الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

العشق لدى الجاحظ :

مملكة الفوائد والمجربات الصحيحة

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة


    والعِشقُ داءٌ لا يُملَك دفعه, كما لايُستطاع دفعُ عوارضَ الأدواء إلاّ بالحِمية, ولا يكاد يُنتَفع بالحميّة مع ماتولِّد الأغذية وتزيد في الطبائع بالازدياد في الطُّعم.
    وأنا واصفٌ لك حدَّالعشق لتعرف حدَّه: هو داءٌ يُصيبُ الرُّوح ويشتمل على الجسم بالمجاورة, كما ينالالروح الضعفُ في البطش والوهنُ في المرء ينهكه. وداء العشق وعمومه في جميع البدنبحسب منزلة القلب من أعضاء الجسم. وصعوبة دوائه تأتي من قبل اختلاف عِلله, وأنّهيتركّب من وجوهٍ شتَّى, كالحَّمى التي تَعرِض مركبَةً من البرد والبلغم. فمن قصدَلعلاج أحد الخِلطينِ كان ناقصاً من دائه زائداً في داء الخلط الآخر, وعلى حسب قوّةأركانه يكون ثُبوتُه وإبطاؤه في الانحلال. فالعشق يتركّب من الحُبّ والهَوَى, والمشاكلة والإلف, وله ابتداءٌ في المصاعَدة, ووقوفٌ على غاية, وهبوطٌ في التوليدإلى غاية الانحلال ووقف الملال.
    والحبّ اسمٌ واقع على المعنى الذي رُسم به, لاتفسير له غيره; لأنه قد يقال: إن المرء يحبُّ الله, وأنّ الله جلّ وعزّ يحبّالمؤمن, وإن الرجل يحبُّ ولدَه, والولد يحبّ والدَه ويحبُّ صديقَه وبلدَه وقومَه, ويحبُّ على أي جهة يريد ولا يسمَّى ذلك عشقاً. فيُعلَم حينئذ أن اسم الحبّ لايُكتفى به في معنى العشق حتّى تُضاف إليه العللُ الأخر إلاّ أنه ابتداء العشق, ثميتبعه حبُّ الهوى فربّما وافق الحقّ والاختيار, وربّما عَدَل عنهما. وهذه سبيلالهوى في الأديان والبُلدان وسائر الأمور. ولا يميل صاحبه عن حجّته واختياره فيمايهوي. ولذلك قيل: (عَينُ الهوى لا تصْدُق), وقيل: (حبُّك الشيءَ يُعمي ويُصمّ). يتخذون أديانهم أرباباً لأهوائهم. وذلك أنّ العاشق كثيراً ما يعشق غير النهاية فيالجمال, ولا الغاية في الكمال, ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة, ثم إن سُئل عنحُجّته في ذلك لم تقُمْ له حُجّة.
    ثم قد يجتمع الحبُّ والهوى ولا يسمَّيانعشقاً, فيكون ذلك في الولد والصديق والبلد, والصِّنفِ من اللِّباس والفُرشوالدوابّ. فلم نر أحداً منهم يسقم بدنه ولا تتلف روحُه من حبّ بلده ولا ولده, وإنكان قد يصيبه عند الفراق لوعةٌ واحتراق.
    وقد رأينا وبلغَنا عن كثير ممن قدتَلِفَ وطال جُهده وضَناه بداء العشق.
    فعلم أنّه إذا أضيف إلى الحبّ والهوىالمشاكلةُ, أعني مشاكلةَ الطبيعة, أي حبّ الرجالِ النساءَ وحبَّ النساءِ الرجالَ, المركَّبَ في جميع الفحول والإناث من الحيوان, صار ذلك عشقاً صحيحاً. وإن كان ذلكعشقاً من ذكر لذكرٍ فليس إلا مشتقًّا من هذه الشهوة, وإلا لم يسمَّ عشقاً إذافارقَت الشهوةُ. ثم صارت قلّة العِيان تزيد فيه وتُوقِد نارَه, والانقطاعُ يسعِّرهحتى يُذهَل العقلُ ويُنْهَكُ البدنُ, ويشتغل القلبُ عن كلِّ نافعة, ويكون خيالالمعشوق نُصبَ عين العاشق والغالبَ على فكرته, والخاطرَ في كلِّ حالة على قلبه. وإذا طال العهدُ واستمرَّت الأيام نقص على الفرقة, واضمحلَّ على المطاولة, وإن كانتكلومه وندوُبه لا تكاد تعفو آثارُها ولا تدرس رسومُها. فكذلك الظَّفَر بالمعشوقيُسرِع في حَلِّ عِشقِه. والعلّة في ذلك أنّ بعض الناس أسرعُ إلى العشق من بعض; لاختلاف طبائع القلوب في الرِّقّة والقسوة, وسرعة الإلف وإبطائه, وقلّة الشَّهوةوضعفها.
    ويقول سبط المارديني في ذلك: "العلاج لاشيء كالوصال لمن يتهيأ على الوجه الشرعي، وإلا أهين وقبح بفعله، وإشغاله ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل ثم استفراغ بعض السوداء. ويكثر من صب الماء على الرأس. ويطعم البطيخ والقثاء والبقلة، ويسقى الرايب الحامض، ويؤمر أن ينام تحت الندى. وذكروا أن النظر إلى القمر عند امتلائه يمنع هذا المرض. وينصح بكثرة الاغتسال بالماء البارد أيضا. ولا يعطى الأشياء الحارة من الأدوية والأغذية والأهوية".


    مواضيع ذات صلة
يتصفح هذا الموضوع الآن
تقليص

المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

يعمل...
X