبوابهن ليلا ونهارا, ويقول: خذوا شهواتكن لعل الله ينفعنا بسببكن.


    حواره مع ابن عساكر
    :وقال له الحافظ ابن عساكر مرة في دمشق: إن الناس يذكرون أن هذه الدولة الفاطمية قرب زوالها, فقال البوني: وكذلك الدولة العباسية أيضا, ولكن الدولة الفاطمية آن زوالها وحان, والدولة العباسية قرب وكاد, وليس بين الدولتين إلا قريبا من تسعين سنة.
    فقال ابن عساكر: فمن يكون بعدهم؟
    فقال البوني: قوم لا يعبأ الله بهم وإن أحسنوا, هم كالنمر مع البقر, أو كالذئب مع الغنم, يؤيد الله بهم هذا الدين ويعمر بهم الشام والحجاز واليمن والجزيرة, هم الذين وقعت فيهم الإشارة من صاحب الشريعة حيث قال : ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)), فما رأيت أكثر منهم عملا تظاهرا بفجو إذا ظهروا.
    فقال ابن عساكر: فبلادك أنت؟
    فقال البوني: يظهر فيما بعد هؤلاء الذين بها قوم سوء ثم قوم سوء ثم قوم سوء.
    قال ابن عساكر: فما وراء ذلك؟
    قال: كذلك حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام.

    حواره مع الحافظ السلفي:
    قال له السلفي يوما: إن أهل بلدنا - يعني الإسكندرية- يذكرون عنك أن عندك شيئا من علم الغيب!!
    فقال البوني: قال الله : ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)).
    فقال السلفي: صدق الله, وأنت تكلمت بالحق, فما هذا الذي يقوله الناس؟!
    فقال البوني: تصحيف وتحريف, وإنما أعلم علم الشاهد لا علم الغيب.
    فقال السلفي: وما علم الشاهد؟
    فقال البوني: ما أظهره الله لي ولأمثالي ممن كان قبلي وفي زماني.

    وفاته: توفي رحمه الله في مدينة تونس سنة 622هـ عن نحو 80 سنة.

    هذه خلاصة ترجمته كما في (المقفى الكبير) للمقريزي, و(الكواكب الدرية) للمناوي, والأعلام, وكشف الظنون, وهدية العارفين.


    ذكر المرتضى الزبيدي في تاج العروس أن البوني روى عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن الحرالي التجيبي, وهذا الشيخ من العارفين المشهورين اجتمع به العارف ابن العربي الحاتمي, ولعله من شيوخ البوني في علم الحرف حيث اشتهر الحرالي به وله مؤلف فيه سماه (شمس مطالع القلوب). انظر ترجمة الحرالي وافية في (سبك المقال), و(التكملة), و(توشيح الديباج), و(نفح الطيب), و(تاج العروس).

    وبقية أسماء مؤلفات البوني مذكورة في (هدية العارفين) و(كشف الظنون), وذكر النبهاني في (جامع كرامات الأولياء) أن أبا العباس المرسي أخذ عن الشيخ البوني, والله أعلم.

    شيوخه

    ( 01) - أحمد بن نصر الداودي الأسدي ( ت سنة 402 هـ ): أبو جعفر، من أئمة المالكية بالمغرب. كان بطرابلس وبها أصل كتابه في شرح الموطأ ثم انتقل إلى تلمسان. وكان فقيهاً فاضلاً متقناً مؤلفاً مجيداً له حظ من اللسان والحديث والنظر. ألف كتابه النامي في شرح الموطأ والواعي في الفقه والنصحية في شرح البخاري والإيضاح في الرد على القدرية وغير ذلك. حمل عنه أبو عبد الملك البوني و لازمه خمس سنين ، و أخذ عنه جميع تواليفه [ " ترتيب المدارك و تقريب المسالك للقاضي عياض 1/497 ".] (02) - أبو محمد الأصيلي (تسنة 392 هـ): الحافظ الثبت العلامة أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأندلسي تفقه بقرطبة وبمصر وببغداد، وأتقن أخذ الصحيح عن أبي زيد المروزي وتفقه على أبي بكر الأبهري ووعى علما جما. كان رأسا في الحديث والسنن وفقه السلف له كتاب كبير سماه الدلائل في اختلاف العلماء حمل الناس عنه. [تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي :2/370] (03) - القاضي عبد الرحمن بن محمد ابن فطيس ( ت سنة 402 هـ): عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ، أبو المطرف، عالم بالتفسير والحديث وتاريخ الرجال. له تصانيف جيدة منه: القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن) و (المصابيح) في تراجم الصحابة و (فضائل التابعين) و(الناسخ والمنسوخ). وجمع من الكتب ما لم يجمع مثله أحد من أهل عصره في الأندلس. [الأعلام للزركلي 3/325.] (04) - علي ابن محمد بن خلف القابسي ( ت سنة 403 هـ) الإمام الحافظ الفقيه العلامة عالم المغرب أبو الحسين علي ابن محمد بن خلف المعافري القروي القابسي المالكي صاحب الملخص حج وسمع من حمزة بن محمد الكتاني الحافظ وأبي زيد المروزي وابن مسرور الدباغ بإفريقية دراس بن إسماعيل وطائفة وكان عارفا بالعلل والرجال والفقه والأصول والكلام مصنفا يقظا دينا تقيا. [ سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 438.] (05) - حسين بن محمد بن سلمون المسيلي ( ت سنة 431هـ) : يكنى أبا علي، أصله من مدينة المسيلة ( الجزائر)، تعلم وأخذ عن شيوخ و علماء بلده ، ثم انتقل إلى قرطبة ، واشتهر بتمكنه في الفقه المالكي ، ولاه سليمان بن حكم أمير البرابرة الشورى بقرطبة. عرف بصلاحه و عفته و تواضعه،ً توفي في قرطبة ، ودفن بمقبرة العباس. الصلة لابن بشكوال (1/46). و غيرهم.


    تلامذته

    استفاد من علم هذا الفقيه المحدث خلق لا يحصى ، حيث قصده طلاب العلم من كل جهات العالم الإسلامي ، و سأذكر بعضا من أشهر تلامذته: (1) - حاتم بن محمد بن عبد الرحمن بن حاتم التميمي ( 469 هـ): روى بقرطبة عن جماعةٍ من العلماء. رحل إلى المشرق فسمع بالقيروان من أبي الحسن القابسي الفقيه ولازمه، رحل إلى مكة حرسها الله وحج ، ولقي أبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقي وكان أحد المسندين الثقات فقرأ عليه وأجاز له، وجالس أبا عمران الفاسي الفقيه، وأبا بكر ابن عبد الرحمن الفقيه، وأبا عبد الملك مروان بن علي البوني وأخذ عنهم كلهم وهم جلة أصحابه عند أبي الحسن القابسي وممن ضمهم مجلسه وشهد معهم السماع عليه. أخذ عنه الكبار والصغار لطول سنه. وقد دعي إلى القضاء بقرطبة فأبى من ذلك، وكان في عداد المشاورين بها. [ الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/49).] (02) – ولده علي بن مروان بن علي الأسدي ( ت حوالي سنة 456 هـ): يكنى أبا الحسن ، ولد بمدينة بونة وأخذ عن أبيه تأليفه وحدث به، رحل الى الأندلس فأخذ عن علمائها وسكن قرطبة، حدث بشرح الموطأ لوالده ، لقيه القاضي أبو محمد بن خيرون القضاعي وقرأ عليه، كان راوية فقيها حافظا أديبا له حظ من قرض الشعر. [التكملة لكتاب الصلة 1/242.] (03) - عمر بن سهل بن مسعود اللخمي المقرىء ( ت بعد سنة 442 هـ) : من أهل طليطلة، يكنى: أبا حفص. رحل إلى المشرق وروى عن أبي أحمد السامري وأبي الطيب بن غلبون، وأبي عبد الملك البوني ... وغيرهم. كان إماماً في كتاب الله تعالى، حافظاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عالماً بطرقه، لسنا حافظاً لأسماء الرجال وأنسابهم، خفيف الحال قليل المال، قانعاً راضياً رحمه الله. [الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/127)] (04) - عمر بن عبيد الله بن زاهر ( ت 440 هـ) : أندلسي استوطن بونة من عمل إفريقية، يكنى: أبا حفص. روى عن أبي عمران الفاسي الفقيه، وأبي عبد الملك مروان بن علي الأسدي البوني، وأبي القاسم إسماعيل بن يربوع السبتي وغيرهم. [الصلة في الرواة لابن بشكوال 1/126).] ( 05) - محمد بن إسماعيل بن فورتش قاضي سرقسطة ( ت ؟؟ لم أعثر على تاريخ وفاته : يكنى: أبا عبد الله. له رحلة إلى المشرق حج فيها، وكتب الحديث عن عتيق بن إبراهيم القروي، وأبي عمران القابسي، وأبي عبد الملك البوني، وأبي عمرو السفاقسي، وأبي عمر الطلمنكي وغيرهم. وكان ثقة في رواية، ضابطاً لكتبه، فاضلاً، ديناً، عفيفاً راوية للعلم، روى عنه ابنه أبو محمد وأبو الوليد الباجي. [الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/173).] (06) - أبو بكر الأسديّ، ابن القيرواني الصابر ( ت 482 هـ): روى عن: أبي عمران الفاسيّ، ومروان بن عليّ البونيّ وعليّ بن أبي طالب الصابر وله كتب في التعبير، سكن المرية، وحمل النّاس عنه. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث والثلاثون الصفحة 102 ( 07) - أحمد بن وليد، يعرف بابن بحر ( ت 486 هـ) : من أهل أشونة: يكنى: أبا عمر. كان معتنياً بالعلم، وعقد الوثائق، واستقضى بجيان، (08) - أحمد بن العجيفي العبدري ( ت 489 هـ) : من أهل يابسة، يكنى: أبا العباس. حدث عن أبي عمران الفاسي، وأبي عبد الملك مروان بن علي البوني، وغيرهما. لقيه القاضي أبو علي ابن سكرة بيابسة وروى عنه بها. [الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/23).] (09) - محمد بن نعمة الأسدي العابر القيرواني( 482هـ) يكنى: أبا بكر. روى بالقيروان عن أبي عمران الفاسي. ومروان بن علي البوني، وعلي بن أبي طالب العابر، وأكثر عنه، وعبد الحق الصقلي وغيرهم. وكان معتنياً بالعلم عالماً بالعبارة وجمع فيها كتباً واستوطن المرية، وسمع الناس منه. [الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/196).] (10) - يحيى بن محمد بن حسين الغساني ( 442هـ) : يعرف بالقليعي، من أهل غرناطة؛ يكنى: أبا زكرياء. روى عن أبي عبد الله بن أبي زمنين جميع ما عنده، وعن أبي محمد بن خلف ابن علي السبتي، ورحل إلى المشرق وسمع من: أبي عبد الملك مروان بن علي البوني، وكان خيراً فاضلاً ثقة فيما رواه. كان من كبار أهل غرناطة موضعه مشاوراً، حسن الهيئة والسمت فاضلاً جزلاً رحمه الله. [الصلة في الرواة لابن بشكوال (1/217)] - ومن تلامذته أيضا ذو النون بن خلف، وابو هارون موسى بن خلف بن عيسى بن سعيد الخير و غيرهم. - مَنَاس بنون خفيفة محمد بن عيسى بن مناس القيرواني عن رجل عن القاسم بن الليث الرسعني قلت وأبو موسى بن مناس من كبراء فقهاء إفريقية ونبهائها والمقدمين بها وله كلام كثير وتفسير لمسائل ( ( المدونة ) ) مسطرة وقد سمع من البوني رضي الله عنه قاله القاضي عياض في كتابه ( ( ترتيب المدارك ) ). [ " توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم" لابن ناصر الدين شمس الدين محمد القيسي الدمشقي 8/180.]
    *********************************
    وأما من الناحية الشرعية الإيمانية العرفانية..
    فهنا سؤال: هل علم الحرف وما جرى مجراه مما يتوقف عليه انتفاع العباد في الدارين؟ بمعنى أن المنافع التي تنال به هل هي مشروعة أذن الله تعالى بها؟، والمنافع المشروعة التي تنال به هل لا سبيل إلى نيلها إلا به؟.
    وأيضاً: فهل هذه العلوم يحصل بسببها مضارة وأذية للنفس أو للغير؟..
    وبأي ميزان عرفنا صحتها وحقيتها؟
    أوليست هذه العلوم من جنس طلب التسلط على الناس والعلو في الأرض والملك لكن بطريق باطنية خفية؟
    وما مدى ارتباط هذه العلوم بالجن ؟
    هذه السؤالات لا بد أن ترد على أذهان كثيرين من الناس..
    وعلى كل حال فقد قرأت للشيخ عبدالوهاب الشعراني في العهود المحمدية كلاماً نفيساً ربانيا عرفانياً مختصراً، يكفي المسترشد ويشفي صدور قوم مؤمنين.
    وهذا هو:
    (( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نرجع في جميع مهماتنا وشدائدنا في الدنيا والآخرة إلى الله تعالى، وندعو ربنا بما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم ربه عند الكرب وأمر به أمته، ولا نخترع دعاء من عند أنفسنا ما أمكن، وينبغي لنا أن نعتقد إجابة دعائنا ويكره أن نظن عدم الإجابة خوفا أن لا يجيب دعاءنا فإن الله تعالى عند ظن عبده به .
    وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : إذ ظن أحدكم أن الله تعالى لا يستجيب دعاءه لكثرة عصيانه مثلا فليسأل غيره أن يدعو له لكن إن كانت الحاجة مما فيه رائحة التبسيط في الدنيا فلا يسأل فيها من خرق ببصره إلى شهود الدار الآخرة من الصالحين فإنه ربما رأى عدم قضاء تلك الحاجة أولى لما في تركها من الثواب والدرجات وليسأل في ذلك من لم يخرق بصره إلى الدار الآخرة فإنه أكثر توجها إلى الله في قضائها إذ العارف ليس له همة تجلب شيئا من شهوات الدنيا بل يرى لله الفضل في حرمانه منها اه وهو كلام نفيس .
    وقد ذقت ذلك من نفسي، فربما يسألني أحد في حاجته فأعلم أن له في تركها الأجر العظيم فاسأل الله له عدم قضائها لأن الخلق عند العارفين كالأطفال لا يجابون إلى كل ما سألوا .
    وينبغي لكل داع أن يدعو بما ورد لا كما عليه الإمام البوني وأضرابه فإن كلام النبوة أفصح وأكثر أدباً، فإذا دعونا بدعائه صلى الله عليه و سلم الذي فعله أو أمرنا به كان أقرب إلى الإجابة، وما أمرنا صلى الله عليه و سلم أن ندعو بشيء أو بحصول شيء إلا وقد مهد لنا عند ربه طريق الإجابة.
    وكل من في قلبه تعظيم للشارع صلى الله عليه و سلم يستعظم أن يسلك طريقا لا يرى فيها قدم الاتباع لنبيه صلى الله عليه و سلم بل لو كشف له لرآها طرقا وعرة مظلمة كثيرة المهالك قليلة الأنس.
    وقد ترك أقوام كثيرون من المباشرين وأركان الدولة الأدعيه الواردة في السنة واستعملوا أدعية مخترعة لها شروط كترك أكل الزفر والجوع والبخورات ونحو ذلك ؟ فازدادوا مقتا وطردا.
    وأين نفس البوني مثلا من نفس رسول الله صلى الله عليه و سلم . فاسلك يا أخي طريق أهل الله وتأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبك الله والله يتولى هداك )). .
    فهذا كلام العارفين بالله حقاً..
    وأما الذين يريدون علواً في الأرض أو فساداً، وأن يكون لهم مثل ما يكون لمن يرونه ذا حظ عظيم فعاقبتهم العقوبة أو الندم، والعاقبة للمتقين كما أبان ربنا تعالى ذلك في قصة قارون في آخر سورة القصص وما عقب عليها.
    وإنما عماد الطريق الخلو عما سوى الحق جل ثناؤه ومراضيه، والتجريد والتفريد، والزهد في زهرة الدنيا ومتعها (الظاهرة والباطنة) وجاهها (الدنيوي والديني) فإن للدنيا متعاً باطنة وجاهاً دينياً، فكم من زاهد زهداً ظاهرياً عامياً في المتع الظاهرة والجاه الدنيوي من المناصب والمفاخر الدنيوية، وهو أسر أو رقيق للمتع الباطنة الخفية المصطبغة بالصبغة الدينية، وهل شغل أكابر الأئمة الربانيين المتصدين للتسليك إلا تهذيب النفوس من هذه الرعونات الخفية والدسائس الإبليسية..
    فأين هذا من نعيم الآخرة وجاهها الذي تهب نسائمه على أهله وهم في الدنيا، وتنكشف أنواره لقلوبهم فتنثلج يقيناً وهم في ضيق من الدنيا وأهلها ويعجب لهم الناس كيف يصبرون! ..
    أليس خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ودم الشهيد كذلك، بل نفس قتله حياة نهى الله تعالى أن يقال إنهم أموات أو يظن بهم ذلك وإن كانوا قد فارقوا الدنيا..
    وما نقصت صدقة من مال بل تزيده ..
    وقدم ابن مسعود الحمشة أثقل في ميزان الله تعالى من جبل أحد..
    وأيش كان حال أهل الصفة رضي الله عنهم..وكذا من كان على قدمهم من التابعين بإحسان قرناً بعد قرن..
    والحاصل كما قال الجنيد قدس الله روحه: مشى أقوام باليقين على الماء، ومات أقوم بالعطش أعظم يقيناً منهم..
    وفيما نقله الشعراني عن شيخه الخواص وتعقيبه عليه تفسير لهذه النكتة النفيسة من نكت السلوك..
    اللهم اهدنا إليك صراطاً مستقيماً، آمين.
    ردك عبارة عن صورة طبق الاصل من شخصيتك
    مواضيع ذات صلة

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم
    تعليق

      #3
      زادك الله معرفة ودمت بالخير
      تعليق
      يتصفح هذا الموضوع الآن
      تقليص

      المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

      يعمل...
      X